استطاع ساركوزى وبحرفية مدروسة أن يستغل حادثة تولوز- والتى راح ضحيتها عدد من الأطفال اليهود - ليضع اسمه مرة أخرى فى صدارة السباق على كرسى الرئاسة والذى كاد يفقده بعد مروره بالعديد من الأزمات والإخفاقات مستعيداً وبصلابة صورة رجل الدولة القوى والأجدر بالرئاسة. من بين قاطنى قصر الإليزيه وخلال تاريخ محتشد بأحداث ثورة هى الأشهر فى تاريخ ثورات العالم ومروراً بحربين عالميتين وأخرى باردة، يستحق ساركوزى وبامتياز لقب الشخصية التراجيدية التى تخلط ما بين دراما الواقع و إثارة الخيال فى قاموس الرئاسة الفرنسية الممتلئ بأسماء عظيمة وأخرى عادية . فقد استطاع وبشغف خاص أن يفرض نفسه كخبر دائم فى وسائل الإعلام عبر حياة شخصية مستفزة مليئة بالتفاصيل التى تزاحم عمله كرجل يعمل فى المجال السياسى وأسهمت فى خفض شعبيته وتقهقره للمركز الثانى بعد المرشح الاشتراكى (فرانسو هولاند) لاسيما بعد إعلان المرشحة اليمينية (مارين لوبان) عن حصولها على دعم 500 مسئول ينتمون للتيار اليمينى المحافظ وهذا يعنى أيضاً حرمان ساركوزى من أصوات كثيرة كان يعتمد عليها لتدعمه أمام منافسيه التسعة على منصب الرئاسة. ويؤكد تاريخ ساركوزى الحافل بالمعارك الخفية والمعلنة أنه شخص لا يعرف المهادنة على الرغم من إعلانه الأخير عن الانسحاب من الساحة السياسية حال عدم فوزه بفترة رئاسية ثانية وهنا يؤكد المراقبون أن إخفاق ساركوزى فى مواجهة الأزمة المالية وتصاعد حدة المواجهات مع المهاجرين وتهديده الدائم بتعليق اتفاق «شنجن» للتنقل الحر بين دول الاتحاد الأوروبى أسهم فى خفض شعبيته وأفقده تعاطف الشارع الفرنسى ويتضح ذلك من آراء عدد من المواطنين الذين أكدوا رفضهم اختيار ساركوزى مرة أخرى لمنصب الرئاسة ووصفوه بأنه مخادع ولا يستحق . كما أظهر استطلاع الرأى الذى أجراه المعهد الفرنسى ومؤسسة فيدوسيال تقدم هولاند بنسبة 29,28 % مقابل 28,27 % لصالح ساركوزى بينما حصلت لوبان على 16% وتعد هذه هى المرة الأولى التى يحصل فيها ساركوزى على المركز الثانى فى استطلاعات الرأى. كما تعرض ساركوزى لانتقادات على الساحة الخارجية أيضاً فقد هاجمته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بسبب سياسته الرافضة للمهاجرين ووعوده بتقليل أعدادهم وسخريته الدائمة من العادات الغذائية للمسلمين، وذلك بهدف الفوز بأصوات اليمين المتطرف، وطالبته الصحيفة بالتوجه لإصلاح نظام التقاعد المعيب وتقديم اقتراحات اقتصادية تسهم فى تحسين الآداء الاقتصادى لحكومته واختتمت الجريدة مقالها بوصف ساركوزى بأنه شخصية يمكن أن تصبح قاسية ومندفعة لتكسب أصوات بعض الناخبين. كما علقت صحيفة وول إستريت جورنال على رغبته فى الحد من الهجرة السرية وأطلقت عليه تعبير نيكولا لوبان نسبة لمارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف. وقد ذكرت الصحفية الشهيرة كاثرين تاين فى كتابها السيرة الذاتية والسياسية لساركوزى أنه من أكثر الشخصيات عناداً و منغلق على ذاته ومندفع وسريع الغضب وسليط اللسان وبسبب هذه الصفات يتوقع منتقدوه الفشل للمدرسة الساركوزية فى العلاقات الدولية والتى ابتدعها وكانت من عوامل نجاحه وفوزه بمنصب الرئاسة عام 2007 وهى تعتمد على المواجهة مع الخصم وبفظاظة أحياناً وهى سياسة أثبتت الأيام فشلها لأنها لم تحقق غاياتها وترجع كاثرين أسباب هذه الحدة التى تميزت بها سياسة ساركوزى لظروف نشأته فقد عانى فى طفولته من إهمال الأب الذى تركه مع أخويه فى رعاية أهل والدته بعد طلاقه ورفضه رعايته وأخويه رغم ثرائه وتقول كاثرين أيضا إن قصر قامته قد عرضه لمضايقات زملائه وقد جعلته هذه الظروف مصمماً على النجاح وبعد حصوله على الماجستير فى القانون بدأ عمله السياسى ليصبح أصغر رئيس بلدية ثم وزيراً للداخلية ووزيراً للمالية ويستمر فى تدرجه الوظيفى حتى يصل لمنصب الرئاسة وينافس على الفوز بفترة ثانية وأخيرا يعتقد الجميع أن ساركوزى سيظل الشخصية الأكثر شهرة فى لعبة السياسة الفرنسية ولفترة طويلة.