حياة صعبة.. ورحلة أصعب.. «عسكرية» شابة نحيفة سمراء ملامحها ملامح الأم المصرية التى تنتمى لصعيد مصر.. وبالرغم من أنها شابة فإن الحزن والالم يكسو أن وجهها. دموع عينيها حفرت أخاديد على خدودها.. «عسكرية» تفترش أرض القطار وينام على صدرها طفل لم يتجاوز السنوات الثلاث تأخذه فى حضنها خوفا عليه من أن يُنتزع منها.. رحلة شاقة تقوم بها كل أسبوع وفى ظلام ليل القطار تنظر أمامها وتمر حياتها كشريط سينمائى.. دموعها تنساب على خدودها كلما تذكرت فصلا من فصول المأساة التى بدأت منذ عامين اى بعد ولادة ابنها البكرى «سعيد» كانت هى وزوجها فى غاية السعادة بميلاده.. انطلقت الزغاريد فى البيت الصغير تعلن وصول المولود الأول للاسرة وكانت السعادة به لأنه ولد اى امتداد الاسرة والعزوة.. كان الأب يوصيها كل يوم به.. يخرج كل يوم بحثاً عن الرزق من أجله وبالرغم من قلة الرزق فهو يعمل أجيرا وكثيرا ما كان لا يجد ما يعود به إلى البيت إلا أنه كان يبذل ما فى وسعه من أجل إسعاد الزوجة والطفل. كانت فرحته وفرحتها لا توصف عندما بدأ سعيد يتحرك ويحاول ان يجلس أو يحبو.. كثيرا ما كان الوقت يضيع منها وهى جالسة بجواره تراقبه.. تتبعه.. بل تساعده على الحبو ومحاولات الوقوف على قدميه.. مرت الشهور الاولى وهى فى غاية السعادة ولم يكن يعكر صفوها إلا إصابة «سعيد» كجميع الاطفال الذين فى مثل سنه بنزلة برد تارة.. إسهال تارة أو ارتفاع بدرجة الحرارة.. وتتذكر ماحدث فى هذه الليلة المشئومة فقد كان شيئاً آخر لم تره أو تواجهه من قبل. ظل «سعيد» يصرخ طوال الليل..ويئن.. يبكى.. لم تفلح معه أية وسيلة للتخفيف عنه إصابة ارتفاع بدرجة الحرارة.. ظلت والأب بجواره حتى الصباح من يده ليدها والعكس وخاصة أنه كلما حاولت أن تجعله يرقد على ظهره يصرخ بشدة فى الصباح حملته وذهبت به إلى الوحدة الصحية أكد الطبيب انه مصاب بنزلة برد جعلته يشعر بآلام فى عظام ظهره بل فى جميع انحاء جسده وصف له الدواء يوم والثانى والطفل حالته تزداد سوءاً وصراخه وبكاؤه لا ينقطع.. عادت به إلى الطبيب حولها إلى مستشفى المركز وبدأت المعاناة ورحلة عذابها وعذابه بل عذاب الاسرة جميعا.. فى المستشفى شخّص الأطباء الحالة بأنه مصاب بحمى روماتيزمية وهذا ما جعله يشعر بآلام فى عظام الظهر وصف الأطباء بعض المسكنات تحسنت حالته قليلا ولكنها لاحظت انه بدأ يشوب عوده الاخضر الجفاف والاصفرار وبعد فترة أصيب مرة أخرى بنفس الأعراض.. ذهبت به الأم إلى المستشفى.. وفى هذه المرة تم حجزه به.. أجريت له تحليل.. فحوصات وأشعة.. «سعيد» الطفل الذى لم يكن يتجاوز العام فى هذه الاثناء مصاب بورم سرطانى بالعمود الفقرى.. كاد قلب الام أن يتوقف لم تستطع أن تخرج أية كلمة من فمها.. سرت رعشة طويلة فى جسدها.. سقطت مغشيا عليها وعندما أفاقت سمعت الاطباء يؤكدون على الأب أن يحمل طفله إلى المعهد القومى للأورام بالقاهرة حيث الامكانات الطبية العالية وبحثاً عن العلاج المتوفر بمستشفى سرطان الأطفال وكانت رحلة شاقة طويلة مدتها اثنتا عشرة ساعة بالقطار وعندما وصل الركب الحزين إلى مستشفى سرطان الأطفال كان أملهم أن يكون تشخيص الأطباء بالمستشفى المركزى خطأ وان الطفل يعانى من أى مرض ليس بخطير ولكن كانت ارادة الله ومشيئته وأكد الاطباء انه مصاب بالفعل بسرطان بالعمود الفقرى وفى حاجة إلى جلسات علاج كيماوى واشعاعى. عامان من المعاناة والألم تحمل - خلالهما - الأم ابنها فى رحلة قطار الليل كل أسبوع لتعيش معه بالمستشفى ليتلقى الجلسات ثم تحمله مرة اخرى فى رحلة العودة.. تترك بيتها وزوجها وطفلها الثانى الذى رزقها الله به وهى فى هذه المعاناة تتركه لدى الأهل وكثيرا ما تضطر إلى حمله معها فى رحلة مرض اخيه والاب يحاول ان يعمل بكل طاقته ليوفر للابن المريض مصاريف السفر هو وامه ومصاريف العلاج الذى تضطر الامر إلى شرائه من الخارج لعدم توافره بالمستشفى ولكن العين بصيرة واليد قصيرة و تضطر الام إلى مد يدها طلبا للمساعدة وترسل خطابا تشرح فيه حالة ابنها وتطلب من أهل الخير مساعدتها فمن يرغب يتصل بصفحة مواقف إنسانية.