فرصة أخيرة للبرلمان لإقرار الدستور وإلا الكلمة للشعب»، «أردوغان ديكتاتور وحكومته تقود البلاد إلى كارثة دستورية»، «المعارضة تتسم بالضعف الأخلاقى وعدم المسئولية وهم دعاة للفتنة».. هكذا خرجت العناوين الرئيسية لكبرى الصحف التركية الموالية للنظام الحاكم وكذلك المعارضة له، لتعلن عن اشتعال الحرب الكلامية وبداية استعراض للقوة بين رئيس الوزراء التركى رجب أردوغان ومعارضيه، بعد أن وصلت مسألة التوافق على الدستور الجديد واقراره إلى طريق مسدود. ورغم إنجازاته العديدة فى مختلف المجالات وأهمها إبعاد الجيش التركى عن الحياة السياسية، ظل العائق الوحيد أمام أردوغان طوال السنوات العشر الماضية هو إقرار دستور جديد يحل محل دستور عام 1980 ذو الصبغة العسكرية والذى أقره الجيش عقب انقلاب قام به آنذاك. وخلال كلمته أمام الاجتماع الدورى لحزب العدالة والتنمية الحاكم بدا أردوغان وكأنه فقد الأمل فى الحلول السياسية التوافقية مع معارضيه، فشدد على أن بلاده بحاجة إلى دستور جديد يلبى طموحات الشعب، ومحذرا أن «التأخر فى إقرار الدستور يهدد بلادنا بمصير مشابه لما يحدث فى دول الشرق الأوسط والتى لم تقر دساتيرها بعد، مما يدفعنى لكى أعطى الشعب حقه فى المشاركة فى صياغة الدستور عن طريق عرضه للاستفتاء»، مشيرا إلى أن الشعب التركى قادر على بناء مستقبل أفضل بنفسه. وكان من المقرر أن تنتهى اللجنة الدستورية البرلمانية من إعداد مشروع الدستور الجديد بداية العام الحالى إلا أن عدم توصل أعضاء اللجنة إلى توافق فيما بينهم حال دون ذلك مما دفع رئيس الوزراء إلى إعطاء مهلة أخيرة حتى نهاية مارس القادم. وجاء رد المعارضة قاسيا على لسان رئيس حزب الشعب الجمهورى «كمال كليتشدار»، والذى وصف أردوغان بالديكتاتور فى أكثر من مناسبة، وقال فى حوار مع صحيفة «ذى جارديان» البريطانية إن أردوغان مصمم على تغيير الدستور لإحداث رئاسة تنفيذية سيحول منصبه إليها خلال الانتخابات القادمة، فى حين تحتاج تركيا إلى دستور جديد لحماية الحقوق الفردية»، مشيرا إلى أن الخوف ينتشر فى كل مكان ولا أحد يستطيع التحدث بسهولة عبر الهاتف، كما أن المجتمع المدنى يواجه ضغوطا متزايدة، وصارت النقابات صامتة وانتشر الخوف بين وسائل الإعلام. وبالعودة لسوابق أردوغان مع الاستفتاءات الشعبية، نجده قد حصل فى مناسبتين على ثقة الشعب التركى فيما يخص الدستور، الأولى فى سبتمبر 2010 عندما أيد 58% من الناخبين تعديلا دستوريا يحد من نفوذ وتدخل السلطة القضائية والجيش فى الحياة السياسية، وهما اللذان كانا يعرفان ب «حماة العلمانية»، والثانية فى أكتوبر 2011 عندما صوتت الغالبية لصالح إدخال تغييرات تجعل من النظام الحاكم لتركيا نظاما رئاسيا وليس برلمانيا ابتداء من عام 2014. ويرى الناشط السياسى «آدم تولجا» عبر مدونته الخاصة على شبكة الإنترنت، أن ما يبذله أردوغان من مساع حثيثة وجهود مضنية لإقرار الدستور يأتى من أجل تحقيق مكاسب سياسية خاصة على رأسها تحويل السلطة الفعلية من منصب رئيس الوزراء إلى منصب رئيس الجمهورية، وذلك سعيا منه للبقاء فى منصب قيادى، حيث يعتزم الترشح لهذا المنصب فى عام 2014 بعد أن أصبح لا يحق له دستوريا تولى رئاسة الوزراء لأكثر من ولايتين متتاليتين، واصفا إياه بأنه شديد الأنانية. وفى مقال له بصحيفة «حريات» تحت عنوان «ليس مستحيلا ولكنه عيب»، أكد الكاتب الصحفى «بوراك بيكدال» أن تلويح أردوغان للمعارضة باللجوء إلى الاستفتاء الشعبى فى متناوله حيث يتطلب إقرار الدستور الجديد موافقة ما لا يقل عن ثلثى أعضاء البرلمان المؤلف من 550 مقعدا أى ما يعادل 367 صوتا، فى حين يمتلك حزبه «العدالة والتنمية» 326 مقعدا، بينما سيحتاج إلى موافقة 60% فقط لإقرار قانون لطرح الدستور فى استفتاء شعبى، أى ما يعادل 330 صوتا، ولكن ذلك يعد خرقا دستوريا وخروجا على الشرعية البرلمانية وإرادة الناخب التركى.