خلال زيارتى للكاتدرائية القبطية العام الماضى وقبل لقائى مع البابا تواضروس .. صليت العصر هناك وسط حفاوة من الإخوة المسيحيين .. بل دار حوار طويل مع سكرتير البابا تواضروس تناول كافة القضايا وتخللته مشاعر الحب والمودة بين أشقاء الوطن الواحد.. كما زرت العديد من الأديرة والكنائس مع وفود عالمية فى مسار رحلة العائلة المقدسة.. بل تناولت الطعام والمبيت فيها.. كما أن كثيرًا من جيرانى وأصدقائى المسيحيين لم يشعروا يومًا بأى تمييز تجاههم.. بل تطورت علاقات الأخوة الصادقة بينى وبينهم. لذا فقد عجبت أشد العجب.. بل أسفت أشد الأسف.. لتصريحات بابا الفاتيكان التى دعا فيها مسيحى الشرق الأوسط إلى عدم التخلى عن أرضهم رغم الاضطهادات التى يتعرض لها نحو 13 مليون مسيحى يعيشون فى هذه المنطقة. بداية يجب أن يدرك البابا فرانسيس أن المسيحيين فى المنطقة عمومًا - وفى مصر تحديدًا - ليسوا أقلية وليسوا مضطهدين كما يزعم - بل إنهم إخوة وأشقاء فى الوطن لهم ذات الحقوق وعليهم ذات الواجبات.. مثل المسلمين.. ولعل بابا الفاتيكان يعلم الدور الاقتصادى والثقافى والحضارى المهم الذى يقوم به أقباط مصر.. بل كافة الكنائس المسيحية فى أرض الكنانة.. أما مزاعم الاضطهاد فهى غير حقيقية وكاذبة.. لأن الإسلام عندما دخل مصر أنقذ أشقاءنا المسيحيين من اضطهاد الرومان.. وأعاد للرهبان والقساوسة المصريين حريتهم ومكانتهم اللائقة.. وأزال عنهم اضطهاد الرومان. أما بعض الأحداث والتجاوزات التى تحدث هنا وهناك فهى أحداث فردية ولا تمثل ظاهرة عامة.. فالعلاقات بين المسلمين والمسيحيين تبدو فى أروع صورها وتعيش أزهى عصورها.. بل إننا لا نتجاوز عندما نقول إن النشاط الاقتصادى والتجارى للإخوة المسيحيين فى قمة ازدهاره ويصب فى مصلحة الاقتصاد المصرى ويمثل إضافة قوية له.. ولا فرق لدينا بين أنشطة إسلامية أو مسيحية.. فكلنا أبناء وطن واحد ونمثل نسيجًا واحدًا.. ولكن البابا فرانسيس لا يعيش بيننا ولا يعايش واقعنا ومشاعرنا.. وربما تكون له حسابات أخرى لا نعرفها !! وقد لا يعرف البابا فرانسيس أو يتجاهل أن المسلمين فى مصر هم الذين وفروا الحماية لأشقائهم المسيحيين ولكنائسهم فى مناسبات كثيرة.. وقد كشفت التحقيقات أن هناك أيادى خبيثة هى التى تفتعل الأزمات والمشاكل بين عنصرى الأمة ونسيجها المترابط. *** ومن هذا المنطلق فإننا نناشد أشقاءنا المسيحيين خاصة بعض أقباط المهجر ألا يلجأوا إلى الخارج فى مواجهة مؤسسات الدولة.. أو لافتعال مشاكل أمام الأطراف والدول الأجنبية.. استقواءً بالخارج ضد الوطن الذى أنجبهم وصنع نجوميتهم وأمجادهم.. فشربة ماء النيل.. والهواء العليل.. والظل الظليل لأرض الكنانة.. يحتم عليهم الوفاء لهذا الوطن.. بل أن يقدموا الغالى والنفيس فداءً له. ونحن نرفض أن يبحث الكونجرس الأمريكى أو أية مؤسسة دولية أو إقليمية هذه القضية بزعم حماية الحريات وحقوق الأقليات.. فهذه الدول أبعد ما تكون عن هذه القيم والمبادئ التى تقوم برفع شعاراتها عند