صفعة تلو الأخرى يتلقاها رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان، مما أفقده الكثير من مصداقيته وشعبيته داخل وخارج تركيا، حيث كانت البداية مع انطلاق مظاهرات ميدان تقسيم منذ أكثر من شهر والمستمرة حتى الآن، والتى انتقلت إلى معظم المدن التركية، وتلقى أردوغان وحكومته على إثرها سيلا من الانتقادات من معظم دول ومنظمات العالم بسبب عنف وقمع الشرطة والاعتداء على المتظاهرين السلميين، كما شكل رفض الاتحاد الأوروبى منح تركيا عضويته فى حين أعطاها لكرواتيا حرجا شديدا لأردوغان وحكومته أمام الشعب التركى، حيث إن كلا البلدين قد جلسا على طاولة المفاوضات الرسمية مع مسئولى الاتحاد الأوروبى فى نفس الوقت. ويرى محللون أن الصفعة الكبرى لأردوغان تمثلت فى سقوط حلفائه فى نظام الإخوان المسلمين فى مصر، بسحب الجيش للشرعية من الرئيس المعزول محمد مرسى بناء على إرادة الشعب، وذلك بالتزامن مع إصدار القضاء التركى حكما بإيقاف مشروع الحكومة لتطوير ميدان تقسيم والذى انطلقت من أجله المظاهرات، وذلك بناء على رغبة الشعب التركى، حيث استند الحكم إلى عدم استشارة المواطنين حول المشروع قبل تنفيذه. وعقب عزل مرسى قطع أردوغان إجازته واجتمع مع مستشاريه وخرج بتصريحات أثارت غضب الكثيرين من الشعب التركى قبل المصرى، حيث صرح بأن «النضال الديمقراطى يظهر عندما تحترم الإرادة الوطنية للشعوب، وذلك يكون بوضع تلك الإرادة فى إطارها القانونى والدستورى»، مضيفا أن ما حدث فى مصر يعرف فى الأدبيات العسكرية بأنه انقلاب، مؤكدا أن معاقبة المخطئين من الساسة أو منعهم من الاستمرار فى عملهم يتم من خلال الإرادة الشعبية التى يمكنها أن تقوم بتلك المهمة من خلال الصناديق الانتخابية، كما طلب أردوغان من جميع الدول الاعتراف بذلك بشكل عادل وشفاف، مشددا على اندهاشه من تأييد غالبية دول العالم لما حدث وعدم وصفه بالانقلاب، على حد تعبيره. وقوبلت تصريحات أردوغان باستهجان شديد فى الأوساط الشعبية والرسمية، حيث اعتبرها بعض النشطاء السياسيين فى تركيا تدخلا فى الشأن الداخلى لدولة أخرى، معبرين عن اندهاشهم من تناقضات رئيس الوزراء، إذ كيف يعلن احترامه لرغبة الشعب التركى وأحكام القضاء، ويؤكد أنه سوف يطعن ويستأنف ضد الحكم الخاص بحديقة جيزى؟، وكيف يعترض على تدخلات الاتحاد الأوروبى من وجهة نظره، ويذهب هو ليتدخل فى الشأن المصرى؟! معتقدين أن ما حدث فى مصر سيدفع أردوغان للسعى فى الوقت الحاضر أكثر مما سبق لتعديل أو إلغاء المادة 35 من الدستور التى تعطى الجيش حق التدخل فى الحياة السياسة إذا ما رأى خطورة على مبادئ الجمهورية التركية. فيما يرى العديد من المحللين السياسيين أن أردوغان يعيش حاليا حالة من التوتر الشديد، وهو ما ظهر واضحا من خلال تصريحاته تجاه ما يحدث فى مصر، حيث بدا مدافعا بشدة عن النظام السابق ورئيسه محمد مرسى دون أى مبرر سوى خوفه من أن يلقى نفس المصير، خاصة مع تشابه الظروف الحالية بين البلدين إلى حد ما وهو ما عبرت عنه صحيفة «آيدينليك» التركية تحت عنوان «عزل طيب مصر»، فكتبت الصحيفة قائلة: «ما جرى فى ميدان التحرير يشبه إلى حد كبير ما يجرى فى ميدان تقسيم، فهى ليست المرة الأولى التى ينتفض فيها المصريون ضد مرسى، ولكنهم وبعد سنة من العزم والإصرار حققوا آمالهم، ليس فقط بعزل مرسى وإنما باقتلاع جماعة الإخوان المسلمين من الحياة السياسية المصرية إلى الأبد، وملاحقتها قضائيا بتهمة التحريض على العنف». وتساءلت «آيدينليك»: هل يستطيع الأتراك عزل أردوغان كما خلع المصريون مرسى؟، مشددة على أن انتفاضة تقسيم مازال عمرها شهرا واحدا فقط وأن متظاهرى تقسيم ليسوا بعدد متظاهرى التحرير، كما أن المؤشرات تقول إن ربيع تركيا لم يبدأ بعد، ولكن هذا لا ينفى أن متظاهرى تقسيم استطاعوا أن يكسروا حاجز الخوف وأن يهزوا عرش السلطان أردوغان وحكومته، كاشفين للعالم أن من يحكم تركيا ليس حكومة حضارية كم يظن البعض، فهى لم تلتزم بحقوق الإنسان والحريات الأساسية لجميع المواطنين دون تمييز، بالإضافة لغياب حرية التعبير ووسائل الإعلام. وعقدت الصحيفة التركية مقارنة بين ما اعتبره قادة حزب الحرية والعدالة بمصر من أن ثورة 30 يونيو انقلاب عسكرى واغتصاب للشرعية متجاهلين نزول الملايين فى مختلف الميادين، ونظرة قادة حزب العدالة والتنمية فى تركيا إلى مظاهرات تقسيم باعتبارها انتفاضة مجموعة من اللصوص على الرغم من مشاركة كثير من المثقفين والنخب، موضحة أن أردوغان استقوى بأتباعه على الشعب الثائر وكأن من انتفضوا فى تقسيم ليسوا من الشعب التركى.