بعد أسبوعين فقط على بدء العملية العسكرية الفرنسية ضد الإسلاميين المتشددين فى مالى، كشفت أزمة احتجاز الرهائن فى منشأة عين أميناس النفطية فى الجزائر أن محاربة الخلايا الإرهابية فى مالى لن تكون بالأمر السهل، خاصة فى ضوء إحجام الدول الغربية عن المشاركة بقوات قتالية، وكذلك التكلفة المالية الكبيرة التى تطلبها العملية. وتحققت توقعات المراقبين بأن يكون للتدخل العسكرى الفرنسى فى مالى عواقب كبيرة من حيث استهداف القاعدة للدول المجاورة، خاصة الجزائر بعد سماحها لفرنسا باستخدام مجالها الجوى، إلا أن قدرة مجموعة مرتبطة بتنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى على الرد بهذه السرعة أدهش الجميع، حسبما قال الكاتب باتريك كوكبيرن بصحيفة «الإندبندنت» البريطانية، بل وصف جراهام هاند السفير البريطانى السابق فى الجزائر استهداف صناعة النفط هناك بالتحول المثير للقلق فى استراتيجية المتشددين حيث أشار فى تحليل بصحيفة «صنداى تليجراف» البريطانية إلى أن الأمر الأكثر إثارة للدهشة فى العملية الإرهابية بالجزائر ربما لا يكمن فى وقوعه، إنما فى أنه لم يحدث من قبل أن استهدف قطاع الغاز هناك. وبالإضافة إلى ما أظهرته عملية احتجاز الرهائن فى الجزائر من قدرة جناح القاعدة فى شمال أفريقيا المعروف ب «تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى» على استهداف مصالح الغرب الاستراتيجية فى المنطقة، صرح دبلوماسيون فرنسيون ودبلوماسيون آخرون فى الأممالمتحدة لوكالة رويترز بأن الاشتباكات الأولية فى مالى أظهرت أنهم مدربون ومسلحون أفضل مما توقعت فرنسا قبل أن تشرع فى التدخل العسكرى مما ينذر بأن القتال قد يكون أكثر دموية عما أشارت إليه التوقعات وربما يجعل الدول الغربية أكثر إحجاما عن المشاركة إلى جانب فرنسا، وهو ما يزيد من صعوبة المهمة الفرنسية. وحتى الآن يرفض الحلفاء الغربيون، وعلى رأسهم واشنطن، المشاركة بقوات قتالية بمالى، ويكتفون بالدعم اللوجستى والعسكرى للقوات الفرنسية. فبالرغم من أن بعض مسئولى «البنتاجون»، وفقا لما نشرته صحف أمريكية، يدفعون باتجاه تدخل أمريكى مباشر للحد من أنشطة الجماعات الإسلامية المتشددة فى شمال إفريقيا محذرين من أن استمرار الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى سياسته بعدم التدخل يهدد بتحول المنطقة إلى نسخة من أفغانستان قبل هجمات سبتمبر 2001، إلا أن مسئولى البيت الأبيض يرون أنه لا يمكن الجزم بأن تنظيم القاعدة فى المغرب الإسلامى بات يشكل تهديدا للمصالح الأمريكية ويحذرون من مخاطر تدخل أمريكى فى مالى والتورط فى صراع طويل الأمد شبيه بالتدخل الأمريكى فى أفغانستان الذى كلف الخزانة الأمريكية حتى الآن مئات المليارات من الدولارات. ووفقا لرئيس لجنة المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا «ايكواس» قادرى ديزيريه أودريجو، يتطلب مبدئيا التدخل الأفريقى فى مالى تمويلا يقارب 500 مليون دولار، وهو ما يظهر أن التكلفة الاقتصادية للمهمة فى مالى ستكون كبيرة ومرهقة وخصوصا فى ظل غياب المساعدات الأوروبية فحتى الآن لم يقرر الاتحاد الأوروبى المشاركة فى التمويل إلا بمبلغ لا يتعدى 50 مليون يورو (67 مليون دولار) وهو ما دفع فرنسا إلى حث دول الخليج على مساعدتها فى تمويل العمليات العسكرية الهادفة إلى محاربة المتشددين فى مالى حتى لا تتحول إلى معقل للإرهاب فى شمال إفريقيا، حسبما يقول الرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند. ورأت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، أن التدخل العسكرى فى مالى لردع تقدم الجماعات المسلحة المرتبطة بتنظيم القاعدة فى البلاد ليس بالأمر الهين كما تصوره الرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند مشيرة إلى أن إرساء الاستقرار فى مالى لن ينجح إلا إذا تم إعادة تنظيم الدولة مع منح الطوارق فى الشمال الذين يتوقون إلى الحصول على استقلالهم قدرا أكبر من الحكم الذاتى وإعادة بناء مؤسسات الدولة وإرساء الشرعية، وهو ما يحتاج لوقت طويل حتى إذا تم تحت إشراف «الإكواس» أو الأممالمتحدة. ونقلت الصحيفة عن كاميل جراند، خبير الدفاع ومدير مؤسسة البحث الاستراتيجى فى باريس، قوله إن هدف فرنسا المعلن وهو العودة بالبلاد إلى ما قبل سيطرة الإسلاميين عندما كانوا مختبئين فى المناطق الحدودية هو بالتأكيد هدف ممكن من وجهة نظر عسكرية، لكن إذا كان الهدف الأسمى هو القضاء تماما على الجماعات الإسلامية المتطرفة فى منطقة الساحل الإفريقى فهذا لن يحدث على الأرجح لأنه هدف بعيد المنال على أى أحد. وأشارت نيويورك تايمز إلى أنه رغم أن طموحات باريس لا تبلغ هذا الحد إلا أن منتقدى أولاند يقولون إنه قد يورط نفسه بشكل أكبر مما كان يريد أو حتى يتصور. وكتبت ناتالى نوجايريد فى مقالة بصحيفة «لوموند» الفرنسية أن المرحلة النهائية للعملية الفرنسية غير واضحة، وأكدت أن فرنسا بإقدامها على التحرك نحو الجبهة الأمامية تتحمل مسئولية إعادة إعمار الدولة. وأضافت قائلة: «وكما رأينا فى حالات أخرى فى العالم تأتى المشكلة الحقيقية بعد التدخل العسكرى، وسيكون هذا هو الاختبار الأخير». ويتفق خبراء على أنه رغم الانتصارات الأولية السريعة التى حققتها الحملة الفرنسية إلا أن قوات المتشددين لن تواجه صعوبة فى إعادة التجمع وزعزعة الاستقرار مجددا، وأنه ليس واضحا ما إذا كان بإمكان فرنسا تفادى انتشار عسكرى طويل الأمد فى مالى.