? أعظم عملية خاصة تمت بأيدى مصرية ? رحلة الأهوال عاد منها أربع جمال من أصل 50 أطلقت عليها المعاهد العسكرية التابعة لحلف الناتو ووارسو لقب «أعظم عملية خاصة فى تاريخ الحروب»، كما تعرف فى مصر ب «المهمة المستحيلة» أو «قافلة الجمال الانتحارية» إنها معركة كمين رأس سدر، تفاصيل العملية تثير المشاعر وتبكى كل من يسمعها أو يقرأها لأنها مواقف إنسانية، وعلى الرغم من كونها عملية بخمسة أفراد وبعض الجمال إلا أنها غيرت مجرى التاريخ. يروى اللواء نبيل أبو النجا أحد أبطال المعركة تفاصيلها التى لا تزال محفورة فى ذاكرته حيث بدأت المعركة عصر يوم السبت السادس من أكتوبر 1973، وبعد العبور بساعتين ونصف قامت 18 طائرة من طائرات الهليكوبتر المصرية بحمل كتيبة الصاعقة لنقلهم من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية لإنزال رجال الصاعقة على مسافة 80 كم فى عمق العدو، ولكن وصل منهم 4 طائرات فقط مما أحدث خسائر فادحة. وفى تمام الساعة السادسة والنصف مساءً من ذات اليوم، قمنا بدفع 2 طائرة هليكوبتر بقيادتى من منطقة العين السخنة وبمجرد إقلاعهم أسقطتهم الطائرات الاسرائيلية، وقامت قوارب حرس الحدود المصرية بانتشال الناجين وكنت أحد منهم وبذلك فشلت المحاولة الأولى للاتصال بالقوة. وأيضاً فشلت المحاولة الثانية التى تمت من منطقة جبل عتاقة حيث أسُقطت الطائرتين بمجرد اقلاعهما وانفجرت احداهما، وتكررت المحاولات للمرة الثالثة فجر يوم الأحد السابع من أكتوبر، حيث قمت بقيادة عشرة قوارب كل منها به عشرة فدائين من الصاعقة ومعهم المؤن والذخيرة والسلاح ليعبروا الخليج لمسافة 22 ميلا بحريا حتى منطقة رأس مسلة بين عيون موسى ورأس سدر، وبعد النزول إلى الساحل الشرقى للخليج يتقدم الرجال لمسافة 80 كم ومعهم المؤن حتى مضيق سدر للاتصال بالقوة التى ما زال مصيرها مجهولا، ولكن فى الساعة الرابعة إلا ربع عصراً قصفت إسرائيل المنطقة بلنشات صواريخ وتحولت إلى قطعة من جهنم مما أدى إلى استشهاد الكثيرين وبذلك فشلت المحاولة الثالثة. ورغم المحاولات الفاشلة إلا أنه كان هناك إصرار وعزيمة لتحقيق الهدف الذى تحقق فى المحاولة السادسة، ولكن فى الساعة الثامنة صباحا قمت بقيادة عشرة مركبات مدرعة، عبرنا بها القناة وبمجرد وصولنا للضفة الشرقية قام المهندسون بفتح ثغرة فى الساتر الترابى للمركبة المدرعة، ولكن انزلق الجنزير فى الطين والمياة مما أدى إلى سقوط المركبة فى القناة. وحاولت ومن معى النجاة من المركبة قبل أن تستقر فى قاع القناة، وكان مصير المركبة الأخرى التدمير من قبل الصواريخ الإسرائيلية قبل دخولها فى الثغرة، وكذلك الحال بالنسبة للمركبة الثالثة، أما بالنسبة للمدرعات السبع الأخرى فقد دمرتها الطائرات الإسرائيلية وبذلك فشلت المحاولة الرابعة. وبعد فشل المحاولة الخامسة، أصبح الأمر مسألة حياة أو موت، وتقرر دخولى ومعى ثلاثة رجال من حرس الحدود نوبيين ودليل بدوى من المخابرات الحربية من قبائل الترابيين، لتشكيل الدورية الانتحارية ومعنا 50 جملاً، ومن هنا بدأت رحلة الأهوال لعبور القناة، فكان الله كاتب لهذه القوة الصغيرة النصر فأيدنا بجنود لم نراها، إلى أن وصلنا إلى مكان الكمين ومعنا 4 جمال من الخمسين. وبذلك تحققت المعجزة فى المحاولة السادسة وتم تنفيذ الكمين بحمد الله ولم يستطع العدو دفع دبابة واحدة من المضيق طيلة أيام العمليات لأن الجبل انطبق على الطريق الذى يخترقه وركعت الجبال لبسالة مقاتلى الصاعقة. وجاءت لنا أوامر بالعودة من طريق تبادلى لمسافة 180 كم من خلال قلعة الجندى وهضبة التبه أو العجمى حتى لا يأسرنا العدو بعد أن علم بتواجدنا،وخلال رحلة العودة ومع تقدمنا للسير فى الطريق سقط أحد الرجال من قمة الجبل وأصيب بكسر فى منطقة الحوض وساقيه، فحملناه لمسافات طويلة على الطريق الجبلى، وفى أحد الليالى لدغ ثعبان سام خطير أحد الرجال وكان بين الحياة والموت ولكننا أسعفناه، واستمرينا فى العودة وأصبحنا ثلاثة رجال يحملون اثنين، ولكن رغم وجودنا فى منطقة لا أحد يعلم بها إلا أننا وجدنا دابة، ساعدتنا على المسير والمكافحة إلى أن كتب الله لنا النجاح فى العودة لمنطقة عيون موسى بعد رحلة شاقة. ثم دخلنا إلى منطقة قواتنا فى نطاق الجيش الثالث الميدانى وتوجهنا لمكتب مخابرات السويس الذى أرسلنا جواً وبصفة عاجلة إلى القاهرة وبذلك تحطمت أسطورة الجيش الإسرائيلى بمقتل الجنرال الاسرائيلى ألبرت ماندلر قائد المدرعات الاسرائيلية فى الكمين، وجرح الجنرال إبراهام ادان قائد المنطقة الجنوبية العسكرية وعشرات القتلى، كما تم تدمير العديد من دبابات ومدرعات العدو الإسرائيلى. وبنبرة من يغلب عليها الفخروالحزن معا قال من أبرز المواقف الإنسانية التى واجهتها عند عودتى من نكسة 1967 حاولت احتضان امى ولكنها رفضت وقالت لى «امشى مش عايزة اشوفك، الصهاينة الذين يرتدون حلقان ويشبهون البنات ينتصروا عليكوا»، فهذا الموقف دمرنى نفسيا ولكننى عزمت على المواجهة فى حرب أكتوبر وقد كان النصر ولكن عندما عدت حزنت حزناً شديداً فقد ماتت وكنت أريد إبلاغها بالانتصار.