كلمة العدالة التي نادت بها ثورة يناير تعني "الآدمية" علي كل الناس وليس علي القادرين ماديا أو الواصلين اجتماعيا.. وسأضرب مثلا: يسقط إنسان مريضا ويحتاج لتشخيص طبيب ويحدث ذلك يوم جمعة فلا يجد "الدكتور" اتحدث عن الشخص العادي لأن طبيب العيلة قد يقطع سفره إلي المصيف في الويك اند ويعود ليري أحد افراد العائلة التي هو طبيبها، أما الشخص العادي فلا يجد يوم الجمعة "العطلة الرسمية في مصر" الطبيب الذي يصفه وغالبا ما يستأنف ويغلق عيادته من الخميس إلي السبت ويستأنف العمل بعد الاجازة. بالطبع أنا لا أتحدث عن العيادات الخارجية لمستشفيات الدولة لأنها عيادات صورية فيها طبيب امتياز بلا خبرة والبسطاء يخشون من تشخيصهم للآلام التي يعانونها. وفي غيبة "تأمين صحي محترم" تصبح الصحة في مجتمعنا مغامرة غير مأمونة العواقب. وفي غيبة قوانين نقابية تحاسب الطبيب المخطئ. من السهل أن يموت الإنسان المصري. وحين سمعت أن مظاهرة من أهالي مرضي اقتحمت مستشفيات الدولة وفرضت مرضاهم علي سراير عنابر المرضي لم اندهش لأني ادركت أن هؤلاء المرضي انتظروا بالشهور للعلاج.. المهمم أن غالبية الأطباء خارج عياداتهم في الويك اند وهذا حقهم في الراحة. كان الموسيقار محمد عبدالوهاب يقول لي بصوته الرخيم "أدعو إلي الله ألا أمرض يوم الجمعة لأني لو سألت عن الحكيم هيكون مسافر".. الذي يتحدث هو فنان كبير المقام رحمه الله وليس مجرد شخص عادي. بإمكان الموسيقار استدعاء أي طبيب ولكن عبدالوهاب كان يطمئن إلي طبيبه الذي يعرف مشاكله الصحية تماما. لهذا اقام طبيب عبدالحليم حافظ معه في ألمانيا، جعلوا لكل حي كبير طبيب يباشر مهامه يوم الأحد أعرف يوم عطلته الأسبوعية وهو "طبيب عام" أي أن يشخص المرضي حتي صباح اليوم التالي حين يأتي الطبيب المتخصص. وهذا بالطبع ضمن إطار التأمين الصحي الشامل، هذه الآدمية تجعل المواطن الألماني العادي يشعر أن الدولة "معنية" به و"مهتمة" به. هذا المواطن الألماني يذهب بإرادته للانتخابات ويحرص علي صوته.. هذا المواطن الالماني يحافظ علي البيئة من أجل صحته. هذا المواطن الألماني لا ينسحب من الحياة السياسية لأنه أدرك أن دولته مهمومة بشئونه وأهمها الصحة وبالتالي يبادلها اهتماما باهتمام. إني أهدف من السطور السابقة إلي سرعة تفعيل "التأمين الصحي الواقعي" لكل المصريين وأهدف إلي آدمية العلاج في المستشفي الحكومي وأهدف إلي تخصيص "طبيب عام" في أحياء مصر خصوصا "المتطرفة جغرافيا" إن طبيب يوم الجمعة اقتراح متواضع مثل الصيدلية التي تعمل 24 ساعة فيطمئن الناس. الآدمية في العلاج لجموع المصريين هي "عدالة" ولن تجعل هناك أغلبية صامته تنسحب من الصورة.