دون أدني شك أن تورط فرنسا في حرب جديدة بافريقيا يثير الفضول حول الأسباب والخبايا!.. خاصة ان الرئيس الاشتراكي الذي دخل الاليزيه متبنيا مبدأ السلام قد أصر علي انسحاب جنوده من أفغانستان, وسبق له رفض إغاثة حكومة إفريقيا الوسطي من زحف المتمردين,بالإضافة إلي أن خوض فرنسا حربا جانبا إلي جنب مالي قد يكبد ميزانية الدولة ما لا تطيقه في ظل ظروف اقتصادية قاسية لا تهدد فرنسا فحسب ولكن دول كبري أخري. حيث بدأت فرنسا تدخلها العسكري بقصف جوي للبؤر الإرهابية في مالي الجمعة13 يناير, وعززت عمليتها هناك بالزحف البري بعدها بأيام قليلة, ومن ناحية الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند, أكد مرارا من خلال تصريحاته المتتالية, أن التدخل العسكري في مالي جاء لرغبة دولة صديقة, وفي إطار الشرعية بناء علي طلب الرئيس المالي, مشيرا إلي أن فرنسا تسعي من تدخلها إلي دحر المتمردين المتشددين حتي تستعيد مالي وحدة أرضيها. والواقع أن مشاركة أولاند عسكريا في مالي كان مفاجأة من العيار الثقيل, خاصة انه ألمح في سياسته وبرنامجه الانتخابي إلي النأي بفرنسا عن أي تدخل يريق دماء مواطنيها. واللافت أن قوي المعارضة السياسية بمختلف انتماءاتها قد أجمعت علي تأييد قرار اولاند بالتدخل العسكري في مالي.حتي زعيمة الجبهة الوطنيةلليمين المتطرف مارين لوبن المعروف عنها الالتزام بمعارضة الحكومة علي طول الخط اعتبرت أن التدخل العسكري الفرنسي في مالي أمرا مشروعا.. وانه ينبغي دعم قرار الرئيس مادام انه تم وفقا لطلب الحكومة الشرعية لهذا البلد مادام انه يتم في إطار التعاون الدفاعي بين البلدين..مذكرة بأن مالي دولة فرانكفونية. إلا انه علي الرغم من أن التدخل العسكري في مالي قد لاقي دعما اجتماعيا وهو وما أشارت إليه استطلاعات الرأي التي أفادت أن غالبية الفرنسيين يساندون قرار فرانسوا اولاند بإرسال قوات فرنسية إلي مالي, فإن بعض الانتقادات بدأت تظهر علي الساحة السياسية الفرنسية. فمن ناحيته جان لوك ميلينشون زعيم جبهة اليسار أكد أن حرب مالي تكلف الخزينة الفرنسية مليوني يورو يوميا. وبنظرة تحليلية.. نكتشف ان الإرهاب أوجع فرنسا كثيرا ففي خارج أرضيها عانت من قضايا اختطاف لرعاياها,غالبا ما تنتهي بطريقة مأساوية وقتل المحتجزين. وعلي المستوي الداخلي وجدت فرنسا أن الإسلاميين المتشددين يتسللون إلي عقول البسطاء من أبناء الجاليات العربية والإفريقية المهمشة وتجندهم تحت دعوي الجهاد!. الأمر الذي دعي فرنسا كغيرها من دول الغرب إلي التوجس من مخاطر الإرهاب. كما أشار المراقبون للشئون السياسية الفرنسية الإفريقية إلي أن مالي منقسمة لمنطقتين متباينتين.