* من المتوقع أن يتضمن جدول أعمال القمة الذي وضعه المندوبون الدائمون وأقره وزراء الخارجية العرب العديد من القضايا من بينها القضية الفلسطينية * موجة الاحتجاجات العربية ولاسيما الخليجية علي عقد القمة العربية في بغداد تزامنت أيضاً مع احتجاجات داخلية لأسباب متفرقة كما تزامنت مع تكثيف للعمليات الإرهابية لاتزال التجهيزات في بغداد تدور علي قدم وساق استعداداً لعقد القمة العربية واستقبال الزعماء العرب المزمع مشاركتهم في القمة في التاسع والعشرين من الشهر الجاري. وكانت القمة العربية قد أحيطت بها عدة هواجس أمنية من قبل اللجنة العليا التي شكلت برئاسة وزير الخارجية العراقي وتضم كل الوزارات العراقية. وعلي الرغم من تشكك العديدين علي مدار الشهور الماضية في إمكانية عقد القمة بالفعل، فيبدو أن بغداد تمضي قدماً في الإعداد المكثف لها، وأعلنت عن شعار القمة في دورته الثالثة والعشرين، وهو عبارة عن سعفتين متعانقتين وبداخلهما أعلام الدول العربية بشكل هندسي علي شكل رأس طائر، ورسم علي الشعار حرف الباء ويرمز إلي أول حرف من اسم العاصمة العراقية بغداد. جدول أعمال حافل ومن المتوقع أن يتضمن جدول أعمال القمة الذي وضعه المندوبون الدائمون، وأقره وزراء الخارجية العرب، العديد من القضايا من بينها القضية الفلسطينية، وتقرير الأمين العام للجامعة العربية، والتصورات التمهيدية للجنة هيكلة الجامعة العربية، بالإضافة إلي الأوضاع العربية الراهنة والمترتبة علي ثورات «الربيع العربي» ولاسيما الوضع في كل من سوريا واليمن. واقترح العراق إضافة بند جديد لجدول الأعمال هو بند الإرهاب وتأثيره علي الدول العربية، علي أن تقدم العراق اقتراحا للدول العربية للتوقيع علي الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب. وقال المندوب العراقي لدي جامعة الدول العربية، السفير قيس العزاوي، إن عقد القمة في بغداد هو دلالة علي رغبة العراق في التواصل مع الدول العربية بعد سنوات من العلاقات المتأزمة. وأشار إلي أن القمة ستناقش إمكانيات تعزيز عمل الجامعة العربية حيث من المتوقع أن يرفع الأمين العام للجامعة، الدكتور نبيل العربي، تقريرا للقمة المقبلة حول مشروع إعادة الهيكلة. وأشار السفير قيس العزاوي أيضاً إلي أنه سيصدر عن قمة بغداد بيان فيه إعلان لتصور العراق حول العمل العربي المشترك، علي أن يتبع القمة العادية القمة العربية اللاتينية - في سبتمبر القادم في بيرو، ثم القمة الاستثنائية العربية في شهر أكتوبر القادم. وفي سياق الحديث عن جدول أعمال القمة، أكد أمين عام الجامعة العربية أنه سيتم "التركيز علي ثلاثة ملفات رئيسية وهي القضية الفلسطينية والأزمة السورية واللتان ستكونان في صدارة جدول أعمال القمة ، ثم ملف تفعيل التعاون الاقتصادي من خلال الدعوة إلي مشروعات عملاقة تعمل علي تحقيق الترابط بين الدول العربية جميعها سواء علي صعيد الاتحاد الجمركي ومنطقة التجارة الحرة الكبري والسوق العربية المشتركة وذلك من شأنه أن يشعر المواطن العادي بمنجز منظومة العمل المشترك، ولو تمكن القادة من اتخاذ قرارات عملية علي صعيد هذه المسائل سواء في قمة بغداد أو في قمة الرياض الاقتصادية خلال شهر يناير المقبل، فذلك سيشكل قيمة مضافة حقيقية علي مجمل الواقع العربي، بالإضافة إلي تفعيل الراوبط الثقافية والحضارية بين هذه الدول". استعدادات أمنية مكثفة واستعداداً لعقد القمة، أعلن القائد العام للقوات المسلحة عن وضع كل القوات الأمنية التابعة لوزارتي الداخلية