الضرورة فقط.. ولتحقيق مصالحها وليس إيمانا بها وتطبيقا لها.. فكم داس الغرب على المبادئ والحريات والحقوق داخل بلاده.. بل فى أنحاء العالم أجمع.. وأفغانستان والعراق وفلسطين وسوريا والسودان (والقائمة الطويلة) شاهدة على ذلك. فلا مجال للتشدق بهذه الحريات المزعومة.. فى وقت يشهد فيه المسلمون وبعض الأعراق والديانات الأخرى اضطهادات (حقيقية) فى دول الغرب والشرق.. وإذا أرادوا الحديث عن الحريات فليأتوا للشعب الفلسطينى بحريته المسلوبة.. ووطنه المغتصب على يد الإسرائيليين.. حيث إن فلسطين هى الدولة الوحيدة المحتلة فى العالم.. ومع ذلك فإن هذا (العالم الحر) يشارك فى تلك الجريمة النكراء.. ولو بالصمت.. ناهيك عن الدعم العسكرى والاقتصادى والدبلوماسى.. والمعنوي.. حتى صارت إسرائيل الطفل المدلل للعالم الغربي.. ويتم ترتيب أوضاع المنطقة بأسرها.. خدمة (لتل أبيب) ودفاعا عن أمنها.. وحرصا على شعبها.. أما الشعوب الأخرى.. فلتذهب إلى الجحيم. *** وعندما نسمع فى الكونجرس الأمريكى أن الأقباط فى مصر يعانون من الاضطهاد والتهميش قبل الثورة.. وبعدها.. فهذا عكس للحقائق.. وإنكار للواقع وتزييف للعقول.. ونحن نقول لهؤلاء : اذهبوا إلى أى قرية.. إلى أى بيت.. إلى أى حى فى ربوع أرض الكنانة.. لتشهدوا على الطبيعة كيف يتعايش أبناء الوطن الواحد.. وكيف تتطور العلاقة بينهم بمنتهى السلاسة والحب والود.. ونحن نقول لبعض أقباط المهجر: إن الاستقواء بالخارج وتشويه صورة بلادكم هو إساءة لكم أولا.. ويجلب الضرر للجميع.. بما فيهم الإخوة المسيحيون .. وليس المسلمون وحدهم.. ويجب أن يدرك هؤلاء أن الطوفان إذا جاء لا قدّر الله فلن يفرق بين مسلم ومسيحي.. أو بين أسود وأبيض.. أو بين غنى أو فقير.. فكلنا فى الهم والغم سواء.. بسواء! *** و أهم ومن المساهمات الإيجابية للإخوة الأقباط (مشروع لمكافحة الفتنة الطائفية فى مصر والقضاء عليها). هذا المشروع قدمه ائتلاف أقباط مصر قبل أيام لرئاسة الجمهورية.. وقد ركّز المشروع على تفعيل النص الدستورى الذى يكفل تحقيق مواطنة حقيقية بين جميع المصريين.. المواطنة الكاملة والمساواة وحرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية ورفض التهجير القسرى بكافة أشكاله. وهذا المشروع نموذج للمشاركة الفعّالة للإخوة الأقباط من خلال القنوات الرسمية.. لحل هذه المشكلة المفتعلة والمزمنة أيضًا.. وهكذا تكون المشاركة.. وليس الاستقواء بالخارج وتزييف الحقائق أو الاستعانة بأطراف لا تريد الخير لمصر.. بل تسعى لتخريبها وتمزيقها إلى دويلات.. وهى مؤامرة مرفوضة.. ومكشوفة.. ولن تتحقق بمشيئة الله. من ذلك كله أن يتوحد المصريون.. ويوحدوا جهودهم للخروج من المأزق المأساوى الحالى.. والاستعداد لبناء نهضة حقيقية يشارك فيها الجميع.. دون استثناء، أما بابا الفاتيكان فله فى البابا تواضروس عبرة وعظة.. ليدرك مدى تلاحم أبناء مصر.. فنحن جميعًا نستقل سفينة واحدة.. سوف تسير وتنطلق بمشيئة الله.. رغم أنف الحاقدين والكائدين.