فى الوقت الذى يستعد فيه الأتراك للتوجه إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس جديد للبلاد خلفا للرئيس الحالى عبدالله جول الذى تنتهى فترة ولايته فى الثامن والعشرين من أغسطس الجارى، اتخذ رجب طيب أردوغان رئيس الحكومة التركية والمرشح الأبرز فى الانتخابات الرئاسية، خطوة مفاجئة ربما تفتح عليه جبهة صراع جديدة قبيل الانتخابات المنتظرة فى العاشر من أغسطس، وذلك من خلال عمليات اعتقال واسعة جرت مؤخرًا لعشرات من رجال الشرطة الأتراك من بينهم ضباط كبار بتهمة الضلوع فى أنشطة تجسس وتنصت غير قانونية على أردوغان وعدد من المقربين منه. ومن المستغرب أن التبريرات التى قدمها المدعى العام التركى هادى صالح أوغلو، لعمليات اعتقال الضباط، لم تكن مقنعة بما فيه الكفاية للناخب التركى الذى يساوره قلق متزايد تغذيه المعارضة باستمرار من تحول أردوغان إلى حاكم ديكتاتور إذا ما فاز بمنصب الرئاسة، وقال أوغلو: «أصدرنا الأمر بالقبض على 76 ضابطا واحتجازهم، كانوا يجرون تحقيقا بشأن جماعة باسم «سلام - توحيد» فى حين كان هدفهم الأساسى التجسس». وأوضح أن قضية «سلام - توحيد» التى استهدفت 251 شخصا تم شطبها لعدم وجود أدلة بعد أن استمرت التحقيقات فيها ثلاثة أعوام جرى خلالها التنصت على 2280 شخصا. كما وجد الشعب التركى نفسه قبل الانتخابات الرئاسية بأيام محاطا بالحيرة والارتباك، وهو يرى حكومته التى بدت قبل شهور وكأنها تتطهر من الفساد والفاسدين، تعود أدراجها مرة أخرى وتعتقل عشرات الضباط ممن أجروا التحقيقات حول فساد المسئولين فى حكومة أردوغان، وهى التحقيقات التى قادت إلى خروج أربعة من الوزراء من التشكيل الحكومى فى ديسمبر الماضى، واعتقال أبناء وزراء ورجال أعمال بارزين مقربين من أردوغان. ويرى محللون أن هذه الإجراءات الأخيرة التى اتخذتها السلطات التركية بحق ضباط الشرطة هى من قبيل تصفية الحسابات مع رجل الدين فتح الله غولن الذى يتمتع بنفوذ كبير فى أوساط الشرطة والقضاء، خاصة أن أردوغان منذ القبض على عدد من المقربين منه فى الفضائح المالية التى أثيرت فى ديسمبر الماضى، وهو لا يتوقف عن التنديد بما يعتبره «مؤامرة» تقف وراءها «عصابة» تشكل دولة داخل الدولة، وتضم فى صفوفها عناصر من الشرطة والقضاة. ويصر أردوغان على أن اتهامات الفساد التى أجبرت بعض وزرائه على الاستقالة هى جزء من محاولة انقلاب نفذها أتباع الداعية غولن المقيم فى الولاياتالمتحدةالأمريكية، والذى تصفه الحكومة التركية هو وجماعته المعروفة باسم «حزمت» ب «الكيان الموازى»، وتتهمه بالتغلغل داخل سلكى الشرطة والقضاء على مدى أعوام. ويبدو أن قضية اعتقالات ضباط الشرطة لن تشكل جبهة الصراع الوحيدة التى يتعين على أردوغان حسمها خلال هذه الفترة، وهو يسعى بكل ما أوتى من قوة إلى الوصول لمقعد الرئاسة مدعوما بترشيح حزبه العدالة والتنمية، وذلك بعد دخول الجيش التركى على خط الجدل القائم حول الفضائح السياسية والمالية فى البلاد، ومطالبته قبل عدة شهور بإعادة محاكمة مئات الضباط الذين أدينوا بتهمة التخطيط لانقلابات عسكرية، ولا تبدو أمام أردوغان فى هذا التوقيت سوى ورقة وحيدة للعب بها مع المؤسسة العسكرية، وهى محاولة كسب ودها للحد من معارضة الأحزاب العلمانية، الأمر الذى يجبره على الموافقة على إعادة محاكمة نحو 200 من قيادات وضباط الجيش السابقين الذين يقبعون حاليا فى السجون لقضاء فترة عقوبتهم.. وهو ما قد يفتح النار على أردوغان وهو فى قصر الرئاسة إذا ما فاز فى الانتخابات وثبتت فى الوقت نفسه تهمة التلاعب بالأدلة التى أدانت هؤلاء الضباط أثناء المحاكمة السابقة.