أيام قليلة ويودع العالم 2014 بكل ما له وما عليه، لكن المتأمل فى أحوال الأزهر الشريف بصفة خاصة والمؤسسة الدينية بصفة عامة يمكنه أن يقول عليه عام الإنصاف، حيث أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى ضرورة عودة الأزهر لدوره لما يمثله من أهمية كبيرة، داخليا وخارجيا، وفيه تم تأسيس بيت زكاة المسلمين، وأصدر بيان الأزهر العالمى. ? لم يمر العام على الأزهر الشريف دون أن يترك أثره الحزين برحيل أحد أهم رجاله المخلصين، الدكتور محمود عزب، مستشار شيخ الأزهر لشؤون الحوار، الذى غيبه الموت، وقد نعاه الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف في بيان صادر عن المشيخة. وورد فيه «فُجِعَ الأزهرُ الشريف وإمامه الأكبر وفريق العمل بالرحيل المفاجئ لأحد الأزهريين الأوفياء الذى فضل الانضمام إلى هذا الفريق على المنصب الأكاديمي المرموق في باريس، حيث ظل الراحل الكريم يعمل – على اقتناع وإخلاص وروية ووطنية عالية – فى جانب من أهم جوانب العمل في مشيخة الأزهر الشريف حتى آخر لحظة من لحظات حياته، ولن ينسى له الوطن المصرى – بمسلميه ومسيحييه - قيامه على فكرة بيت العائلة الذي أقام بناءه فى العديد من محافظات مصر؛ ليرتفع بالعمل من أجل العلاقات الوطنية والأخوية والروحية بين المسلمين والأقباط في مصر، عن المستوى المناسباتى والمراسمي إلى المستوى المؤسسي الذى يحفظ لحمة النسيج الوطني، وجوهر الوحدة الوطنية، بتعاون من الجميع واقتناعهم واطمئنانهم وحرصهم المتبادل». وتابع شيخ الأزهر «إن عزب كان أديباً شاعرا، وقد أبدع فى المجال الوطني، وترك نصوصًا، ستبقى بعده طويلا كما ستبقى جهود العملية التي نهض بها فى خدمة مصر والأزهر والإسلام وأضاف «الأزهر الشريف ينعاه إلى الأمة الإسلامية والعالم مفكرًا مسلمًا عاملًا من أجل سلام حقيقي كوني يقوم على الحق والعدل، والتفاهم الفكري العميق ليدعو الله أن يرحمه ويغفر لنا وله ويلحقنا به على خير». ? وفى هذا العام أنصف الرئيس عبد الفتاح السيسى الأزهر الشريف بتأكيده أن الحالة الدينية التى تعيشها البلاد تستدعى تصحيح الخطاب الدينى وعودة دور الأزهر لما كان عليه، وهو المعنى بذلك، بالإضافة إلى الكنيسة، مشيراً إلى أن هذا الأمر لم ينته فى يوم وليلة، حتى نجد صيغة للتفاهم فيما بين المصريين مبنى على النقاش والحوار الحقيقى، وتابع قائلاً «أى مصلحة دينية حقيقية لابد أن تدرك أنه من غير الممكن أن الخطاب الدينى المنتشر لا يعبر عن صحيح الدين الإسلامى». ? كما زار المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء، شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، أكثر من مرة فى زيارات تناولت الأوضاع الراهنة على الساحة المصرية، والتأكيد على دور الأزهر الشريف فى محاربة الفكر المتطرف ودوره فى خدمة الدعوة الإسلامية ونشر الفكر الوسطى المعتدل. ? جاء ظهور تنظيم «داعش» بالاسم الذى أطلقه على نفسه دولة الخلافة الإسلامية، ليربك الوسطين السياسى والدينى، خاصة الأزهر منبر الإسلام الوسطى فى العالم وقبلته، وجاء تصريح الأزوهر بعدم تكفير «داعش» رغم أفعاله وجرائمه التى يرتكبها باسم الدين، لتثير جدلًا واسعًا، حيث قال الأزهر فى بيان له نصًا «علماء الأمة يعلمون يقينا أنهم لا يستطيعون أن يحكموا على مؤمن بالكفر مهما بلغت سيآته، بل من المقرر فى أصول العقيدة الإسلامية أنه لا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحد ما أدخله فيه، وهو الشهادة بالوحدانية ونبوة سيدنا محمد، وأن الذنوب مهما بلغت لا يخرج ارتكابها العبد من الإسلام». ? وأصدرت الدعوة السلفية بيانا للرد على هجوم البعض على الأزهر الشريف، وأثنت فيه على دور الأزهر، منذ ثورة 25 يناير حتى الآن، ودوره فى الجمعيتين التأسيسيتين لوضع دستور مصر. وقالت الدعوة فى بيانها: «عقب ثورة 25 يناير حاولت بعض القوى السياسية والأصوات الإعلامية أن توحى أن الثورة قامت على المادة الثانية من الدستور وعلى الهوية