كانت ولاتزال البورصة أكثر القطاعات تأثرا بالأحداث السياسية والاضطرابات منذ اندلاع الثورة وحتى الآن ، حيث شهدت توقفا استمر لأكثر من شهر ، أعقبه عودة حذرة للعمل ، وخسائر بالجملة للكثير من الأسهم الكبرى، وتراجع لحجم رأس المال السوقى متأثرة فى كل فترة بالاضطرابات التى يشهدها الشارع ، مما جعل العاملين والمتعاملين بها يئنون تحت وطأة الخسائر.وخلال الأيام الماضية واصلت البورصة أداءها السلبى، متأثرة باستمرار حالة الانقسام التى يشهدها الشارع المصري، وخاصة بعد استقالة المستشار القانونى لرئيس الجمهورية احتجاجا على ما أسماه غياب الرؤية فى إدارة المرحلة الانتقالية الحرجة واستمرار الأداء السيئ لحكومة الدكتور هشام قنديل ، والحديث عن تعديل وزارى فى ظل الأنباء الواردة عن رفض العديد من التيارات السياسية وعلى رأسها حزب النور الذراع السياسى للسلفيين ، وجبهة الإنقاذ التى تضم عددا كبيرا من الأحزاب الممثلة للتيار المدنى. وقال محسن عادل نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار، إن أداء السوق على مدار جلسات الأسابيع الماضية ، مر بمرحلة تذبذب وسط ضغوط بيعية وتقليص للقوى الشرائية، مما يعد استمرارا لذات الاتجاه العرضى للبورصة الذى تمر به، مشيرا إلى عدم انتهاء المفاوضات مع صندوق النقد الدولى وإقرار مجلس الشورى ضريبة الدمغة على التعاملات بالبورصة، واستمرار مبيعات الأجانب كانت من العوامل الضاغطة على المؤشرات التى استقرت قرب مستويات الدعم، منوهاً بأن آمال حدوث تقدم فى مفاوضات قرض الصندوق من جديد، وإعادة ضخ التوزيعات النقدية للأسهم كاستثمارات بالسوق قد ساهم فى زيادة العمق الاستثمارى للتعاملات بصورة مبدئية. أضاف : ما زالت البورصة تعكس استمرار الحذر الاستثمارى للمتعاملين، حيث إن مستويات السيولة الحالية أقل من إمكانيات السوق، وهو ما يدعم استمرار الأداء العرضى الضيق إذا لم تتحسن السيولة، منوهاً بأن تأثير موافقة مجلس الشورى على ضريبة الدمغة على التعاملات بالبورصة المصرية يمكن توضيح عمقه حين يتم تحديد آليات وموعد التطبيق الذى سيمثل الأثر الحقيقى لها والذى لم يظهر بعد ، ورجح استمرار الاتجاه العرضى الضيق للبورصة فى ظل نقص السيولة وتراجع الشهية البيعية مع انخفاض السيولة الجديدة والقوى الشرائية فى التعاملات، وذلك لحين ظهور محفزات شرائية جديدة أو حسم الأمر بالنسبة للعديد من الملفات المعلقة خلال الفترة الحالية بالنسبة لصفقات تخص شركات مقيدة. وأكد عادل على ضرورة تمتع الأسواق المالية بتنوع الآليات المالية بها، وذلك لتدعيم قدرة المساهمين على اتخاذ قراراتهم الاستثمارية بصورة سليمة، مشددا على أهمية مراعاة عودة قيم وأحجام التداول لمستوياتها الطبيعية عند النظر فى إلغاء أى من الإجراءات الاحترازية بالبورصة والنظر لكل إجراء احترازى على حده وحسب طبيعته وتأثيره، حيث يجب أن يتم ذلك من خلال التنسيق والتشاور التام والكامل بين إدارة البورصة والهيئة العامة للرقابة المالية المصرية. ورأى نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار، أن الانفلات الأمنى وكثرة الاضرابات تسبب فى خسائر كبيرة نتيجة تعطيل العمل مما أدى لخسائر مادية كبيرة. وهذا ما وضع المؤشر الاقتصادى فى حالة من عدم الاستقرار. فظاهرة الانفلات الأمنى والاضرابات المتكررة أثرت على الاقتصاد المصرى تأثيرا كبيرا رغم الاعتراف بمشروعية الطلبات فى كثير من الأحيان. وأشار عادل إلى ضرورة أن يعم الاستقرار البلد حتى يسير المؤشر الاقتصادى بمعدل ثابت. محذرا من أن استمرار الاضرابات التى يتسبب فى خسارة كبيرة نظرا لتعطل المصالح. مؤكدا أن حالة الانفلات الأمنى التى نشهدها حاليا كان لها تأثير سلبى على تعاملات البورصة المصرية خاصة وأن شرائح عديدة من المستثمرين فضلت الانتظار قبل اتخاذ أية قرارات شرائية لحين هدوء الأوضاع وانتهاء الأزمة فالبائع بالسوق يخش البيع والمشترى خائف من ضخ أموال جديدة فى ظل ضبابية الصورة. منوها بأن قطاعى السياحة والنقل كانا الأكثر تأثرا بهذه الأحداث. ودعا عادل الحكومة الحالية لتحقيق عدة عناصر ترتبط بشكل وثيق باستقرار الاقتصاد وهى عودة الاستقرار ، وإحداث تغيير فى الفكر الحكومى المصرى. وقال إن مصر ستشهد خلال الفترة القادمة استثمارات أجنبية جادة بعد إعلاء دولة القانون ولن تكون تلك