لم تمنع الإجراءات الأمنية المشددة ما يعرف بمنظمة «الجبهة الثورية اليسارية لتحرير الشعب» من أن تهز مبنى السفارة الأمريكية فى أنقرة بانفجار أوقع قتيلين ومازالت تتوعد بالمزيد، الأمر الذى طرح تساؤلات حول هوية هذه المنظمة؟ والأسباب التى جعلتها تنفذ تفجيرها ضد السفارة الأمريكية بتركيا؟ عقب الهجوم، نشرت المنظمة بيانا على الإنترنت أعلنت فيه مسئوليتها عن الحادث الذى أودى بحياة حارس الأمن ومنفذ العملية، وبررت الهجوم بأنه احتجاج، على نصب صواريخ باتريوت من قبل حلف الناتو على الأراضى التركية، ووقوف الناتو وأمريكا وتركيا ضد نظام الرئيس السورى بشار الأسد الذى أشادت به وقالت إنه لم يخضع للإمبريالية، وقالت إنها نفذت الهجوم من أجل سوريا وضد سياسة التعاون بين تركيا وأمريكا، متهمة الولاياتالمتحدة بأنها تقتل شعوب العالم وتؤذى الشعب التركى بتحويل بلاده إلى وكر تغير من خلاله الشرق الأوسط. ولكن هل هناك علاقة حقيقية بين هذا التفجير ونظام الأسد بسوريا؟ يقول «هنرى باركى» المسئول السابق فى الخارجية الأمريكية والأستاذ الحالى فى جامعة ليخ، إن المنظمة ربما تكون متعاطفة مع الرئيس السورى لكنه استبعد وجود علاقة مباشرة لسوريا بالهجوم على السفارة الأمريكية لأن سوريا لا تستطيع إقناع هذه المنظمة بتنفيذ شىء لصالحها. وعلى الفور، بدأ التعاون والتنسيق بين جهاز المخابرات التركى ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية، بهدف الإسراع بعمليات التحقيقات الداخلية والخارجية المتعلقة بهذه العملية الانتحارية، حيث ذكرت صحيفة «ميلليت» التركية أن أعمال جهاز المخابرات التركى تركزت بهذا الشأن داخل تركيا، بينما تركزت أعمال وكالة المخابرات المركزية الأمريكية على الارتباطات الخارجية للمنظمة اليسارية. وتعود جذور منظمة الثورة اليسارية، إلى عدد من التنظيمات اليسارية المتطرفة فى فترة السبعينيات، وقد تأسست عام 1978 تحت اسم «ديف سول اليسار الثورى» قبل أن تعاد تسميتها عام 1994، وهى تعتنق عقيدة معادية للولايات المتحدةالأمريكية والغرب والمؤسسة التركية الحاكمة وتتهمها بأنها أداة فى يد أمريكا وحلف الناتو، لذا أطلقت فى عام 1990 حملة ضد المصالح الأجنبية فى تركيا شملت هجمات استهدفت الدبلوماسيين والعسكريين الأمريكيين والمنشآت الأمريكية، وفى عام 2001 بدأت تركز جهودها على الأهداف التركية وكذلك الأمريكية، لذا صنفتها أمريكا والاتحاد الأوروبى وتركيا كمنظمة إرهابية، إذ يعتقد أنها وسلفها منظمة اليسار الثورى مسئولتان عن اغتيال جنرالين تركيين متقاعدين ووزير سابق ورجل أعمال كبير، كما قتلت عام 1991 رجلى أعمال تركيين متعاقدين مع الجيش الأمريكى وأصابت ضابط فى سلاح الجو الأمريكى بجروح، وذلك احتجاجا على الدور الأمريكى فى حرب الخليج، كما حاولت فى التسعينيات تنفيذ هجمات صاروخية على قاعدة جوية أمريكية فى جنوب تركيا والقنصلية الأمريكية فى اسطنبول، ونفذت هجمات ضد الأهداف التابعة للشرطة التركية، وتستخدم هذه الحركة المحظورة ناشطيها المصابين بأمراض لتنفيذ هذه الهجمات أمثال «أجويد شانلى» منفذ الهجوم الأخير. وشانلى مواطن تركى «40 عاما» مريض نفسيا كان قد حكم عليه فى عام 1997 بتهمة انتمائه إلى منظمة الجبهة الثورية المحظورة فى تركيا وإدانته بالإرهاب بعدما هاجم بالصواريخ مجمعا عسكريا، وخلال الفترة التى قضاها فى السجن شارك شانلى فى الإضراب الكبير عن الطعام الذى أدى آنذاك إلى وفاة عدد من السجناء حيث قضى فى السجن مدة أربع سنوات وأطلق سراحه بعد اكتشاف مرضه النفسى الذى تفاقم بسبب الإضراب حيث يعانى من مرض عصبى ينجم عن نقص حاد فى المواد الضرورية للجسم لهذا السبب اختير لتنفيذ هذا الاعتداء الانتحارى خاصة أن أيامه فى الحياة كانت معدودة، وبعد خروجه من السجن هرب إلى خارج البلاد تجنبا للقبض عليه لاتهامه بمحاولة تغيير النظام الدستورى بالقوة والقيام بتحريض سجناء. ودخل شانلى تركيا بطريقة غير شرعية عبر اليونان بعد تلقيه تدريبات حول المتفجرات بأحد معسكرات جبهة التحرير الشعبية الثورية المحظورة فى اليونان قادما من ألمانيا وتواجد فى العاصمة انقرة قبل 10 أ يام من تنفيذ العملية الانتحارية الأخيرة. وفى الآونة الأخيرة، عمدت بعض الحركات إلى الخروج فى مسيرات تعارض نشر صواريخ فى جنوب تركيا، بينما قام أعضاء فى ما يسمى ب «اتحاد الشباب التركى» وهو جماعة قومية متطرفة بمهاجمة طواقم ألمانية لصواريخ باتريوت تم إرسالها للمساعدة فى الدفاع عن تركيا ضد التهديدات السورية.