إذا كانت القاعدة الطبية البسيطة تقول «إن الوقاية خير من العلاج».. فإن ذات المنطق يمكن أن ينطبق على جميع المجالات.. خاصة «إدارة الأزمات».. ونحن نواجه فى مصر الآن أزمة حقيقية.. بل فتنة كبرى شاركت أطراف كثيرة فى صناعتها وتأجيجها.. عمداً.. أو جهلاً. وللأسف الشديد استغلتها شخصيات وقوى ودول خارجية وداخلية فى تصعيد الأزمة لدرجة تكاد تعصف بأمن الوطن.. بل بكيان الدولة المصرية. وليس أدل على هذا مما حدث الأسبوع الماضى فى محيط الاتحادية.. عندما اندلعت مواجهات عنيفة سقط خلالها مئات الضحايا بين قتيل وجريح.. كما تم اعتقال من قاموا بالتنفيذ. عشرات البلطجية الذين اندسوا وسط المتظاهرين الأبرياء فقتلوا ستة منهم.. هؤلاء البلطجية اعترفوا بالحصول على أموال وأسلحة بيضاء وقنابل مولوتوف. نعم تم تحريز أدوات تنفيذ الجريمة.. ولكن المحرضين ومثيرى الفتنة ظلوا مطلقى السراح.. يتحركون ويمرحون آمنين فى الشوارع وعلى شاشات الفضائيات.. بل إن بعضهم تحول إلى أبطال ونجوم.. للأسف الشديد. ويجب أن نعترف أيضاً بأن كل الأطراف قد أساءت تقدير الموقف والتعامل معه بالصورة المناسبة والدقيقة.. بدءاً من مؤسسة الرئاسة ومروراً بالأحزاب والمؤسسات الرسمية.. وحتى منظمات المجتمع المدنى.. وأيضاً الإعلام الذى مارس بعضه جريمة كبرى فى إثارة الأزمة ويتحمل وزر دماء الضحايا الذين سقطوا الأسبوع الماضى. وعندما نتحدث عن مؤسسة الرئاسة.. يجب أن نشير إلى أنها كان يجب أن تتخذ عدة خطوات سريعة فى بداية نشوب الأزمة.. وقبل أن تتطور وتتلاحق بهذه الصورة الخطيرة. أولى هذه الخطوات التى كان يجب أن تتخذها مؤسسة الرئاسة هى فتح باب حوار شامل وموسع ليس حول الدستور فقط.. بل حول كل القضايا الخلافية.. بما فيها الإعلان الدستورى الأخير. وصحيح أن كثيراً من الأحزاب والقوى المعارضة اتخذت موقفاً متصلباً من الدعوة إلى الحوار.. ولكن كان يمكن وضع هذه الأحزاب والقوى والشخصيات أمام مسئولياتها السياسية والتاريخية.. بطرح مبادرة شاملة متكاملة لحل الأزمة.. بحيث إنه فى حالة رفضها هذه المبادرة تتحمل مسئولياتها أمام الجميع.. خاصة الشعب البسيط الذى يكتوى بنار الغلاء والفقر والمرض.. قبل أن يكتوى بألاعيب الساسة والمثقفين والنخبة (النكبة). الخطوة الثانية التى كانت مطلوبة من مؤسسة الرئاسة هى سرعة المبادرة فى طرح الخطة المتكاملة للحل. فالتوقيت عنصر حاسم لمواجهة مثل هذه الأزمات الطاحنة والخطيرة.. ويجب أن تعترف مؤسسة الرئاسة بأنها تأخرت كثيراً فى معالجة هذه الأزمة.. مما أدى إلى تفاقمها. الخطوة الثالثة.. هى ضرورة الإنصات بعمق وبدقة لصوت الهيئة الاستشارية ومساعدى الرئيس.. فلو تم الاستماع لمشورة هؤلاء.. لما استقال بعضهم.. ولما وصلت الأمور لهذه المرحلة الأخطر. بل إن هؤلاء المستشارين المستقيلين والمستمرين يمتلكون قنوات قوية للحوار كان يمكن أن تسهم فى الوقاية من الأزمة قبل تفاقمها. أيضاً فإن الأحزاب كلها - إسلامية وليبرالية ويمينية ويسارية- تتحمل جانباً كبيراً من تدهور الأوضاع ووصولها إلى هذه الدرجة الخطيرة التى نرفضها جميعا ولا نتمنى مشاهدتها.. وأبرز هذه الأخطاء هى:انعدام التواصل بين الأحزاب المختلفة (خاصة الإسلاميين بكل تنويعاتهم والمعارضين على اختلاف انتماءاتهم).. حتى إننا وصلنا إلى درجة العزلة.. بل العداء المباشر.. حتى المواجهة الدامية على أرض الواقع.. نعم تطورت الخلافات من مجرد تباين الآراء فى الإعلام.. إلى التلاسن المباشر.. ثم إلى الاشتباك الدموى الذى دفع ثمنه أبناؤنا الأبرياء.. أغلى ما نملك.. وأعز كنوزنا. نعم نحن نريد إخراج الشباب من هذه الدائرة الجهنمية التى يحترقون فيها ويحرقون أرض الوطن بها.. لاقدر الله.. ويجب أن نعترف بأن فلول الوطنى المنحل تحالفت مع البلطجية واندست وسط الشباب.. وحرَّضت البسطاء منهم.. كما موَّلت محترفى الإجرام