تُقبل مصر على انتخابات رئيس جديد سيكون هو أول رئيس بعد الثورة ومن المفروض أن يكون معبرا عنها وعن آمالها فى بناء مصر الجديدة، ولا نبالغ إذا قلنا أن الرئيس الجديد وشخصيته وقدراته سيسند له تقرير مستقبل مصر ونظامها السياسى ونتصور أن ثمة قضيتين من المهم أن يركز عليهما أى رئيس قادم والذى لاشك أنه سيواجه قدرا ضخما من المشاكل والقضايا الحياتية التى ستقرر مصير مصر ومستقبلها لعقود قادمة، قضايا الاقتصاد ومستويات نموه، والبطالة، والتعليم، والصحة وبناء القاعدة العلمية والتكنولوجية، وهى قضايا يتفق الجميع أنها تحتاج إلى نهضة شاملة تنقل مصر إلى مراتب الدول الناهضة ومن الأمور التى أصبحت مستقرة فى سياسات الدول هو التداخل والتأثير المتبادل بين القضايا الداخلية والقدرة على التعامل معها وبين السياسة الخارجية وأدواتها وإدارتها وما تمتلكه من قدرات الحركة الإقليمية والدولية فى هذا الشأن نتصور أن الرئيس القادم فى تعامله مع الشق الخارجى أمامه مبادرتان يستطع من خلالهما مواجهة وخدمة القضايا والمتطلبات الداخلية المبادرة الأولى من أجل توفير إدارة كفؤ وفعالية للسياسة الخارجية هى الشروع فورا فى تأسيس مجلس الأمن القومى يضمن الإدارة المؤسسية للسياسة الخارجية،من خلال متابعة ورصد التطورات والأحداث الخارجية والتنبؤ بها والتهيؤ للتعامل معها وأن يضم هذا المجلس الوزارات والمؤسسات المتصلة بالسياسة الخارجية ومجموعة من الخبراء ذوى الخبرة الأكاديمية والسياسية، ولا يخفى على أحد أن السياسة الخارجية المصرية وقراراتها الكبرى ليس فقط فى النظام السابق، بل وفى العهود التى سبقته كانت تدار بشكل فردى ووفقا لرؤية واختيارات رئيس الدولة مما تسبب فى العثرات وربما النكسات، والتى انتهت إلى تراجع دور مصر الإقليمى والدولى خاصة فى العقد الماضى.. ونتذكر أن د. نبيل العربى ووعيا منه بمثل هذه الحاجة وفى الشهور التى تولى فيها وزارة الخارجية، قدم للحكومة مشروعا لانشاء مثل هذا المجلس. وفى السنوات والعقود القادمة ستصبح الحاجة لمثل هذا المجلس أكثر إلحاحا بالنظر إلى التحولات فى الوضع الإقليمى والدولى وحاجة مصر إلى التفاعل مع هذه التحولات أما المبادرة الثانية والتى تتصل بشكل مباشر باحتياجات مصر الاقتصادية والمالية فهى الشروع، ربما بالتعاون مع الجامعة العربية، فى الدعوة إلى مشروع عربى على غرار مشروع مارشال الذى أعاد بناء أوروبا بعد الحرب حيث ظلت أوروبا معرضة للخطر نتيجة لتدهور الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التى نجمت عن الدمار الذى ألحقته الحرب بهذه المجتمعات وبدا أنه بعد انتهاء الحرب لم يتم إلا التعاون فى إصلاح وإعادة بناء الطرق المهدمة والسكك الحديدية وانتشار البطالة وعاش ملايين الناس وفقا لنظام توزيع البطاقات، وقد عبر ونستون تشرشل عن هذه الأوضاع فى مايو 1947 بالتساؤل: ما هى أوروبا الآن؟ وأجاب إنها كوم من الحطام ومقبرة للموتى وأرض خصبة للطاعون والكراهية هذه الأوضاع هى التى دفعت وزير الخارجية الأمريكى جورج مارشال أن يعلن فى 5 يونيو 1947 أمام جامعة هارفارد الذى عرف باسمهما حيث قال إن سياستنا ليست موجهة ضد أى بلدة أو نظرية وإنما ضد الجوع والفقر والبؤس والخراب.. إن أى حكومة على استعداد لأن تساعد فى مهمة استعادة الصحة الاقتصادية سوف تجد منا كل تعاون.. «وهكذا، ومن خلال المشروع، ضخ 12 بليون دولار أمريكى كانت أداة إعادة بناء أوروبا ووضعها على طريق الانطلاق. فلعل الحكومة القادمة والرئيس القادم، يبدأ عهدة بالدعوة وتحريك مشروع مارشال عربى يستجيب للأوضاع المتردية التى عادة ما تحدث بعد التحولات الكبرى فى النظم السياسة والاجتماعية، ولكن ها قد أثبتت الدول الأوروبية، بما قدمته من خطط وسياسات وتنسيق، جدارتها بمشروع مارشال، فإن على مصر والدول العربية التى ستستفيد من هذا المشروع أن تثبيت أيضا جدراتها بذلك ولا يخفى أن القوى المستعدة لدعم مصر اقتصاديا إنماتنتظر لكى ترى ما سوف يتحقق من استقرار والشروع الجاد فى بناء المؤسسات الديمقراطية المستقرة.