الإسلامية، واحتدم الخلاف، واهتم الجمهور بالقضية، وأظهر الأزهر اعتزازه بهويته وشريعته، ومن ثم خرجت التصريحات من الجميع بأنهم مع الشريعة، ولكنهم يريدون ضمانات ألا يتم تطبيقها وفق تفسيرات متشددة أو متطرفة أو مخالفة لمقاصد الشريعة». وأشارت الدعوة السلفية أن هناك محاولات من ذات الجهات الإعلامية وبعض الهيئات الرسمية لفرض توجهات معينة لبعض علماء الأزهر واعتبارها هى رأى الأزهر، وإلزام الجميع بها، ومحاولات لفرض رأى فى مسائل لا تتعلق بالتشريع العام رغبة منهم فى إقصاء الدعوة السلفية عن دورها فى مساعدة الأزهر فى نشر الفكر الوسطى، الذى يقوم جوهره على رفض التكفير والعنف، وهذا كله لم ولن يثنى الدعوة السلفية بإذن الله تعالى عن دورها المساند والمدعم للأزهر فى مقاومة هذه الأفكار. ? أصدر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، قرارًا رقم (190) لسنة 2014، المتضمن تشكيل مجلس أمناء بيت الزكاة والصدقات المصرى، إعمالًا لنص المادة رقم (8) من القرار بقانون رقم (123) لسنة 2014، برئاسة شيخ الأزهر وعضوية مجموعة من الشخصيات العامة من ذوى الخبرة فى العلوم الشرعية والنواحى الاقتصادية والمالية والفنية والقانونية وإدارة الأعمال وغيرها من النواحى ذات الصلة. وانتهى الأزهر الشريف فى 8 يوليو الماضى من مشروع القانون، وتم تسليمه إلى مجلس الوزراء، الذى وافق عليه فى اجتماعه يوم 27 أغسطس، ليصدر قرار جمهورى من الرئيس عبد الفتاح السيسى يوم 10 سبتمبر بإنشاء بيت الزكاة، ويحتوى قانون بيت الزكاة على 21 مادة. ? لم يكن عام 2014 ورديًا على الخط بالنسبة لمؤسسة الأزهر، حيث دارت معركة بين الأزهر والمثقفين والمدافعين عن الإبداع بشأن عرض فيلم «نوح» الأمريكي بدور السينما المصرية، فقد طالب الأزهر بمنعه إذ اعتبره «محرما شرعا ويمثل انتهاكا لمبادئ الشريعة الإسلامية»، فيما ترى «جبهة الإبداع المصري» التي تضم مئات المثقفين والفنانين أن لاجدوى من منع عرضه في ظل إمكانية مشاهدته على الإنترنت. وفور توليه حقيبة وزارة الثقافة صرح الدكتور جابر عصفور، بأنه لو كان وزيرًا حين تم منع عرض «نوح» لما حدث هذا، لكن يبدوا أن عصفور لم يفوت الفرصة وواصل هجومه على الأزهر الشريف، ومشايخه، وعلمائه، الأمر الذى أثار استياء وغضب العديد منهم وعلى رأسهم الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر. وكانت آخر تصريحات عصفور، خلال كلمته في افتتاح المسرح القومى، حيث وصف علماء الأزهر الشريف ب»المتعصبين»، وذلك لمنعهم عرض مسرحية «الحسين ثائرًا» وغيرها من الأعمال الدينية، الأمر الذى أدى إلى انسحاب موفد الأزهر الدكتور محمد مهنا، من الاحتفال، احتجاجاً على كلام وزير الثقافة. واتهم عصفور رجال الدين بالوقوف ك»حجر عثرة» أمام الإبداع، علاوة على دعوته لعرض فيلم «نوح» بدعوى أن تجسيد الأنبياء فى الأعمال الفنية لا يتعارض مع الدين. ولم تنته الأزمة التى من المتوقع أن تتجدد الفترة المقبلة بعد طرح فيلم «الخروج: آلهة وملوك»، والذى كان من المنتظر عرضه فى اليوم الأخير من ديسمبر الجارى، الذى يجسد حياة نبى الله موسى. ? واختتم الأزهر 2014 باستضافته علماء أكثر من 150 دولة إسلامية، فى مؤتمر الأزهر فى مواجهة الإرهاب، الذى خرج ببيان ختامى، أكد خلاله على أن كلَّ الفِرَقِ والجماعاتِ المُسلَّحةِ و»المليشيات» الطائفيَّةِ التى استعملت العنفَ والإرهابَ فى وجه أبناء الأمةِ رافعة – زورًا وبهتانًا – راياتٍ دينية، هى جماعاتٌ آثمةٌ فكرًا وعاصيةٌ سلوكًا، وليست من الإسلامِ الصحيحِ فى شىءٍ، إنَّ ترويعَ الآمِنين، وقتلَ الأبرياءِ، والاعتداءَ على الأعراضِ والأموالِ، وانتهاكَ المقدَّساتِ الدينيةِ - هى جرائمُ ضد الإنسانيَّةِ يُدِينها الإسلامُ شكلًا وموضوعًا، وكذلك فإنَّ استهدافَ الأوطانِ بالتقسيمِ والدولِ الوطنيةِ بالتفتيتِ، يُقدِّم للعالم صورةً مشوهةً كريهةً من الإسلام، والكثير من الحلول التى يواجهها العالم ويعانى منها بسبب انتشار التطرف والإرهاب.