الأولي تقع تحت سيطرة الحكومة المركزية,والثانية في الشمال تسيطر عليها المجموعات الإرهابية وتجار المخدرات,وهي تشكل خطرا علي موريتانيا باعتبارها بوابة مفتوحة وسهلة للإرهابيين الذين يريدون الدخول إلي أراضيها. وسبق أن واجهت فرنسا انتقادات لاذعة من قبل دول بعينها كالجزائر وموريتانيا باعتبار أن فرنسا أظهرت سياسة مزدوجة في تصرفها مع الإرهاب.. فهي تطالب دول المغرب والساحل بالقيام بكل ما في وسعها من أجل محاربة تنظيم القاعدة, ومن جهة أخري تقوم بالمقايضة علي الرهائن الفرنسيين بالإجراميين الارهابين.. كما سبق لها علي سبيل المثال الضغط علي مالي لتفرج عن إسلاميين متطرفين مقابل مقايضة تمت لتحرير بعض رهائنها في شهر أبريل.2009 وفي محاولة لفهم علاقة فرنسا بمستعمراتها السابقة في إفريقيا..خاصة ان تدخلها العسكري في مالي جاء بسماح الجزائر لاستخدام أجوائها, وبعد أن خيمت علي علاقة البلدين حالة من الضباب والتوتر لفترة طويلة.وهو ما يفتح باب التكهنات لصفقات مصالح مشتركة, خاصة ان الإرهابيين قصدوا موقع البترول بالجزائر فور بدء العملية العسكرية في مالي, التي مازالت تعاني فيها الجزائر من محاصرة الموقع وسقوط للضحايا المحتجزين. خاصة ان في ظروف مشابهة لما تمر به مالي رفض الرئيس الفرنسي فرانسوا اولاند مؤخرا التدخل العسكري في افريقيا الوسطي بناء علي طلب من رئيسها الجنرال فرنسوا بوزيزي الذي طلب إغاثته من متمردي ائتلاف سيليكا, واكتفت فرنسا بالتنديد والإدانة وأبدت مبادرة لمحاولة التصالح بين المتمردين المسلحين والنظام. علي الرغم من أن فرنسا القوة الاستعمارية السابقة لفترة طويلة تمتلك قاعدة عسكرية كبيرة في إفريقيا الوسطي, فإن أولاند أعلن أن مهمة العسكريين الفرنسيين( ال250) الذين لا يزالون في مطار بانجي لا تتمثل في حماية النظام.. وإن فرنسا لم تبق هناك لحماية نظام بل لحماية مواطنيها ومصالحها وليس للتدخل بأي شكل من الأشكال في الشئون الداخلية لأي بلد مؤكدا إن عهد الاستعمار ولي.. ولا يجوز لفرنسا تنصيب أو خلع أنظمة في مستعمراتها القديمة. خلاصة القول أن كابوس الحقبة الاستعمارية لفرنسا يلاحقها مهما رغبت في طي صفحة الماضي, نظرا لما خلفته وراءها من جهل وفقر أوشك أن يفتك بالقارة السمراء بل جعلها تربة خصبة وفريسة سهلة للتطرف والإرهاب والمخدرات. وعلي المستوي الرسمي أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند عن أن فرنسا ستبقي في مالي كل الوقت الضروري من أجل دحر الإرهاب.. وبأنه سيطلب من البرلمان التصويت علي مبدأ هذا التدخل إذا كان سيطول. وحول عملية الجيش الجزائري في منشأة عين أمناس اعتبر الرئيس الفرنسي أن الجزائر تصرفت بالشكل الملائم.وان هجوم الارهابين هذا يعد إضافة للأسباب الداعمة لتدخل فرنسا عسكريا في مالي. أما وزير الدفاع الفرنسي جون إيف لودريان فصرح بان عدد العسكريين الفرنسيين الذين يشاركون في العمليات العسكرية ضد الجماعات الإسلامية المسلحة يبلغ حاليا.1800 وأشار لودريان أن هذه القوات تلتزم وبشكل كامل بمكافحة الإرهاب القائم في مالي والذي يسعي لتهديدنا أيضا..مؤكدا أن فرنسا تقوم بالعملية العسكرية في مالي لأن أمن هذا البلد من أمن فرنسا وأوروبا.. وان وحدة الأراضي المالية تمثل أمن وسيادة فرنسا وأوروبا.