تستضيف بغداد الخميس القادم القمة العربية ال 23، وعادة ما تشكل قمم بغداد العربية معالم فارقة فى مسيرة العمل العربى.. فقمة بغداد عام 78 أخرجت مصر من الجامعة العربية بعد زيارة الرئيس السادات لإسرائيل، وقمة بغداد عام 90 اجتمعت فى ظل التوتر العراقى الكويتى وما تبعها من الغزو العراقى للكويت.. فماذا ستشهد القمة القادمة فى بغداد؟. قمة بغداد 2012 هى القمة الأولى التى تنعقد بعد ثورات الربيع العربى فى مصر وتونس وليبيا واليمن، أربع دول عربية قامت بها ثورات شعبية أطاحت بحكام عرب أقل واحد منهم قضى فى الحكم أكثر من عشرين عاما. قمة بغداد تنعقد وجارتها سوريا تنزف دما طوال عام من حرب نظام الأسد ضد شعبه، وسط موقف عربى ودولى متردد بشأن اتخاذ قرار التدخل وتسليح المعارضة السورية خشية الحرب الأهلية. قمة بغداد تنعقد والملف الفلسطينى كالمعتاد معقد والانقسام الفلسطينى مستعصى على الحل، وإسرائيل ماضية فى الحصار والاستيطان وتهويد القدس. قمة بغداد تنعقد والعلاقات الإيرانيةالغربية فى غاية التوتر، والعقوبات الاقتصادية تكاد تحاصر إيران بسبب مشروعها النووى. قمة بغداد تنعقد والواقع الخليجى ليس أفضل حالا، فعدم الاستقرار واضح فى البحرين، والاضرابات العمالية تكاد تشل الحياة فى الكويت، وقطر مازالت تؤدى دورها المثير لكثير من علامات الاستفهام. قمة بغداد تنعقد والأمور متوترة فى الجزائر التى تقف على أعتاب انتخابات برلمانية لا يعلم أحد بمن ستأتى، هل بالإسلاميين أم سنعود لكارثة 1991؟ وبصفة عامة فقد كان الرئيس الجزائرى عبدالعزيز بوتفليقة أول المعتذرين عن حضور القمة. قمة بغداد تنعقد والاصلاحات الدستورية فى المغرب يراها المغاربة غير كافية ومازالت المظاهرات مستمرة فى المدن المغربية. وفى نواكشوط الكر والفر مجال بين أنصار الرئيس ولد عبدالعزيز والمعارضة، فالمعارضة تريد رحيل الرئيس وأنصار الرئيس يريدون ترحيل المعارضة! تنعقد قمة بغداد والسودان اقتطع نصفه الجنوبى بثرواته ونفطه، ودارفور وكردفان يقطران دما، ولكن حمدا لله، فالرئيس البشير أعلن أنه لن يترشح مجددا فى الانتخابات المتوقع إجراؤها فى 2015. وقمة بغداد تنعقد وسط تدهور أمنى عراقى، وملفات شائكة وانقسامات حول ملفات تسليم الهاشمى والانفصال الكردى، ورفض التيار الصدرى لسيطرة المالكى رئيس الحكومة، وغيرها من الملفات المتفجرة.. القديم منها والناشئ بعد انسحاب القوات الأمريكية، لكن الواقع العراقى سيحاول أن يتجمل منه أجل إنجاح القمة ومحاولة تقديم العراق كدولة متماسكة أمام العرب وأمام العالم. هذا هو واقعنا العربى الذى تنعقد قمة بغداد خلاله، ورغم قتامة الموقف العربى إلا أن نجاح ثورات الربيع العربى رغم الصعوبات التى تواجه دولها هو الأمل العربى الوحيد أمام طموحات الشعوب العربية لمستقبل أفضل. ورغم تعرض الجامعة العربية لانتقادات شديدة تتعلق بميثاقها وأسلوب عملها، والخلافات بين الدول العربية التى شلت حركة الجامعة فى أحيان كثيرة، ورغم ذلك فلم تنسحب أى دولة من عضويتها، وبقيت الجامعة بيت العرب الذى تجتمع فيه الدول العربية مرتين فى العام. وعلى الرغم من عدم استطاعة الجامعة فرض حل عربى، إلا أن الجامعة بذلت أكثر مما متاح لها، وذهبت لأبعد مما يسمح به ميثاقها وآليات عملها. ومن المفترض أن تشارك الدول العربية فى قمة بغداد بفعالية مغلبة المصلحة العربية على المصالح الفردية والإقليمية، فيجب الحفاظ على الجامعة العربية، فالدول العربية تحتاج إلى الجامعة حتى ولو كانت غير فاعلة بالدرجة الكافية، فما تواجهه الدول العربية من تحديات يتجاوز قدرة أى دولة عربية منفردة، ومعظم الدول العربية- وربما كلها- مهددة بقوة الآن فى هويتها وتماسكها، كما أن بعض الدول مهددة فى كيانها ذاته. ?ماجد بدران [email protected]