سألت صديقاً زار المنشآت النووية الإيرانية مؤخراً عن الوضع الحقيقى لها.. فقال: لقد تأكدت خلال الزيارة أن إيران لديها برنامج نووى رفيع ومتقدم للغاية ويمكن أن يشكل أساساً لإنتاج السلاح النووى، والحقيقة أن طهران نفسها.. ورئيسها أحمدى نجاد صرح أنه سوف يعلن عن إنجازات نووية كبرى خلال أيام. وقبل سنوات.. سألنى صحفى شهير عن رؤيتى للبرنامج النووى الإيرانى.. فقلت له: أعتقد أن إيران تمتلك سلاحاً نووياً.. أو تمتلك التكنولوجيا أوال (Know How) اللازمة لتصنيعه. كان هذا مجرد تقدير أو إحساس.. دون معلومات. ولكن جاءت المعلومات الأخيرة من قلب المنشآت النووية الإيرانية لتؤكد هذا التخمين أو التحليل.وهنا نسأل: ماذا لو امتلكت طهران سلاحاً نووياً؟ ماذا سيحدث للمنطقة والعالم.. ولإيران الداخل أيضاً؟ لو حدث هذا سوف يكون ذلك نقطة تحول على كل الأصعدة.. سياسياً وعسكرياً واستراتيجياً. وأعتقد أن هذا سوف يكون له انعكاسات على الموقف الإقليمى خاصة فى سوريا ولبنان والخليج.. والأهم من ذلك على إسرائيل وعلى النفوذ الأمريكى فى المنطقة. وربما أجَّلت طهران إعلان «الإنجازات النووية الكبرى» لأصعب توقيت.. حسب التطورات الجارية فى المنطقة.. وفى سوريا تحديداً، لأن إيران تعلم يقينا أن انهيار نظام الأسد سوف يكون له آثار كارثية عليها.. وعلى حزب الله أولاً.. وعلى نفوذها فى المنطقة بشكل عام. فانهيار النظام العلوى يعنى قطع التواصل الاستراتيجى والجيوبوليتيكى بينها وبين حزب الله.. ثم حماس فى فلسطين. ويعنى هذا فقدان الذراع القوية التى لطمت إسرائيل مراراً.. ويعنى أيضاً تراجع أوراق الضغط المباشرة التى تمتلكها طهران وتلعب بها ضد دول عديدة.. خاصة أمريكا وإسرائيل. وامتلاك إيران للسلاح النووى يعنى خلق حالة من الردع العسكرى لكل الأطراف لأخرى التى تهددها. عندئذ سوف يخرج الخيار العسكرى من حسابات إسرائيل والولاياتالمتحدة. وكلاهما يدرك خطورة اللجوء إليه.. حتى فى ظل عدم امتلاك إيران لسلاح نووى. فإيران تمتلك قدرات وصناعة عسكرية متطورة.. خاصة الصاروخية منها. كما أن مواجهة إيران تختلف تماماً عن مواجهة العراق أو حزب الله أو حماس.. رغم أنهما سوف يكونا شريكين فى أية مواجهة قادمة.. ليس فقط للارتباط المذهبى والأيديولوجى (بالنسبة لحزب الله) أو العلاقات التكنيكية المصلحية مع حماس.. ولكن لأن هذه الأطراف تدرك أن مصيرها واحد وأن مستقبلها فى ترابطها وتحالفها. وحتى بدون سلاح نووى إيرانى.. فإن الولاياتالمتحدة وإسرائيل وحلفاءهما يترددون مرات ومرات قبل التفكير فى اللجوء للخيار العسكرى فى مواجهة إيران التى بادرت بإجراء مناورات عديدة ضخمة وهددت بإغلاق مضيق هرمز.. بل وأعدت زوارق انتحارية مزودة برؤوس حربية.. ربما تكون نووية. وأمريكا تخشى إيقاف إمدادات النفط من دول الخليج التى تمثل نسبة كبيرة من الموارد البترولية العالمية. ولو حدث هذا سيكون له آثار خطيرة على الاقتصاد العالمى عامة.. والأمريكى خاصة.. بما فى ذلك دول آسيا.. والصين