يجلس ساهما.. شارد الذهن أمام النافذة المفتوحة.. وبالرغم من برودة الجو فى الشتاء ليلا إلا أنه لا يشعر بهذه البرودة وكأن جسده قد تعود عليها.. أصفر الوجه.. ضعيف.. ضئيل الجسم.. يحمل ملامح أبناء الوادى.. وإن كان غير قادر على الحركة إلا بصعوبة.. تظنه كهلا.. وإن كان عمره لم يتجاوز الثلاثين.. عاش سنوات عمره يحلم بالسعادة والمال .. عمل منذ كان طالبا ليساعد نفسه وعائلته.. كافح وجاهد ليحيا وإن كانت الحياة التى يحياها مع أسرته تكاد تكون تحت خط الفقر، ولكنه كان يحمد الله على الرزق.. جاهد حتى حصل على دبلوم صنايع بجانب عمله.. ولكن منذ حصوله على الشهادة لم يجد عملا دائما.. بل كان يجد عمل يوم أو يومين ويظل باقى الأسبوع يبحث عن العمل الذى يوفر له لقمة العيش.. ومع ذلك كان يدخر جزءا من يوميته.. فهو يتمنى أن يكمل نصف دينه.. ويكون عائلة وأطفالا فهذه سُنة الحياة وبالفعل وجد ضالته فى بنت الحلال التى رضيت به بالرغم من ضيق ذات اليد، ولكنها وقفت بجانبه تدفعه للبحث عن عمل دائم حتى تستقر الحياة بالأسرة الصغيرة وفى هذه الأثناء كان الله قد رزق الأسرة بأول طفل لها.. وقد دفع ذلك «محمد» إلى أن يبذل الجهد لتوفير حياة كريمة للأسرة.. ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن.. فقد بدأ يشعر بالتعب والوهن.. ولكنه لم يعط أى اهتمام فهو يعلم أنه لو نام يوما واحدا ما وجدت الأسرة لقمة العيش الحاف.. خرج ليعمل.. ولكنه سرعان ما عاد إلى المنزل بعد ساعات قليلة وهو محمول على أعناق زملائه، فقد أصابته آلام فى بطنه، ثم سقط مغشيا عليه وعندما استرد وعيه اشتد عليه الألم وارتفعت درجة حرارته طلب من زوجته أن تعد له كوبا من أى مشروب ساخن، ولكن مع تقدم الليل زادت الآلام وظهر انتفاخ فى جنبه الأيمن ولم تجد الزوجة بدا إلا أن تصحبه إلى المستشفى ودارت دائرة المرض عليه وعليها ودخل دوامة لم يستطع الخروج منها فقد طلب منه الأطباء تحاليل وأشعة وفحوصات كثيرة.. وخرج الأطباء ليؤكدوا لها أنه مصاب بفيرس كبدى (C) وأنه قد أدى إلى تليف كبدى.. وكانت نصائح طويلة وكثيرة وتعليمات غذائية ودوائية وخلال رحلة مرضه وتغيب الزوجة عن المنزل كانت الابنة الثانية فى الأسرة قد أصيبت بارتفاع بدرجة الحرارة وآلام فى الجسد وحملتها الجدة إلى الوحدة الصحية وشخص الطبيب مرض الطفلة بأنه نزلة برد ولا يوجد أى خوف فجميع الأطفال فى سنواتهم الأولى يصابون بنزلات البرد المتكررة ولكن الطفلة ذات الثلاث أعوام لم تشف، بل زادت آلامها وجاءت الأم لتحمل طفلتها «ملك» إلى المستشفى العام ويطلب الطبيب منها إجراء تحليل دم فهو يشك فى شىء ما وبالفعل تم إجراء التحاليل وكانت النتيجة ليست مرضية على الاطلاق فقد طلب الطبيب عرضها على طبيب متخصص فى أمراض الدم.. وهناك طلب الطبيب تحاليل كثيرة.. كانت حياة الأسرة قد ارتبكت بسبب مرض الأب وزادت ارتباكا بمرض الطفلة الصغيرة وظهرت نتيجة التحاليل وكانت تحمل الكثير من المصائب إنها مصابة بلوكيميا حادة بالدم لم تفهم الأم وارتبك الأب وفسر الطبيب أنها تعانى من سرطان بالدم وتحتاج إلى علاج طويل ويجب أن تخضع لجلسات علاج كيماوى وإشعاعى وهكذا حولها الطبيب إلى مستشفى سرطان الأطفال.. وبدأت رحلة اللاعودة تحملت الأسرة فيها الكثير من المال والجهد والأعصاب.. ولكن كانت رحلة لا بد منها وطال الوقت بالأسرة التى صرفت فيها كل المدخرات البسيطة التى كانت تعتبر السند واضطر الرجل المريض إلى أن يمد يده يطلب المساعدة فدخله من العمل اليومى بسيط، خاصة أن صحته وجسده عليل.. ولديه من المصاريف والاحتياجات ما يفوق أى دخل.. الجنيهات تطير وتتبخر سريعا.. وقد أصبح غير قادر على أن يوفر لأسرته ولنفسه وطفلته المريضة لم تجد الزوجة إلا أن تستدين، ثم فى النهاية أرسلت تطلب المساعدة.. فهل تجد من يقف بجانبها وجانب زوجها وابنتها الصغيرة؟ من يرغب فليتصل بصفحة مواقف إنسانية.