«نعم للكرامة»، «شكرًا للواء حفتر»، «دم الشهداء أمانة».. شعارات رفعتها مظاهرات الجمعة قبل الماضية فى طرابلس وبنغازى ومدن ليبية أخرى للإعراب عن الموقف من عملية «الكرامة» التى يقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر ضد الجماعات والميلشيات المسلحة لى ليبيا. وقد اعتبر اللواء حفتر التظاهرات المؤيدة ل «عملية الكرامة بمثابة تفويض له فى مكافحة الإرهاب. وفى بيان بثته عدة قنوات تليفزيونية محلية قال «وافقنا على التفويض الشعبى ونقول لشعبنا شكرًا على خروجكم وتفويضنا». وأضاف: نتعهد لكم يا شعبنا العظيم بتطهير ليبيا من الإرهابيين والمتطرفين وكل من يدعمهم ويساندهم». انطلاق الكرامة فى السادس عشر من مايو الماضى أعلن اللواء حفتر انطلاق «الكرامة»، وهى عملية عسكرية تهدف إلى تطهير ليبيا من الإرهاب والعصابات والخارجين عن القانون والالتزام بالعملية الديمقراطية ووقف الاغتيالات التى تستهدف الجيش والشرطة». فقام فى بنغازى باستخدام طائرات حربية وقوات برية لتنفيذ هجوم ضد ميلشيا مرتبطة بجماعة «الإخوان المسلمين» وجماعات إسلامية أخرى، يعتقد أنها مسئولة عن التفجيرات والاغتيالات التى شهدها شرق ليبيا. وأعلن اللواء حفتر أن عملية «الكرامة» ليست انقلابا وأن الجيش لن يمارس الحياة السياسية، كما أعلن تجميد عمل المؤتمر الوطنى العام - البرلمان - الذى لم يعد استمراره شرعيًا منذ فبراير الماضى، مبقيًا على الحكومة كسلطة تصريف أعمال. وبدأت العمليات العسكرية بين «الجيش الوطنى الليبى» بقيادة حفتر، مدعوما بقادة القوات المسلحة الليبية بمختلف أفرعها فى عدة مناطق من ليبيا، وبين ميلشيات إسلامية مثل «أنصار الشريعة»، و «17 فبراير» دعوة الأممالمتحدة وفى نيويورك دعا الأمين العام للأمم المتحدة التشكيلات بان كى مون.. «كل الأطراف فى ليبيا إلى أن تمتنع عن أى عمل يمكن أن تقوض العملية الديمقراطية وأن تستأنف الحوار». ودعا الأمين العام فى بيان قادة التشكيلات العسكرية إلى احترام واجبهم الأخلاقى والقانونى بحماية المدنيين. وأضاف البيان «أن الأمين العام قلق جدًا من التعبئة العسكرية المتزايدة فى العاصمة طرابلس ومحيطها»، كما حذر بان كى مون من أن اندلاع اشتباكات مسلحة قد تقوض التضحيات التى قدمها الشعب الليبى فى كفاحه من أجل الحرية والكرامة. لجنة مصالحة من جهة أخرى أعلن المجلس الأعلى للقضاء فى ليبيا عن تشكيل لجنة لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء، متجاهلًا الرد على مطالبة اللواء حفتر بتشكيل مجلس رئاسى لإدراة شئون البلاد، وتكليف شخصية وطنية بتشكيل حكومة أزمة لإدراة شئون البلاد فى هذه المرحلة. وأكد بيان مجلس القضاء الأعلى أن أعضاء اللجنة هم من النخبة وسيكون لهم تأثير على جميع الفرقاء للتوفيق. شرعية معيتيق من جانبه وصف عز الدين العوامى النائب الأول لرئيس البرلمان، رئيس الوزراء الجديد أحمد معيتيق بأنه رئيس وزراء غير شرعى. وكان العوامى قد رفض الاعتراف بشرعية انتخاب معيتيق معللًا ذلك بأنه لم يحصل على النصاب القانونى المطلوب. لكن التيار الإسلامى استدعى نورى أبو سهمين رئيس البرلمان من تركيا لكى يعلن صحة انتخاب معيتيق بقرار رسمى حمل توقيعه بعد نحو شهر من غيابه عن ممارسة أى مهمام عمل رسمية بحجة علاجه فى الخارج. وأعلن المؤتمر الوطنى - البرلمان - أن حكومة معيتيق الجديدة ستؤدى رسميًا اليمين القانونية أمامه صباح اليوم الأحد. المشهد الليبى الفوضى والاضطراب على قمة مشهد الصراع بين الجماعات المسلحة فى ليبيا وهو مشهد مفتوح على كل الاحتمالات، فى البداية كان الانقسام بين الجماعات التى انخرطت فى عملية إقصاء نظام القذافى، والأمر يعود لعدد من الأسباب، منها غياب رؤية الشراكة وافتقاد التنظيم ما أوجد لدى كل جماعة شعورًا بأنها كانت القوة الحاسمة فى المعركة ولها الحق فى أن تكون مسيطرة، ومن هذه النزعة الذاتية بدأ تحول تلك الجماعات إلى فصائل مسلحة متعددة ومتمردة. ويقدر عدد الفصائل الرئيسية المسلحة بالعشرات، غير أن عدد الجماعات المتطرفة تصل إلى المئات، وهو ما أدى إلى وقوع مجمل الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية فى عموم البلاد تحت سيطرة مثل هذه الجماعات. وفى ظل هذا الوضع أصبحت أغلبية المرافق أقرب إلى إقطاعيات لهذه أو تلك من الميلشيات التى تهَّرب السلاح وتفرض الإتاوات وتمارس الإرهاب. ولاشك أن موجة الاغتيالات وتبادل إطلاق النار العشوائى فى الشوارع وعمليات الخطف والتفجيرات الإرهابية التى تطال البعثات الدبلوماسية وكل ذلك يدفع ليبيا نحو المجهول. ومع هذا الدمار الناتج عن صراع السلطة كان هناك الصراع على النفط واستنزاف هذا المورد الحيوى، وحرمان الدولة من عائداته بعد أن هبط الانتاج من 1.4 مليون برميل إلى 160 ألف برميل يوميًا، نتيجة إغلاق حقول عديدة وموانئ لتصدير النفط. إن الميلشيات المسلحة والجماعات التكفيرية ترتع فى أنحاء ليبيا، وهو وضع يجده الإخوان أرضًا خصبة لاختطاف ليبيا، فاستبعدوا جموعًا غفيرة من أبناء ليبيا ممن شاركوا بدور فعال فى إسقاط نظام القذافى. وفرض الإخوان سطوتهم على البلاد من خلال التمديد للبرلمان الذى يسيطرون عليه بدلًا من الخروج إلى أفق حل وطنى للأزمة التى تعصف بالبلاد. ومن هنا يمكن القول بأن «عملية الكرامة» بقيادة اللواء حفتر هى محاولة جادة لمكافحة الإرهاب ومواجهة استئثار الإخوان بمقدرات الأمور فى ليبيا، وسيكون ذلك متاحًا إذا ما استطاع تجنب محاولة التفاف الإخوان لإدخال ليبيا فى حرب أهلية كما التفوا على الثورة للسقوط فى دائرة الفوضى والإرهاب.