كان من الممكن أن يصبح هذا العنوان حقيقة لو أننا نعيش فى دولة يحترم فيها المسئولون المواطنين، ويدركون أنهم أصحاب رسالة وعليهم واجبات تجاه المواطن الذى منح المسئول شرف خدمته. أرسلت لى الأسبوع الماضى الفنانة «سمية الخشاب» مجموعة من الصور اعتقدت للوهلة الأولى أنها ليست فى مصر، وظننت أنهم لبعض المصابين للأحداث فى سوريا، وعندما شاهدت غرف العمليات لم أصدق أنها فى المستشفيات المصرية ولكن سرعان ما تبدد هذا الشعور وأنا أقرأ التعليق الذى كتبته الفنانة سمية الخشاب على الصور فهى ل «عنبر 1 جراحة رجال» بمعهد الأورام بأسيوط، الدور الأول، المرضى فى حالة إعياء شديد والخدمة الصحية غير موجودة بالمرة، وكأن الأطباء يقولون لهم اذهبوا إلى المقابر أفضل، واجهة المعهد لا تدل على ما يوجد بداخله، غرفة العمليات لا يصح أن نطلق عليها هذا الاسم، وبحسب حديث الفنانة سمية الخشاب التى اتصلت بمدير المعهد وجدته مشغولا بعمله الخارجى، فى الحقيقة رغم استغرابى للصور التى استعرضتها للوضع داخل المستشفى إلا أننى وجدتها ليست بجديدة على المستشفيات المصرية سواء الجامعية أو العامة أو التعليمية أو التأمين الصحى، فالمنظومة الصحية فى مصر بالكامل تحتاج إلى منظومة جديدة. لقد تحول معهد الأورام بأسيوط إلى سلخانة وليست مستشفى متخصصا فى مرض يطحن أجساد المصريين، الإهمال يضرب جنبات المعهد . فالذى أزال استغرابى من صور الإهمال.. أننى شاهدت مثيلتها فى مستشفيات جامعية أخرى ومنها على سبيل المثال مستشفى جامعة الزقازيق وقد تحدثت ذات يوم مع أحد أبناء قريتى أسأله عن مريض من البلد كان محتجزا بالعناية المركزة قسم الباطنة فقال لى «اللى يدخل عناية الباطنة فى الجامعة .. جهز له القبر» وقد أثار استغرابى هذا الرد، ولكنى عندما زرت الرجل بالفعل فى المستشفى وجدت مرضى بالعناية المركزة يفترشون الأرض، وعندما تحدثت مع وكيل وزارة الصحة وقتها قال لى هذه المستشفيات لا تخضع لوزارة الصحة ولكنها تخضع لوزارة التعليم العالى، وقتها اتصلت بأحد الأصدقاء للتوصية على المريض ولكن ما شاهدته لم يكن عملا إنسانيا أو رسالة يحملها الأطباء فقد حنثوا بقسم أبقراط الملقب بأبو الطب والذى يقول فيه «بسم الله الرحمن الرحيم أقسم بالله العظيم أن أراقب الله في مهنتي. وأن أصون حياة الإنسان فى كافة أدوارها، في كل الظروف والأحوال، باذلًا وسعي في استنقاذها من الموت والمرض والألم والقلق، وأن أحفظ للناس كرامتهم، وأستر عوراتهم، وأكتم سرّهم. وأن أكون على الدوام من وسائل رحمة الله، باذلًا رعايتي الطبية للقريب والبعيد، الصالح والطالح، والصديق والعدو. وأن أثابر على طلب العلم، أسخِّره لنفع الإنسان لا لأذاه. وأن أوقر من علمنى». وليس معنى ذلك أن المستشفيات العامة أو التعليمية ليس بها نفس الأمر ولكن حدث ولا حرج فما بين أسرة وغرف لا تليق أن تسكنها الحيوانات إلى خدمة متدنية وعيادات يصل إليها الأطباء لمدة ساعة واحدة وتجد نفس العلاج مكتوبا لجميع الحالات، فالطبيب يظل فى غرفة مدير المستشفى حتى الساعة الحادية عشرة والمرضى فى العيادات يصارعون المرض لا ذنب لهم سوى أنهم غير قادرين على الذهاب إلى العيادات الخاصة بالأطباء، وليس أمامهم سوى المستشفى الحكومى ينتظرون رحمة الطبيب بعد رحمة الله ولكن الأمر ليس كذلك على أرض الواقع . لقد أصبحت حياة البسطاء ليست لها قيمة لدى المسئولين فى القطاع الصحى .. خاصة المرضى رغم أن المريض هو أكثر الناس حاجة إلى الرحمة به . كما أن المادة 18 من الدستور والتى تنص «أن للمواطن الحق فى الرعاية الصحية المتكاملة وفقا لمعايير الجودة». وضاعت المسئولية بين وزارتى الصحة والتعليم العالى وضاعت معها الرقابة الصحية وجنى ثمار البسطاء بموت محقق للمرضى. الدكتورة مها الرباط وزيرة الصحة تجدها متصدرة لنشرات الأخبار خلال زيارتها المرضى من مصابى الحوادث التى يتحدث عنها الإعلام فقط، ولم نرها يوما فى زيارة مفاجئة لمستشفى حكومى لتقف على حجم المأساة، التى يعيشها البسطاء ما بين الاستقبال والعيادات الخارجية وهم يفترشون الأرض، أو يحملون مرضاهم على الأكتاف ليصعدوا بهم أدوار المستشفى لأن الأسانسيرات معطلة،بالإضافة إلى الخدمة الصحية المتدنية، وترى بعينها كيف يعامل المرضى وإن كانت تود أن ترى الصورة الحقيقية فلدى قائمة ضخمة من المستشفيات الحكومية والتعليمية تستطيع زيارتها لترى المأساة. أما الدكتور حسام عيسى ورغم أنه رجل ثورى يحاول أن تصل الثورة إلى الجامعات ولكنها لم ولن تصل إلى المستشفيات الجامعية لأن رؤساء الجامعات وعمداء كلية الطب فى كافة الجامعات المصرية ليست لهم علاقة بغرف المرضى هم فقط داخل مكاتبهم المكيفة أما البسطاء من المرضى فلهم الله، فهو رحيم بهم هو القادر على شفائهم بعد أن غابت الضمائر وتراجع المسئولون عن القيام بدورهم، فهل نسمع يوما خبر استقالة وزيرة الصحة ووزير التعليم العالى بعد فشل المنظومة الصحية؟