والدفاع في حال الإنذار بدرجة "ج" استعدادا للقمة العربية، وأضاف ان "الإنذار يتضمن قطع الطرق المؤدية إلي المنطقة الخضراء إضافة إلي انتشار أمني كثيف في مداخل المدن وخارجها من خلال تواجد نقاط التفتيش الأمنية، وكذلك تأمين المنطقة الخضراء مما يستبعد استهدافها بقنابل الهاون وأيضا ستشهد العاصمة اعتقالات لبعض المشتبه بهم خشية حدوث أعمال إرهابية أثناء القمة". وأشار رئيس أركان قيادة عمليات بغداد الفريق، الركن حسن البيضاني، إلي أن نحو 100 ألف عنصر أمن سينتشرون في بغداد لتأمين المتطلبات الأمنية، وإلي أن هناك أكثر من خمسة فرق عاملة حاليا بالإضافة إلي وحدات من المحافظات الوسطي والجنوبية والشمالية لتعزيز الأمن. وستعمل العناصر الأمنية في ثلاثة فرق، الأول يختص بتأمين العاصمة العراقية بشكل عام، والثاني بتأمين ضيوف القمة، والثالث فيختص بتأمين القادة العرب ضيوف القمة. كما تم فرض حظر تجوال علي حركة الدراجات النارية والهوائية والعربات اعتباراً من السبت الماضي. وأضاف حسن البيضاني أن "خطة متكاملة وضعت لحماية القمة، قمنا بعمليات تطهير في كثير من مناطق بغداد ونشرنا قواتنا بما يكفي لتكون جاهزة لتنفيذ أي واجب أثناء المؤتمر". وأعلن مدير عام سلطة الطيران المدني، ناصر حسين، أن مطار بغداد سيغلق اعتبارا من 26 من الشهر الجاري استعداداً لاستقبال الوفود الرسمية المشاركة في قمة بغداد. إشكاليات حول القمة عقد القمة العربية في بغداد شغل القيادة العراقية خلال الشهور الماضية فهو يمثل أملاً في إعادة العراق إلي سابق عهده ليلعب دوراً علي الصعيد العربي بعد أن عاني لسنوات ليس فقط من الاحتلال الأمريكي ومن مظاهر العنف الطائفي والعرقي، ولكن عاني أيضاً أزمات إقليمية بعد توجيه العديد من الدول العربية الاتهامات لنظامه الطائفي. فمن ناحية، مثلت حكومة المالكي بالنسبة للبعض امتداداً لطهران، ومن ناحية أخري، مثلت الجماعات المسلحة في العراق للبعض الآخر رمزاً للجماعات المنادية بالمقاومة والممانعة مما أثار الشكوك في نواياها وفي انتماءاتها. حتي الآن لم يتم الإعلان عن القادة العرب المشاركين في القمة، لكن من المتوقع أن يكون هناك حذر سعودي وخليجي. فالسعودية دائماً ما اتهمت أطرافاً خارجية بالعمل علي زعزعة استقرارها الداخلي في إشارة إلي إيران، وهو ما ذهبت إليه أيضاً دول مجلس التعاون، باتهامات مماثلة لإيران. ومن المتوقع أيضاً أن يكون هناك حذر بحريني بسبب المظاهرات التي اندلعت في العراق ضامناً مع انتفاضة شعب البحرين ذي الغالبية الشيعية. وهناك علامات الاستفهام أيضاً حول مشاركة الرئيس السوداني حسن عمر البشير، وكانت وزارة الخارجية العراقية قد نفت تلقيها أي بلاغ من الشرطة الدولية (الإنتربول) لاعتقال الرئيس البشير خلال مشاركته في القمة العربية. وقال بيان صحفي للخارجية العراقية إن " حماية الرئيس البشير مضمونة مائة بالمائة حال جميع ضيوف العراق في المؤتمر". تكثيف الهجمات الإرهابية موجة الاحتجاجات العربية ولاسيما الخليجية علي عقد القمة العربية في بغداد تزامنت أيضاً مع احتجاجات داخلية لأسباب متفرقة كما تزامنت مع تكثيف للعمليات الإرهابية. وكان تنظيم القاعدة في العراق قد أعلن مسئوليته عن موجة من الهجمات المنسقة استهدفت بشكل رئيسي قوات الشرطة في مناطق شيعية، مقار أمنية ودوريات عسكرية ورءوس قيادات أمنية وقضائية وإدارية. وتسببت هذه الهجمات في سقوط عشرات القتلي منذ فبراير الماضي. وأكد تنظيم القاعدة بالعراق في بيان نشره علي الانترنت تبني تنظيم دولة العراق الاسلامية لأكثر من 40 هجوماً منذ يناير الماضي، وجاء في البيان أن الهجمات وقعت علي خلفية حملة التعذيب والتصفية التي يتعرض لها أهل السنة نساء ورجالا في سجون بغداد وغيرها ."