والهند تحديداً. والعالم ليس فى حاجة إلى أزمات جديدة.. تضاف إلى آلامه المالية والاقتصادية فى أوروبا والولاياتالمتحدة التى لم تعد قادرة – وفقاً للحسابات المادية والغزوات الفاشلة – على تحمل حروب جديدة.. وهذه الحرب لو حدثت سوف تختلف عن كل الحروب بكل تأكيد. أما دول الخليج فهى محشورة حشراً وسط الأزمة.. بحكم موقعها الجغرافى.. وأيضاً نتيجة الضغوط الغربية والأمريكية تحديداً. فهى لا تستطيع إغضاب العم سام الذى يحمى ويبدد ثرواتها أيضاً.. من خلال حروب مصطنعة بهدف تشغيل مصانع السلاح واستنزاف الثروات الخليجية.. بكل الوسائل.. حتى بواسطة أزمات البورصات وأسواق المال. ودول الخليج لو حدثت الحرب لن تخسر مالياً فقط.. بل أن بعض دولها الصغيرة ذات العمق الجغرافى المحدود سوف تتكبد خسائر فادحة إذا حدثت الحرب.. لا قدر الله. بمعنى آخر.. فإن وجود بعض هذه الدول سوف يتهدد إذا نشبت مثل هذه الحرب المجنونة وغير المسبوقة. أما إسرائيل.. فهى المحرك الأساسى لكل هذه الحملة العالمية ضد إيران. ومن خلال إسناد الغرب لملف الشرق الأوسط لتل أبيب وإعطاءها كل الصلاحيات لإدارته.. وإفساده أيضاً.. فإن إسرائيل تريد دائماً أن تظل متفوقة على كل دول المنطقة وأن تبقى دولة سوبر.. فوق الجميع.. مجتمعين.. من باكستان إلى إيران وتركيا ومصر والعراق وسوريا وحتى الجزائر!! هكذا تخطط وتدبر.. وتدمر. وفى معالجتها الشيطانية للملف الإيرانى.. تلعب إسرائيل على عدة محاور.. أبرزها المحور الداخلى.. بقتل علماء الذرة الإيرانيين وتخريب منشآتها النووية.. سواء بالفيروسات الإليكترونية أو بتفجيرات مباشرة.. وأيضاً بالتعاون مع المعارضة الإيرانية ودعمها لإثارة القلاقل والثورة ضد النظام الإيرانى. بمعنى آخر.. فإن الغرب عموماً – والولاياتالمتحدة تحديداً – يفضلان تخريب النظام الإيرانى من الداخل.. فهذا هو الخيار الأنسب والأقل كلفة.. مادياً وبشرياً. وتدرك واشنطن وتل أبيب وحلفاؤهما تماماً مدى خطورة الخيار العسكرى والمواجهة مع إيران.. والكلام عن اللجوء للحرب مازال فى دائرة التهديد والتصعيد والضغط على طهران للحصول على تنازلات.. دون إراقة الدماء. وإيران بالمقابل تدرك هذه الاستراتيجية الغربية وتجيد فن المناورة الدبلوماسية ببراعة فائقة.. فهى تعلم.. متى تهدد.. ومتى تصعِّد.. وكيف تحاور لكسب الوقت وتفادى الأزمات.. ولا مانع من الانحناء أمام الأمواج العالية.. حتى تمر. وقد نجحت فى ذلك مراراً.. وكسبت ما أرادت من الوقت والخبرات لتحقيق أهدافها النووية. والأهم من ذلك كله.. ورغم الضجة العالية والصخب الهائل إعلاميا ودبلوماسياً ضد إيران.. إلا أن الغرب يعلم تماماً أن طهران حليف استراتيجى له.. وأن فترة الثورة الإسلامية هى مجرد «جفوة تاريخية عابرة».. سوف تعود بعدها العلاقات بين الطرفين. ولكنها بكل تأكيد لن تعود كما كانت.. لأن إيران شهدت تغييرات استراتيجية كبرى.. لن تزول قبل عقود.. وقد لا تزول أبداً. أما الضرب والحرب فهى خيار مستبعد.. ولكنه ليس مستحيلاً!