الاستثمارات فاسدة مثل التى كانت موجودة فى عهد النظام السابق قبل الثورة والتى كانت تعتمد على العلاقات الشخصية لرموزه. مشيرا إلى أن أغلب دوافع قيام ثورة 25 يناير ترجع لأسباب اقتصادية لرفع الأجور وتدنى مستوى المعيشة وغيرها من الدوافع الاقتصادية أما بعد سقوط النظام ومحاكمة الفاسدين فإن الدولة ستعود للبداية وتحقق تلك الأهداف الاقتصادية. ومن جانبه طالب عيسى فتحى الخبير الاقتصادى الحكومة المصرية بضرورة التعامل بحزم مع ما يتعلق بالاضرابات والاعتصامات التى تتسبب فى توقف حركة الإنتاج. مشيرا إلى أن هذه الاضرابات ستتسبب فى خسائر فادحة للشركات سواء كانت مدرجة فى البورصة أو غير مدرجة. ورأى عيسى أن تزايد الإضرابات فى الشركات المدرجة فى البورصة يعتبر مؤشرا سلبيا على الاستثمار فى مصر. مشيراً إلى أن هناك عددا من الأسهم تضررت بالفعل بعد هذه الاعتصامات ، معتبرا استجابة القيادة السياسية للمطالب الفئوية منذ بداية الثورة سببا رئيسيا فى تفاقم المشكلة وزيادة الإضرابات. مطالبا الحكومة بعدم الاستجابة لأية مطالب فئوية فى الوقت الراهن. وذلك لحين استقرار الأوضاع ، وأشار عيسى الآن الإضرابات والاعتصامات وتردى الأوضاع السياسية والاقتصادية تسبب فى توقف العمل فى الكثير من الشركات والمصانع وبالتالى توقف الاستثمارات. و قال عيسى إن البلاد تمر بمرحلة حرجة، وعلى الجميع أن يدرك مدى خطورة الفترة الحالية. وتابع: المطلب المشروع فى وقت غير مناسب يعتبر غير مشروع. وقد أكدت دراسة حديثة أعدتها الدكتورة جيهان جمال خبيرة الأوراق المالية ، لمركز ايوادا للدراسات الاقتصادية أن من أهم المشكلات التى تواجه البورصة المصرية تفشى ظاهرة التلاعب من العديد من كبار المستثمرين التى تتضافر معا لتحقيق مصالحها الخاصة دون النظر لمصالح صغار المستثمرين ، ومنافسة أصحاب رءوس الأموال الضخمة لصغار المستثمرين سواء فى دخولهم سوق خارج المقصورة أو أسهم المضاربات، وبالتالى عدم تمكين صغار المستثمرين من تعويض خسائرهم. وأوضحت الدراسة التى تضمنت شكاوى صغار المستثمرين الذين تعرضوا لعمليات تلاعب واستغلال ونصب واحتيال أن عدم توافر مبدأ العلانية والشفافية للشركات التى يتم طرح أسهمها للبيع أدى إلى فقدان الثقة فى السوق، وتوليد الاشتباه الدائم فى التلاعب فى السوق، وفى إجراءات التداول والقيد، إلى جانب عدم وضوح حقوق والتزامات الشركات المصدرة للأوراق المالية تجاه المساهمين بالشركات وعدم التعامل معهم على أنهم شركاء لهم، بالإضافة إلى التذبذبات العنيفة التى تشهدها أسعار الأسهم من كثرة المضاربات فى البورصة نتيجة التلاعب فى الأسعار من شركات السمسرة ومجالس إدارات الشركات ورجال الدولة ورجال الأعمال، كذلك عدم مساندة المسئولين لصغار المستثمرين سواء مساندة نفسية أو مادية، أثناء موجات هبوط السوق وانخفاض التوازن القائم بين عروض البيع وطلبات الشراء للأسهم فى البورصة بصفة تسترعى الانتباه. وأرجعت الدراسة أسباب هذه المشاكل إلى انخفاض دور الهيئة فى وضع الضوابط والضمانات لضبط آليات العمل داخل البورصة وانخفاض دور لجان التفتيش الدورية التابعة للهيئة فى القيام بفحص المستندات المتعلقة بشركات السمسرة، بالإضافة إلى غياب دور المؤسسات التى تعمل على إيجاد توازن مستمر بين قوى العرض وقوى الطلب فى البورصة مثل شركات المقاصة وبنوك الاستثمار وشركات تكوين وإدارة المحافظ المالية ، و فقدان الثقة فى التعامل فى سوق البورصة بعد انتشار عمليات النصب وشكاوى العديد من ضحاياها ، ما أدى إلى شبه إحجام من قبل صغار المدخرين عن شراء الأوراق المالية فى الفترة الحالية، وكذلك عدم توافر الأموال اللازمة لدى صغار المستثمرين للإسهام فى عمليات التداول بعد خسارة العديد منهم أمواله ومدخراته. واستعرضت الدراسة أهم نماذج التلاعب التى حدثت خلال الأشهر الستة الماضية، وهى التلاعب فى أسهم ليفت سلاب, وأسهم شركة النيل لحليج الأقطان، والذى نتج عنه حبس14 مستثمرا بالبورصة من بينهم أعضاء مجلس إدارة الشركة لمدة سنة وكفالة50 ألف جنيه، هذا بالإضافة إلى تلاعب شركة بايونيرز للسمسرة والتى صدر فيها حكم ابتدائى ضد ثلاثة من أعضاء مجلس إدارة الشركة، بالإضافة إلى6 مستثمرين بالسوق بالحبس لمدة سنة وكفالة100 ألف جنيه لإيقاف التنفيذ مؤقتا إلى جانب غرامة مالية قدرها10 ملايين جنيه لكل منهم.