كشف إقرار البرلمان التركى المتعجل والمفاجئ لتعديلات دستورية تتعلق بمهام الجيش عن حالة الخوف والتوتر التى أصابت رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وحكومته وحزبه المعروف عنهم الموالاة للتنظيم الدولى للإخوان المسلمين، وذلك فى أعقاب عزل الرئيس محمد مرسى وسقوط حكم جماعة الإخوان المسلمين فى مصر بناء على إرادة الشعب وثورته فى 30 يونيو الماضى. وكان البرلمان التركى قد أقر تعديلا دستوريا تقدم به حزب العدالة والتنمية الحاكم على المادة 35 من الدستور التركى، والتى تنص على أن «الجيش هو مسئول عن حماية حدود تركيا ومبادئ الجمهورية العلمانية ضد أى خطر كان فى الداخل أو فى الخارج»، لتصبح بعد التعديل كالتالى « الجيش مسئول عن الدفاع عن المواطنين ضد التهديدات والمخاطر القادمة من الخارج، والردع الفاعل والمشاركة فى العمليات الخارجية التى يقرها البرلمان والتى من شأنها إقرار السلام العالمى». وقد جاءت موافقة البرلمان بأغلبية ساحقة بعد توافق مفاجئ بين أحزاب المعارضة - باستثناء حزب الشعب الجمهورى - وبين حزب العدالة والتنمية، رغم أن الأخير بقيادة أردوغان يسعى وراء هذا التعديل منذ وصوله للحكم قبل أكثر من عشر سنوات وبالتحديد عام 2002، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه أمام التكهنات عن وجود صفقة بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة بتمرير ثمانية وأربعين مادة معدلة مقترحة وعلى رأسها المادة 35، فى مقابل سحب العدالة والتنمية لمقترح تغيير حكم البلاد من نظام برلمانى إلى آخر رئاسى بالإضافة إلى بنود أخرى غير معلنة وفقا للصحف التركية الكبرى «صباح» و «راديكال» وغيرهما. وشدد كمال كليتشدار رئيس حزب الشعب الجمهورى المعارض على رفضه هو وأعضاء حزبه وأنصاره لهذا التعديل، معللا ذلك بأنه سيغل من يد الجيش فى مكافحة التمرد الكردى المستعمر لجنوب البلاد منذ ثمانينيات القرن الماضى على حد وصفه، ومتهما حزب العدالة والتنمية وزعيمه أردوغان بعقد صفقات مشبوهة والتفريط فى مصلحة البلاد من أجل الحفاظ على مستقبلهم السياسى، مدللا على ذلك بموافقة النواب الأكراد الذين سعى أردوغان إلى الحصول على رضاهم فى وقت سابق بعقد اتفاقية السلام المزعومة مع رئيسهم المسجون عبد الله أوجلان. وترى صحيفة «حريت» أن الصدمة التى تلقاها أردوغان بسقوط نظام محمد مرسى فى مصر أقرب حلفائه بالتزامن مع تظاهرات ميدان تقسيم ورفض القضاء إزالة حديقة جيزى بارك هو ما دفعه للإسراع فى تعديل المادة 35 فى مقابل التنازل عن طموحه فى تحويل البلاد إلى النظام الرئاسى قبل دخوله الانتخابات فى العام القادم، وتابعت الصحيفة التركية أن أردوغان سوف يتخذ خلال الفترة القادمة مزيدا من القرارات التى من شأنها الانفتاح على الطائفة العلوية ودمجها فى المجتمع التركى والتى يبلغ تعدادها 18 مليون نسمة، من أجل محاولة كسب ودها بعد أن ظهر دورها الفعال والمؤثر خلال تظاهرات ميدان تقسيم، كتغيير أسماء الجامعات فى بعض المحافظات إلى أسماء علوية، كما ستنظر الحكومة بجدية لمتطلباتهم التى عبروا عنها فى السابق والتى تثير استيائهم وعدم ارتياحهم وفى مقدمتها تخصيص أماكن للعبادة ودعم مالى من مؤسسة الشئون الدينية وإعفاء أبنائهم من تعلم الدروس الدينية. ومن جانبها ترى صحيفة «آيدينليك» التركية نقلا عن صحيفة «سلات فرانس» الفرنسية أن معارضة أردوغان الشديدة لعزل محمد مرسى وقلقه تجاه الأوضاع فى مصر لا ينبع من خوفه عليها كما يدعى، ولكنه ينبع من قلقه من انتقال النموذج المصرى إلى تركيا، فهو يخشى أن ما حدث فى مصر يوقظ الجيش التركى من سباته، خاصة أنه لم ينس بعد أن غالبية قادة الجيش داخل المعتقلات منذ عام 2008 بإيعاز من أردوغان.