فى فاجأة لم يتوقعها الكثيرون وربما لا تقل صدمتها عن صدمة مجزرة ملعب بورسعيد التى أودت بحياة 72 من جماهير «ألتراس الأهلى» اندلعت أعمال شغب عقب النطق بالحكم فى القضية حيث قررت محكمة جنايات بورسعيد فى جلستها التى عقدت بأكاديمية الشرطة بالتجمع الخامس بالقاهرة يوم السبت الموافق 26 يناير الماضى إحالة أوراق 21 من المتهمين إلى فضيلة مفتى الجمهورية، وعاشت المدينة الباسلة على وقع العنف والدم والمصادمات وأزهقت عشرات الأرواح فضلاً عن محاولات اعتداء على الشرطة واقتحام سجن بورسعيد العمومى لتهريب المتهمين، لتطرح التساؤلات حول من يريد ان يشعل الفتنة فى مصر؟.. خاصة فى مدينة لطالما عرفت عنها البطولة والتضحيات وهى التى كانت طوال مدة الاحتلال البريطانى لمصر 1882-1952 أحد مواطن المقاومة لاسيما بعد اشتعال مدن القناة بالمقاومة ضد الوجود البريطانى بعد إلغاء معاهدة 1936 ثم كان صمودها فى مواجهة العدوان الثلاثى والذى شنته جيوش بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصرسنة 1956 ردا على تأميم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر لقناة السويس الحدث الأبرز فى تاريخها حيث تصدت لجيوش ثلاث دول معتدية لتحمل بورسعيد بعدها لقب المدينة الباسلة، كما لم تتوقف علاقة بورسعيد بالملاحم النضالية. إنما استأنفت رحلتها من جديد مع العدوان الإسرائيلى على مصر فى حرب 1967 والذى توقف على حدود بورسعيد الشرقية فعجز عن التوغل فى بورفؤاد. وبعد انتصار مصر فى حرب أكتوبر 73 بدأت بورسعيد تعود اليها الحياة حين أعيد افتتاح قناة السويس للملاحة بعد توقفها، وفى عام 1976 أصدر الرئيس الراحل أنور السادات قرارا بتحويل المدينة إلى منطقة حرة، ظن البورسعيدية انهم سيلتقطون انفاسهم وسينعمون بالراحة إلى أن جاءت حادثة ابو العربى الشهيرة التى قيل إنه كان ينتوى اغتيال الرئيس السابق حسنى مبارك أثناء احدى زياراته لبورسعيد فى عام 1999 والتى ظلم فيها شعب بأكمله ذاق مرارة التهميش المتعمد والحرب المعلنة من كافة اجهزة الدولة حيث كان اهالى بورسعيد من اكثر المحافظات التى عانت فى عهد مبارك بعد اصداره لقرار بإلغاء المنطقة الحرة عام 2002 واصدار قانون الوارد 2005 والذى أتاح لكل الموانئ المصرية استيراد الملابس الجاهزة بعد أن كانت بورسعيد وحدها تتمتع بهذه الميزة، وبعدما انفجرت ثورة 25 يناير اعتقد البورسعيديون أنها ستعيد مدينتهم الباسلة إلى حضن الوطن بعد سياسة الإقصاء والعقاب القاسى الذى عانوا منه فى عهد مبارك إلى أن تم اختيارها لتكون مسرحا لأحداث مذبحة جماهير النادى الأهلى فى مباراة كرة القدم أمام النادى المصرى البورسعيدى التى راح ضحيتها 72 شاب، والتى بدأت مساء الاربعاء الأول من فبراير 2012 حيث كانت بورسعيد بشكل خاص ومصر بشكل عام على موعد مع واحدة من أسوأ الحوادث فى تاريخهما، إذ أنه عقب نهاية مباراة المصرى والأهلى وانطلاق صافرة النهاية وقعت أحداث المجزرة بعد أن اقتحم أرضية الملعب الآلاف ممن يحملون أسلحة بيضاء وعصياً وقاموا بالاعتداء على جماهيرالنادى الأهلى لتشتعل جذوة الغضب بين «ألتراس أهلاوى» المطالبين بالقصاص و»ألتراس مصراوى» الذين يرون أن من تم تقديمهم للمحاكمة على خلفية القضية أبرياء وأن هناك جناة حقيقيين لم يتم تقديمهم للمحاكمة. وفى الوقت الذى سادت فيه حالة من الفرح والابتهاج بين أقارب الضحايا ومشجعى النادى الاهلى فور النطق بالحكم كانت الصورة مختلفة تماما فى بورسعيد حيث اندلعت اشتباكات دامية بين قوات الأمن المكلف بتأمين السجن العمومى ببورسعيد استخدمت فيها الأسلحة النارية من قبل أحد الأهالى وكذلك الطوب والحجارة وأدى تصاعد الأحداث إلى تأجيج التوتربين سكان المدينة وقوات الشرطة التى أصبحت عرباتها واقسامها هدفا للمسلحين فى حلقة ضمن سلسلة لتمزيق وحدة المصريين وإشعال فتنة وحروب أهلية، حيث وجد من وظّف المذبحة توظيفا سياسيا مستغلا حماسة الشباب والضغط بهم كورقة لتحقيق بعض الأهداف متاجرين بدم الشهداء ومصير بلد، كما لعب الإعلام من خلال بعض القنوات التى تنتهج سياسة صب الزيت على النار دورا فى إشعال الأحداث مع نقل الحدث بدون مهنية مما اوغر الصدور وادى إلى أن تشتد وتيرة التلويح بالعنف والفوضى والتهديد، والتى على أثرها تم اعلان حالة الطوارئ فى مدن القناة بورسعيد والسويس والإسماعيلية وفرض حظر التجول فى المدن الثلاث، خرج بعدها الأهالى فى تحد لحظر التجول منتقدين قرار الرئيس مرسى بأنه عقاب جماعى نفذته إدارة الرئيس الرافضين من المتظاهرين لافتات تندد بجماعة الإخوان المسلمين وتطالب بسقوط الرئيس وإعلان جمهورية بورسعيد المستقلة لدرجة أن المشاعر الغاضبة حدت بالبعض إلى رفض تغطية نعوش قتلى الاشتباكات التى جرت بعد النطق بالحكم بالعلم المصرى، وهو ما دعا مركز سواسية لحقوق الإنسان ومناهضة التمييز للإعراب عن اسفه الشديد لحوادث العنف التى حدثت فى بورسعيد واسفرت عن مقتل 40 مواطنا واكثر من 270 جريحا بالاضافة إلى مقتل شرطيين واصابة آخرين، حيث اشار المركز إلى ان ما تشهده البلاد يتحمل مسئوليته الجميع سلطة ومعارضة على حد سواء وكذلك بعض وسائل الاعلام التى تعمل على إثارة العنف بين المواطنين لاختلافها السياسى مع النظام.