تتسابق حالياً الدول الخليجية للفوز بجزء من كعكة المشروعات الاقتصادية لمصر فى مرحلة التنمية الاقتصادية المنشودة بعد الثورة، وسط حالة الرفض الشعبى للمساعدات الغربية، التى قالت بعض الدول الغربية إنها تنوى تقديمها للاقتصاد المصرى، نظراً للشكوك المثارة حول نوايا تلك الدول، وأغراضها الحقيقية، وتشابك المصالح السياسية والاقتصادية مع حزمة الأموال التى تنوى تقديمها تلك الدول ل"مصر الثورة". وقال خبراء، إن الموارد المالية والطبيعية لمصر كفيلة بدعم نهضة وتنمية الاقتصاد المصرى، ذاتياً دون الحاجة إلى دخول أموال خليجية أو أوروبية، وأن هناك مجموعة من البدائل لتوفير أموال للمشروعات الملحة فى خدمة خطة التنمية الاقتصادية لمصر بعد انتهاء المرحلة الانتقالية التى تمر بها البلاد حالياً. ورحب عمرو موسى، المرشح المحتمل للرئاسة، بمقترح بمقترح مشروع "مارشال" العربى، قائلاً: "المشروع لا يتعلق بالأموال فقط، بل بتغيير طريقة تعامل الحكومات مع مشاكل الناس، فهو مشروع موديل 2011، فالأموال موجودة والقدرة على تطوير النظام الإدارى موجودة". ومشروع مارشال كان خطة ذكية لبناء اقتصاد أوروبا وفى نفس الوقت لإنعاش الاقتصاد الأمريكى وفتح أسواق جديدة للمنتجات الأمريكية، فالولايات المتحدة أعطت أوروبا مال بشرط أن تقوم بشراء المنتجات الأمريكية، سواء إنتاجية أو استهلاكية، واستخدمت العائد فى إعادة البناء، وبذلك يمكن القول إنه اتفاق أفاد الطرفين، فمثلاً إنجلترا حصلت على بضائع أمريكية بقيمة المساعدة، وهى 3.6 مليار دولار قامت ببيعها بإنجلترا وحصيلة البيع تم وضعها فى حساب لإعادة أعمار إنجلترا وهكذا فعلت كل دول أوروبا . وقيمة المساعدات التى تلقتها أوروبا من خلال مشروع مارشال بلغت 13.1 مليار دولار واستغلت المبلغ جيداً فى إعادة البناء فالمخصصات الأمريكية كانت هى الجزء الأصغر فى إعادة التعمير، أما الجزء الأكبرمن تكلفة اعادة التعمير وقع على كاهل شعوب أوروبا واليابان، وبمقارنة سريعة فمصر حصلت على 130 مليار دولار من الخارج على هيئة منح وعطايا وقروض فى الثلاثين عاماً الأخيرة ولم تستخدم لبناء مصر وإنما ضاعت هباء نتيجة سوء الإدارة وعدم الترشيد وغياب الهدف القومى والنتيجة زيادة الفقر و البطالة - عمالة أطفال - أطفال شوارع - مرافق سيئه ، ولذلك طالب عدد من الخبراء الاقتصاديين بخطة جديدة واضحة المعالم مبنية على أسس علمية وتنفذ بشفافية بعيداعن الفساد لمدة 20 او 30 سنة القادمة ليتم اعادة بناء مصر بالشكل الصحيح وبالتدريج ، محذرين من تنفيذ "مارشال خليجى" بدلاً من المارشال الأوروبى. ومن جانبها، قالت الدكتورة علا الحكيم، مديرة معهد التخطيط القومى السابق، إن الدول الأوروبية وأمريكا فى ورطة حقيقية، فمن جهة أعلنت هذه الدول أكثر من مرة أنها تدعم الديمقراطية والتحول الديمقراطى، وهى حالياً تمر بأزمات اقتصادية طاحنة، مضيفة أنه حتى الآن لا نعرف ما هو نوع الدعم الذى سوف تقدمه تلك الدول، للبلدان العربية التى تمر بمرحلة التحول الديمقراطى، وقالت: "يجب ألا ننجرف إلى فخ الدول الكبرى بتقديم مشروع "مارشال" أمريكى أو أوروبى للخروج من أزمتنا الاقتصادية الحالية لنسقط فى مستنقع التبعية والقيود الاقتصادية والسياسية التى عانينا منها فى ظل الحكم البائد". وحذرت من استبدال "مارشال" أوروبى بآخر "خليجى"، وذلك لأن عصام شرف رئيس الوزراء قرر أنه سيطرح تصوراً كاملاً على دول الخليج العربى لدعم الاقتصاد المصرى يهدف إلى إقامة العديد من المشروعات التنموية الهادفة لإخراج الاقتصاد المصرى من أزمته الحالية، مشيرة إلى أننا على أعتاب حقبة غير مسبوقة فى تاريخ مصر يجب أن نأخذ فى الاعتبار أن تحرر الدول العربية وفى مقدمتها مصر من التبعيات الأجنبية، والتوقف عن الدوران فى فلك الدول الكبرى- يجب أن يكون فى مقدمة الأولويات العاجلة والملحة، كى تستطيع أن تمارس حريتها الاقتصادية والسياسية. وقال أحمد الغندور، الخبير الاقتصادى، إن مصر لم تكن يوماً بلداً فقيراً، وأن ثرواتها المادية والبشرية بلا حدود، موضحاً أنه فى حالة إغلاق "حنفيات الفساد" التى أهدرت المليارات لننفذ ذاتياً مشروع "مارشال" مصر، الذى سيخرجنا من أزمتنا الحالية إلى انفراجة اقتصادية حقيقية تنطلق بنا إلى عالم جديد، لافتا أن مصر أو الدول العربية ليست فى حاجة لمشاريع تمويلية ضخمة على غرار مشروع مارشال، فوضع الاقتصاد المصرى، ليس سيئاً أو متدهوراً لهذه الدرجة، كما أن المشكلات الاقتصادية التى تعانى منها مصر تحديداً ليست نتيجة لأزمة فى الموارد بقدر ما هى نتيجة سوء إدارة من المجموعة الاقتصادية فى الحكومة الحالية، موضحاً أنه نتيجة لهذا التخبط فى إدارة الحكومة الانتقالية لملف الاقتصاد المصرى تمر القطاعات المالية والاقتصادية بهزات قد تبدو عنيفة أحياناً لكنها لم تؤد إلى انهيار كامل تحتاج معه لمشروع تمويلى ضخم كمشروع مارشال. ويرى أن أهم البدائل لمشروع مارشال اتخاذ بعض القرارات السياسية التى يحتاجها الاقتصاد المصرى أولها سياسة ضريبية موحدة وإعادة هيكلة الموازنة العامة للدولة وكذلك تخفيض مصاريف تشغيل الجهاز الحكومى، مضيفاً أن وضع حد أدنى وحد أقصى للأجور داخل الجهاز الإدارى للدولة كفيل بتهدئة المواطنين ويؤدى الى التقليل من الاحتجاجات والإضرابات العمالية وهو ما سيكون له أثر كبير على الوضع الاقتصادى والسياسى فى البلاد.