خلال شهر واحد عقد وزراء الخارجية العرب اجتماعين لبحث تطورات الأوضاع فى سوريا إضافة إلى اجتماعين آخرين للجنة الوزارية التى التقت الرئيس الأسد وأركان نظامه فى دمشقوالدوحة وبدأ الجدل والحوار حول قرارات صدرت وأوراق متبادلة أملا فى إبرام اتفاق لإنهاء حالة القتل والعنف المتواصل فى سوريا وأبرز نقاط الخلاف انهاء كل المظاهر المسلحة وسحبها من المدن السورية والحوار مع المعارضة فى مقر جامعة الدول العربية، كما استخدمت مصطلحات الزلازل والعواصف فى التراشق الإعلامى بين دمشق والعواصم العربية كإشارة إلى محاذير التدخل العسكرى على غرار النموذج الليبى والمستبعد عربيا وحتى دوليا. وشهدت الأيام والأسابيع الأخيرة جدلا وحوارا واسعا بين الجامعة العربية وسوريا حول المبادرة التى أسفرت عنها الاجتماعات الوزارية العربية، بهدف إخراج سوريا من أزمتها الراهنة، والسعى بكل جدية إلى حشد الجهود العربية لدعم أمن واستقرار ووحدة سوريا، وذلك من خلال آليات محددة تتيح وقف إطلاق النار وأعمال العنف بكافة أشكاله وخلق الأجواء المناسبة لبدء حوار وطنى شامل يضع سوريا على طريق الحل السياسى السلمى ويبعد عنها شبح التدخلات الخارجية والاقتتال الأهلى وبما يضمن تنفيذ الاصلاحات السياسية المطلوبة لتلبية تطلعات الشعب السورى فى الحرية والتغيير السياسى. وقد شدد الدكتور نبيل العربى الأمين العام لجامعة الدول العربية على ضرورة التعامل مع الجهد العربى بصورة إيجابية من قبل القيادة السورية وجميع أطراف المعارضة. وبعد اجتماعى دمشقوالدوحة عبر جهد بذلته اللجنة الوزارية العربية والأمين العام للجامعة تم صياغة حزمة من الإجراءات فى مقدمتها سحب كل الأسلحة الثقيلة والخفيفة من المدن السورية والتخلى عن المعالجات الأمنية ووقف كل أعمال العنف والاعتقال والنزوح وحماية المدنيين، وعقد مؤتمر وطنى للحوار بين الحكومة والمعارضة السورية فى مقر الجامعة العربية، وفى المقابل طلبت دمشق إيقاف الحرب الإعلامية ضد سوريا ومنع تمويل وتهريب السلاح عبر الحدود ورفع ما وصفته بالعقوبات الظالمة عليها مقابل جملة من الاصلاحات الجذرية والسريعة فى مقدمتها إجراء انتخابات لتشكيل جمعية وطنية لوضع دستور وإجراء انتخابات رئاسية، لكن هذه المقترحات ليست نهاية المطاف، فقد حدث خلال طرحها تراشق إعلامى بين الدوحةودمشق تمثل فى تحذير الرئيس السورى بشار الأسد من حدوث زلازل تحرق المنطقة بأسرها، واتهم قوى غربية بتكثيف الضغوط على نظامه، ووصف ما يحدث فى سوريا بأنه صراع بين الإسلاميين والقوميين العرب، لكن فى الحال رد رئيس الوزراء القطرى ووزير الخارجية ورئيس اللجنة العربية الشيخ حمد بن جاسم بأن ما سيحدث فى المنطقة سيكون عواصف وأن ما حدث من تغيير فى ليبيا وغيرها كان صعبا ومدمرا ومكلفا والمهم أن يعرف القادة العرب التعامل مع العاصفة لأن كل المنطقة معرضة لها وطالب سوريا باتخاذ خطوات اصلاحية جادة بدون «لف أو دوران» لأن ما حدث من خسائر وتدمير فى المنطقة له تداعياته على الجميع. وقال إن الأهم من التوصل إلى اتفاق مع سوريا هو تنفيذ ما يتفق عليه وبشكل فورى. لكن من الواضح أن النظام السورى أصبح فى موقف صعب، لأن التعديلات تعنى انهاء سيطرة العلويين وحزب البعث أو بمعنى آخر خروج مشرف للرئيس الأسد وأركان حكمه وهو ما يبرر غموض مواقف سوريا فى إدارة الأزمة ومحاولة الأسد الظهور بالتماسك، لكنه فى مأزق حقيقى بسبب الوضع الداخلى الصعب والحل الأمنى الذى أصبح محل انتقاد دولى وعربى واسع، ورغم ذلك بات من الواضح ابتعاد الدول العربية عن خيارات التدخل الخارجى وفرض الحظر الجوى أو تجميد عضوية سوريا فى الجامعة العربية ويبدو أن واشنطن تؤيد الحل العربى حتى هذه اللحظة، وقد أعلنت بوضوح أنه إذا قبلت سوريا بمقترحات الجامعة العربية، ونفذتها فإن ذلك سيكون محل ترحيب كبير، لكنها أعلنت أيضا عن مخاوفها بعدم الالتزام بالإصلاح والاتفاق، وترى أن لديها وعودا كثيرة من النظام السورى بالإصلاح ولكنها لم تر من الأفعال سوى العنف. وفى السياق ذاته استبعد حلف الناتو فرض حظر جوى على سوريا على غرار ماحدث فى ليبيا. ويأتى هذا الموقف على خلفية عدم توافر تأييد عربى ودولى لاستخدام القوة العسكرية ضد نظام الرئيس الأسد، لذا برزت بعض التسريبات التى تشير إلى خيار التدخل التركى بدعم المعارضة وربما تشجيع أى بوادر لانقلاب عسكرى على النظام السورى بدعم غربى. ويبقى الضامن الوحيد للحفاظ على سوريا من تغيير دموى قبول المعارضة السورية بالحوار مع نظام الأسد والتى تشكك فى نوايا النظام وقبوله بتنفيذ المبادرة العربية مؤكدة أن سحب الأسلحة من المدن السورية أمر بعيد المنال، لأن الحكومة ترى أن المعارضة مسلحة ومن ثم يظل الحل الأمنى هو سيد الموقف لدى الحكومة من منطلق الدفاع وحماية الدولة من الانهيار، فيما اعتبر بعض المراقبين أن نظام الأسد سوف يتوارى سواء بالقوة أو عبر خطط تجنب الشعب السورى المزيد من الدمار، كما حدث فى الثورات العربية خاصة ليبيا.