و أفادت التقارير عن موت 340 مدنياً في يناير 2012 مقارنة ب155 في ديسمبر 2011. ووفقاً لقياسات معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدني فإن هناك تزايداً في معدلات العنف في العراق منذ منتصف ديسمبر الماضي أي بالتزامن مع انسحاب القوات الأمريكية من العراق. احتجاجات وانقسامات داخلية توقيت انعقاد القمة يتزامن أيضاً مع عدة مشاكل علي المستوي السياسي الداخلي والتي من بينها مرض الرئيس العراقي جلال طالباني الذي ربما لن يحضر القمة، وهروب نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي والمختبئ في جبال كردستان، والخلافات بين المالكي ونائب رئيس الوزراء صالح المطلك، والخلاف بين وزير النقل العراقي والقيادي في الحرس الثوري الإيراني الملا هادي العامري وبين عمار الحكيم. وكان تيار شهيد المحراب، أحد أكبر الفصائل السياسية الشيعية، قد أعلن انفصال جناحيه "المجلس الأعلي الإسلامي" بزعامة عمار الحكيم و"منظمة بدر" بزعامة وزير النقل هادي العامري، بسبب خلافات برزت بين الفصيلين منذ وفاة عبدالعزيز الحكيم عام 2009 واختيار نجله الشاب عمار الحكيم خلفاً له. وتفاقمت الخلافات عند تشكيل الحكومة العراقية في ديسمبر 2010 فبينما رفض المجلس الأعلي الإسلامي ترشيح رئيس الوزراء نوري المالكي لولاية ثانية، أعلنت منظمة بدر دعمها له. قمة بغداد التي تعد أول قمة يستضيفها العراق منذ غزو الكويت في صيف عام 1990 تمثل تحدياً كبيراً ليس فقط للعراق وإنما لجميع الدول العربية خاصة بعد مرور أكثر من عام علي أحداث «الربيع العربي» وفي ظل الأوضاع الراهنة، لايبدو وأنه يمكننا الاعتماد علي تحقيق الكثير خلال هذه القمة، وذلك واضح من تصريحات أمين عام الجامعة الذي قال إن "مجرد التئام قمة بغداد يشكل إنجازاً نوعياً في ظل ما تعرض لها لعالم العربي من نزاعات طويلة مع أطراف عدة فضلا علي التحولات والثورات التي تعرضت لها ما يسمي بدول الربيع العربي". مثل هذه التصريحات تضع المواطن العربي في خانة التوقعات المعنوية فقط، ونتساءل متي ستتوفر الظروف لتوقع إنجازات حقيقية فعالة علي أرض الواقع. إن التصريحات التي تحيط كل قمة عربية لم تتغير علي الرغم من تغير الأوضاع السياسية في العالم العربي. ولعلنا نتذكر الإنجازات الشكلية للقمة السابقة، فقد أحاطت قمة سرت عام 2010 ظروف شبيهة من غياب العديد من القادة العرب بسبب الخلافات السياسية مع ليبيا ونظام الرئيس السابق معمر القذافي، ومن تربع القضية الفلسطينية علي جدول الأعمال، وكذلك الخلافات العربية-العربية، وتفعيل العمل العربي المشترك. وعلي الرغم من صدور وثيقة سرت التي تضمنت أهم ما خرجت به القمة من توصيات وقرارات، شكك الكثيرون في إمكانية تحويل هذه التوصيات إلي واقع ملموس ولاسيما في ضوء غياب ثقافة وآليات العمل العربي المشترك. لايبدو أن المشهد قد تغير كثيراً عما كان عليه في قمة سرت، فلاتزال كل الأوضاع تشير إلي تشاؤم حول توقيت انعقاد القمة، وحول الوضع الأمني في العراق، وحول تصدير الخلافات العربية-العربية والخلافات العربية-الإقليمية حتي قبل انعقاد القمة، وحول الانتقادات التي وجهت إلي الحكومة العراقية باستخدام القمة لإبراز نجاحات شخصية وبتبذير أموال طائلة للاستعداد لعقد القمة.