على الرغم من أن المحاولات الأمريكية للتدخل فى الشئون الداخلية لروسيا ليست وليدة اليوم، فإن موافقة مجلس الشيوخ الأمريكى على مشروع قانون «ماجنيتسكى» أثارت موجة من الغضب فى موسكو، وأطلقت شرارة أولى لما يمكن اعتباره حربًا باردة جديدة بين القطبين، وخاصة بعد صدور هذا القانون المثير للجدل فى مستهل الولاية الجديدة للرئيس باراك أوباما الذى توقع المراقبون أن يستكمل ما بدأه فى ولايته الأولى من تحسين للعلاقات بين البلدين، والذى أثمر عن توقيع معاهدة «ستارت» الجديدة لخفض ترسانتهما النووية ودعم واشنطن لانضمام روسيا لمنظمة التجارة العالمية فى أغسطس الماضى. وفى هذا السياق، جاءت موافقة الكونجرس الأمريكى على إلغاء ما يعرف ب «تعديل جاكسون فانيك» الذى تم تمريره إبان حقبة الحرب الباردة فى عام 1974 لمنع إقامة علاقات تجارية طبيعية مع روسيا ردا على عرقلة الاتحاد السوفييتى لهجرة اليهود إلى إسرائيل، وهو التعديل الذى فقد مضمونه فى عام 1985 بعد تبنى الاتحاد السوفييتى لقانون حرية الهجرة. ومع أن إلغاء هذا القانون كان مطلبا لموسكو، إلا أن الكونجرس الأمريكى أغضب الدب الروسى بتمريره بشكل متزامن لقانون «ماجنيتسكى» الذى يستهدف مسئولين روس تعتبرهم واشنطن متورطين فى وفاة المحامى الروسى سيرجى ماجنيتسكى فى نوفمبر 2009 فى سجن روسى بعد شهور من اعتقاله بتهم تهرب ضريبى، بينما يقول مقربون منه إن السبب الحقيقى وراء اعتقاله كان كشفه النقاب عن وقوف عناصر أمنية وراء عمليات اختلاس لأموال الدولة. وقالت منظمات حقوقية إن ماجنيتسكى تعرض للتعذيب فى السجن ولم يحصل على المساعدة الطبية اللازمة لإنقاذ حياته بعد تدهور حالته الصحية، بينما قال ملف التحقيق الذى قدمه الوفد البرلمانى الروسى إنه كان يعانى من بعض الأمراض التى لم ينتبه إليها وأدت إلى وفاته، مؤكدين أن أمر اعتقاله كان قانونيا. وبموجب قانون «ماجنيتسكى»، الذى يتوقع أن يصادق أوباما عليه قبل نهاية العام الحالى ، فإن الأفراد الضالعين فى وفاة المحامى الروسى، وكذلك أى شخص مسئول عن انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان فى روسيا، سيحرمون من الحصول على تأشيرات دخول إلى الولاياتالمتحدة مع تجميد أرصدتهم فى المصارف الأمريكية،إضافة إلى تدابير أخرى تصل إلى ملاحقتهم فى بلدان أخرى. وفى بيان لوزارة الخارجية الروسية، أعربت موسكو عن استغرابها «من توجيه انتقادات بشأن حقوق الإنسان من قبل الدولة التى سمحت رسميا وفى القرن الواحد والعشرين باستخدام التعذيب فى السجون، وباختطاف أشخاص فى مناطق مختلفة من العالم»، مشيرة إلى أن مواطنين روس راحوا أيضا ضحايا لمثل هذه الأعمال غير القانونية. وأدانت موسكو ما وصفته ب «الموقف المتحيز بدرجة غير معقولة» الذى يتخذه الكونجرس الأمريكى، واعتبرته ناجما عن الإرادة الانتقامية لتصفية الحسابات مع روسيا بسبب «موقفها الثابت من القضايا الدولية الداعى للتمسك الصارم بالقانون الدولى». وأشارت إلى أن هذا القانون سيخيم بصورة سيئة على آفاق التعاون الثنائى محملة واشنطن المسئولية عن ذلك. وفى إجراء مماثل، أعد البرلمان الروسى مشروع قانون يقضى بمنع الأمريكيين الذين تعتبرهم موسكو مذنبين بالفعل فى انتهاكات حقوق الإنسان من دخول الأراضى الروسية وتجميد حساباتهم فى المصارف الروسية وفروعها الأجنبية. وبينما اعتبرت صحيفة الإندبندنت البريطانية، تصديق الكونجرس الأمريكى على قانون ماجنيتسكى بمثابة حرب باردة جديدة بين أمريكا وروسيا، وقال مراقبون إنه سيزيد من توتر العلاقات بين الطرفين على خلفية الخلاف بشأن الدرع الصاروخية والأزمة السورية، يرى ديمترى ترينين مدير مركز كارنيجى البحثى فى موسكو أن قانون ماجنيتسكى لن يؤدى إلى أزمة خطيرة فى العلاقات الروسية الأمريكية مشيرا إلى أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لا يسعى لتأزيم العلاقات لذا فإن آثار هذا التشريع ستكون محدودة. ويتفق مع ترينين المحلل الروسى بوريس ميزوييف، والذى يرى أنه لا ينبغى تضخيم الموقف فى ظل وعى البلدين لمدى الحاجة لتقوية العلاقات الثنائية، وخاصة بعد إلغاء «تعديل جاكسون فانيك». ويضيف ميزوييف قائلا:أعتقد أن الرئيس أوباما، مثل الرئيس بوتين، يسعى أيضا لتعزيز الروابط الروسية - الأمريكية.