اخترت هذا العنوان - الإخوان والأمريكان - باعتباره أقصر طريق للوصول للهدف!.. الهدف هو مستقبل العلاقات المصرية الأمريكية بعد الثورة وبعد وصول الإخوان للحكم.. ومن ثم فإنه يمكن القول بأن العامل الرئيسى فى تحديد ملامح هذا المستقبل هو علاقة الإخوان بالأمريكان أو علاقة الأمريكان بالإخوان!.. وعندما ذهب الرئيس مرسى إلى أمريكا لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة كان مقررا أن يلتقى بالرئيس الأمريكى أوباما.. وكان الجميع ينتظر هذا اللقاء ليستشف منه ملامح مستقبل العلاقات المصرية الأمريكية.. لكن اللقاء لم يتم فهل يمكن اعتبار ذلك مؤشراً سلبياً لمستقبل هذه العلاقات؟؟!.. أصحاب هذا الرأى يتساءلون: كيف لا يلتقى الرئيس الأمريكى أوباما بأول رئيس مصرى منتخب بعد ثورة 25 يناير؟.. كيف لا يجتمع الرئيس الأمريكى برئيس أكبر دولة من دول «الربيع العربى»؟!.. وتقفز تساؤلات أصحاب هذا الرأى إلى ما هو أبعد فيقولون: هل يأتى إلغاء هذا الاجتماع - الذى كان مقررا سلفا - كتعبير عن غضب أمريكا من المظاهرات التى أحاطت بالسفارة الأمريكية فى القاهرة؟!.. وهل يمثل هذا الإلغاء نقطة انقلاب فى علاقات أمريكا بالإخوان؟!.. التساؤلات مشروعة.. حتى لو كانت بسوء نية!.. لكن الحقيقة أن إلغاء الاجتماع ليس له إلا سبب واحد: الانتخابات الرئاسية الأمريكية!.. فجأة وجد الرئيس الأمريكى أوباما نفسه يواجه انتقادات حادة بسبب موقف أمريكا من ثورات الربيع العربى أو بالتحديد بسبب تأييده للإسلاميين فى دول هذه الثورات.. وقد قام منافسه الجمهورى فى الانتخابات الرئاسية.. ميت رومنى.. بشن هجوم حاد عليه لاستمرار دعم أمريكا لثورات الربيع العربى رغم الهجوم على السفارات الأمريكية.. وهو ما رد عليه الرئيس أوباما بأن أمريكا عليها فى النهاية أن تنحاز للديمقراطية. وتنحاز أيضاً لفكرة أن الشعوب يجب أن تكون قادرة على المشاركة فى حكمها.. رغم أن هناك من يحاول استغلال المشاعر المعادية لأمريكا فى المنطقة.. هجوم المرشح الجمهورى ورد الرئيس أوباما عليه ليس موضوعنا.. الذى يهمنا أن الرئيس الأمريكى أصبح فى قلب المعركة الانتخابية الرئاسية.. ولابد أن مستشاريه نصحوه بعدم لقاء أى رئيس من دول ثورات الربيع العربى بعد الانتقادات التى وجهت إليه فى هذا الشأن.. ربما بمنطق سد الباب الذى تأتى منه الريح.. ليس هناك تفسير آخر!.. ثم إن الرئيس الأمريكى تعامل بنفس المنطق مع الحليف الأكبر لأمريكا فى المنطقة.. إسرائيل!.. *** رفض الرئيس الأمريكى لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.. وكما هو متوقع استثمر المرشح الجمهورى رومنى الموقف وشن هجوما حادا على أوباما.. قال رومنى إن إسرائيل هى حليفنا المقرب.. وقرار الرئيس أوباما بعدم لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلى قرار خاطئ.. حيث يبعث برسالة للشرق الأوسط تقول إننا بطريقة ما نبتعد عن أصدقائنا.. وأعتقد أن الأسلوب الصحيح والضرورى هو عكس ذلك!.. الرئيس الأمريكى رد وقال إن نتنياهو يضغط عليه لكى تتخذ أمريكا موقفاً أقوى ضد إيران.. لكنه لن يخضع لهذه الضغوط لأنه عندما يتعلق الأمر بالأمن القومى الأمريكى فإنه عليه أن يفعل ما هو صحيح بالنسبة لأمريكا.. مرة أخرى هجوم المرشح الجمهورى ورد الرئيس أوباما عليه ليس موضوعنا.. ما يهمنا أن الرئيس الأمريكى رفض لقاء نتنياهو لأسباب انتخابية.. فالرئيس الأمريكى حريص على أصوات اليهود وهو يعلم جيدا أن لقاءه برئيس الوزراء الإسرائيلى سيؤدى إلى مزيد من الضغوط.. إما أن يستجيب لها وإما أن يخسر أصوات اليهود!.. فلماذا لا يتعامل بنفس المنطق.. منطق الباب الذى تأتى منه الريح!.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية هى السبب الوحيد لرفض أوباما الاجتماع بنتنياهو.. تماما كما أنها السبب الوحيد لعدم اجتماع الرئيس الأمريكى بالرئيس مرسى.. أما علاقة أمريكا بالإخوان فلها حسابات أخرى!.. *** لابد من الاعتراف بأن العامل الرئيسى فى تحديد مستقبل العلاقات المصرية الأمريكية بعد الثورة.. هو مدى استعداد مصر.. أو الذين يحكمون مصر.. لقبول منطق العلاقات الثنائية بين أمريكا ومصر والتى تميل فيه واشنطن إلى تقييم علاقتها بمصر من خلال علاقة القاهرة بتل أبيب. هل سيقبل الرئيس مرسى ويوافق الإخوان على هذا المنطق؟!.. هل ستمر العلاقة بين مصر وأمريكا من نفس الطريق الذى كانت تمر به قبل الثورة.. طريق تل أبيب؟!.. الإجابة نجدها فى تقرير رئيس لجنة الأمن القومى بالكنيست الإسرائيلى - رونى بار أوف- الذى يدعو فيه إسرائيل إلى قبول تعديل اتفاقية السلام مع مصر لحث جماعة الإخوان المسلمين على الاعتراف بتل أبيب.. حيث إن تعديل الاتفاقية يعنى تصديق الجماعة التى ينتمى لها الرئيس المصرى على الاتفاقية.. أى فى النهاية الاعتراف بإسرائيل!.. الموقف الرسمى للحكومة الإسرائيلية يرفض تعديل الاتفاقية ووجهة نظرهم أن الإخوان لن يلتزموا بالاتفاقية. لذلك ينبغى على تل أبيب أن تتمسك بتدخل أمريكا باعتبارها الضامنة للاتفاقية.. مرة أخيرة تعديل الاتفاقية أو عدم تعديلها ليس موضوعنا.. الذى يهمنا أنهم فى إسرائيل أصبحوا يعرفون أن أمريكا لا تستطيع أن تفرض على الذين يحكمون مصر ما كانت تفرضه من قبل.. وأن على إسرائيل أن تسعى بنفسها لحث الإخوان على الاعتراف بتل أبيب (!!!).. وليس لذلك معنى إلا أن العلاقة بين الإخوان والأمريكان لن تكون نفس العلاقة التى كانت من قبل!.. *** قوة مصر الحقيقية فى استعادة دورها كلاعب أساسى ورئيسى فى المنطقة.. ويقتضى ذلك أن تعيد مصر صياغة علاقاتها الدولية.. وأولها العلاقة مع أمريكا.. كيف؟!.. هذا هو السؤال الصعب الذى يتعين على الإخوان الإجابة عنه!..