والبلطجة.. ليس لهدم الإسلاميين أو الإخوان.. بل لتخريب الوطن.. بالتواطؤ مع قوى عديدة.. معروفة.. تلعب ضد مصالحنا.. على المكشوف. وللأسف الشديد.. فإن بعض أفراد الشرطة اتخذت مواقف سلبية من جرائم الحرق والقتل ولم تتدخل لحماية الوطن ومنشآته وأبنائه الأبرياء وهذه جريمة أخرى يجب معاقبة مرتكبيها. ولم تصل الأمور إلى درجة العزلة بين الطرفين (الإسلاميين ومعارضيهم) فقط.. بل تخطت ذلك إلى حد التحريض على العنف.. نعم تحريض مباشر على العنف ممن يسمون أنفسهم بالنخبة أو رموز العمل السياسى، ولا يمكن لإنسان وطنى أن يدعو لاقتحام القصر الجمهورى وإسقاط الرئيس.. أول رئيس مصرى منتخب فى تاريخنا. هذا الرجل - الذى دعا إلى العنف - ارتكب ذات الجريمة قبل شهور عندما طالب بالعصيان المدنى وتم تسجيل هذا الكلام بالصوت.. وللأسف الشديد لم يتم اتخاذ أى إجراء ضده من النائب العام السابق،وكيف يمكن أن نثق فيه ونحترم دعاة الكراهية والعنف والتحريض على القتل بل كيف لا تتم محاكمة هؤلاء المحرضين؟ إنهم فى تقديرى أخطر من البلطجية الذين قتلوا أبناءنا الأبرياء أمام قصر الاتحادية الأربعاء الماضى؟ بل إن داعية العنف طالب الجماهير الغاضبة باقتحام القصر الجمهورى وإعلان مجلس رئاسى مدنى كما حدث فى دول أخرى؟ إن ما قاله هذا الرجل بلاغ متكامل الأركان للنائب العام.. وبلاغ آخر يجب أن يقدم إلى النائب العام ضد المطالبين بالتدخل الأجنبى والمحرضين للغرب ليس ضد الرئيس فقط بل ضد مصر وأمنها واستقرارها.. فالغزاة عندما يأتون - ولن يحدث هذا بمشيئة الله - لن يفرقوا بين مؤيد ومعارض.. ولا بين مسلم ومسيحى.. ولا حتى بين ليبرالى ويسارى.. أيها السادة إن الغزاة لا يميزون بين أبناء الوطن الواحد لأنهم يريدون هدمه كله.. أو اقتناصه كله. ولو حدث هذا فهذه هى الخيانة العظمى بكل تأكيد. ومن هذا المنطلق فإننا نندد بالاجتماع الذى تم بين بعض الساسة أو من يسمون أنفسهم برموز العمل الوطنى مع السفيرة الأمريكية التى دعت أحزاباً أخرى للمشاركة فى هذا الاجتماع ولكنها رفضت جملة وتفصيلاً.. انطلاقاً من إيمانها بوطنيتها والتزامها بمسئولياتها التاريخية.. والأهم من ذلك كله تأكيداً لعدم المشاركة فى مؤامرة إحراق الوطن. أما السفيرة الأمريكية فنقول لها بملء الفم: لن تستطيعى أن تنالى من وحدة وصلابة وإيمان هذا الشعب.. كما أن المتآمرين والمحرضين انكشفوا أمام الجميع.. ولن يفيدوا الأمريكان.. ولن ينفعهم العم سام! qqq وفى إطار فن «الوقاية من الأزمات» يجب على كل الأطراف - خاصة مؤسسة الرئاسة - الدعوة إلى اجتماع عاجل وشامل.. يضم جميع المعارضين والمؤيدين.. وليبدأ هذا الاجتماع اليوم قبل الغد.. على أن يركز على المحاور التالية: qنبذ العنف بصورة مطلقة من كل الأطراف.. فلا يجوز لقوى سياسية وحزبية رسمية أن توافق على أعمال العنف والبلطجة وحرق المنشآت.. هذه هى نقطة الانطلاق الأولى.. فلا مجال لهذه الأعمال الشائنة فى العمل السياسى السليم والنزيه. qرفض الاستقواء بالخارج أو الدعوة للتدخل الأجنبى.. فلا يمكن أن يشارك فى مثل هذا المؤتمر شخص يحرض على احتلال بلده.. أو غزوه.. ولا يمكن أن يجلس على مائدة الحوار من يدعو لقطع المساعدات الأجنبية عن مصر.. أو من يطالب المتظاهرين باقتحام القصر الرئاسى. qبحث أسباب الأزمة بكل أبعادها.. بما فيها إمكانية تجميد الإعلان الدستورى مؤقتاً.. بل وبحث تعديل المواد المختلف عليها فى مشروع الدستور المقترح. qبناء جسور التفاهم والتقارب بين مختلف القيادات السياسية والحزبية والدينية والإعلامية.. بمبادرة من رئيس الجمهورية وكافة الأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى.. يجب على الكبار أن يكونوا قدوة للصغار فى احترام الرأى والرأى الآخر.. وفى عدم الانزلاق إلى هاوية العنف. qإيقاف كل مظاهر التظاهر والاحتجاج والاعتصام والتفرغ للبناء والعمل ال