بات من المؤكد أن مؤسسة الإرشاد الدينى فى إيران تستعد من الآن للانتخابات الرئاسية القادمة فى 2013 باعتبارها الفيصل فى تحديد قدرة نظام مؤسسة الإرشاد على الاستمرار من عدمه، وبعد أن حققت فوزا كاسحا فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة فى مواجهة معسكر الرئيس أحمدى نجاد. وبدأت حرب طحن العظام مبكرة جدا بين المرشد الأعلى والرئيس الإيرانى متجاهلين حالة الغضب الشعبى خاصة من جانب المعارضة ضد النظام الحالى ومؤسسة الإرشاد. فالمرشد على خامنئى يخشى من إمكانية ترشح أشخاص محسوبين على مؤسسة الرئاسة الحالية بقيادة نجاد غير المتوافق فى التوجهات مع مؤسسة الإرشاد، الأمر الذى دعا خامنئى إلى محاولة إعادة مير موسوى للحياة السياسية الإيرانية من جديد ليصنع حراكاً واسعاً خلال المرحلة المقبلة ويقف ضد قدرة مؤسسة الرئاسة على طرح مرشحها والعمل على مساندته نظرا للرفض الشعبى الواسع لهذا المرشح حال تواجد موسوى مرة أخرى على الساحة والاستفادة من الزخم الذى حدث عام 2009 خلال وبعد الانتخابات الرئاسية التى خسرها أمام نجاد ثم يقوم خامنئى بعد ذلك بطرح مرشحه الخاص به لمنافسة موسوى وهزيمته وإثبات أن المسألة تتمتع بالشفافية التامة التى شهدتها انتخابات 2009 من خلال ذلك التحرك، إلا أن تلك المحاولة باتت بالفشل. فقد قام نجل مرشد الثورة الإسلامية فى إيران «مجتبى خامنئى» يوم 17 فبراير الماضى بزيارة سرية لمنزل زعيم المعارضة الإصلاحية الموضوع رهن الإقامة الجبرية «مير حسين موسوى» لمقايضته على مسألة إطلاق سراحه والسماح له بمواصلة العمل السياسى مقابل تقديم اعتذار علنى للمرشد على خامنئى والإعلان عن تجديد الولاء له وخوض الانتخابات المزمعة عام 2013 إلا أن موسوى رفض هذا العرض لاسيما فيما يتعلق بمسألة الاعتذار. ويتوقع المراقبون أن تكون الانتخابات الرئاسية القادمة فى طهران هى الشرارة التى قد تشعل الثورة من جديد ولكنها فى هذه المرة سوف تكون ضد المرشد الأعلى والنظام لتعيد إلى الأذهان الثورة التى اشتعلت فى وجه الشاه. وأوضح حسين علائى وهو ضابط سابق فى الحرس الثورى من خلال مقارنة ضمنية بين إيران خلال الحقبة الثورية 1978 وما حدث فى أعقاب الانتخابات الرئاسية فى يونيو 2009، أن ما يحدث حاليا فى إيران يعيد إلى الأذهان الفترة الأخيرة من عهد الشاه. وقارن علائى بين خامنئى وحكمه، والشاه ونظامه. وأكد فى مقارنته بين الماضى والحاضر الذى يعيشه الإيرانيون أنه قبل ذلك الحدث الدامى وتبعاته، لم يستهدف الإيرانيون العاديون الشاه مباشرة، لكن استمرار القمع العنيف للاحتجاجات الشعبية اضطر المعترضين إلى استهداف الشاه والاعتراض عليه شخصياً. وبعد تلك الأحداث بدأ الناس بتوجيه الرسائل إلى الشاه واتهمته شخصيا بأنه السبب الرئيسى والمسئول المباشر عن وضع الأمة. ثم اتخذ الشعب قراره بمنع أى شخص من حكمهم بشكل دائم. وطرح علائى عدة تساؤلات افتراضية كان من الممكن أن يسألها الشاه لنفسه، وجاءت كالتالى: ألم يكن بالإمكان انتهاء الأزمة لو سمح للشعب بالتظاهر السلمى بدلا من اتهامهم بمجابهة الحكومة؟ هل كنت سأضطر إلى مغادرة البلاد لو لم أضع بعض الساسة والناشطين السياسيين تحت الإقامة الجبرية ولم أنف آخرين، وبدلا من ذلك تحاورت معهم وحاولت تفهم مطالبهم؟ واختتم علائى تساؤلاته موجها حديثه لمؤسسة الإرشاد الدينى فى إيران بالآية القرآنية الكريمة: «فاعتبروا يا أولى الأبصار». وعلق د. سيف عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية والمتخصص فى الإسلام السياسى على تصريحات علائى قائلا:«حينما يصدر هذا الحديث من شخصية لها وزنها وكانت تعد دائما مخلصة للجمهورية الإسلامية فهو ينذر بأن الأوضاع فى إيران قد تنقلب فجأة على مؤسسة الإرشاد الدينى». وأشار إلى أن علائى كان أحد كبار قادة الحرس الثورى خلال الحرب بين العراق وإيران، وأول قائد للقوات البحرية للحرس عندما تأسست فى عام 1985. كما أنه شغل منصب نائب وزير الدفاع ورئيس قسم الطيران فى وزارة الدفاع، وهو الآن عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام الحسين المرتبطة بالحرس الثورى. فى الوقت ذاته انقسم المحافظون إلى تيارين رئيسيين، المحافظون الشعبويون ويقودهم الرئيس الحالى أحمدى نجاد، يواجهون تيار رجال الدين بقيادة المرشد الأعلى للثورة على خامنئى. هذا الصراع بدأ يتصاعد منذ الانتخابات الأخيرة، بهدف السيطرة النهائية على كل مفاصل الدولة. ويذكر أن هذا التصدُّع داخل المحافظين بدأ بسبب إظهار نجاد نوعاً من الاستقلالية عن المرشد. وبدأ هذا الخط المستقل لنجاد فى الظهور عندما أمره خامنئى بإقالة مساعده اسفنديار رحيم مشائى من منصب النائب الأول، بعد وقت قصير من إعادة انتخابه، وكذلك ظهر فى تعيين نجاد لمشائى كبيراً لموظفى الرئاسة، فى محاولة واضحة لنقض قرارات خامنئى، ثم بدأ هذا الاستقلال يتضح أكثر حين مثلت إقالة وزير الخارجية السابق منوشهر متكى نهاية 2010، منطلق سلسلة من استقالة عدد من أعضاء الحكومة. كما أجبر رئيس المخابرات حيدر مصلحى على الاستقالة فى منتصف2011، ضد رغبة المرشد الذى رفض استقالته وأمره بالعودة إلى العمل، ما دفع نجاد إلى الاعتكاف لأيام. ويرى المراقبون أن نجاد وأنصاره يشكلون حتى الآن تهديداً لمصالح نظام رجال الدين الحالى. ويتوقع البعض أن تكون الانتخابات الرئاسية القادمة هى الشرارة التى سوف تشعل حريق الثورة الإيرانية من جديد، ضد القمع الذى تمارسه مؤسسة الإرشاد الدينى والنظام الإيرانى خاصة مع السنة وبعض الحركات والمنظمات المعارضة فى إيران.