تعرضنا فى الخواطر الماضية للحديث عن الرجل الغامض الشهير بيوسف والى وزير الزراعة الأسبق ونائب رئيس الوزراء فى نظام الرئيس المخلوع مبارك.. والمحبوس حاليا على ذمة التحقيقات فى قضايا إغراق مصر كلها بالمبيدات المسرطنة على يد أفراد عصابته «يوسف عبد الرحمن وكيل وزارة الزراعة الأسبق، وراندة الشامى مستشارة البورصة الزراعية وغيرهما»! وقد استغل أفراد العصابة قرارات والى المتضاربة ولوائحه وقوانينه.. وإلغاء لجنة المبيدات بوزارة الزراعة فى سنة 2000.. وإنشاء مكتب لتسجيل المبيدات يتبع والى شخصيا فى إدخال ملايين الأطنان من المبيدات المسرطنة والمحرمة دوليا إلى مصر نظير عمولات وسمسرة من الشركات العالمية. وللحق فإن والى كان متفرغا تماما لتدمير الزراعة المصرية وتدمير صحة المصريين أيضا منذ جلس على عرش وزارة الزراعة لمدة 22 سنة.. منذ يناير 1982 وحتى خروجه فى عام 2004 وكان الرئيس المخلوع يضفى عليه حمايته.. ولم يتم تقديمه للمحاكمة مع باقى أفراد عصابته فى ذلك الوقت! فوالى كان راهبا فى محراب الزراعة منذ نعومة أظافره.. وكان أشهر عازب فى مصر، كما أطلقت عليه زميلتنا فاطمة بركة المحررة البرلمانية لأخبار اليوم فى الكتاب الذى أعدته فى عام 1993 تحت عنوان (يوسف والى ولماذا لم يتزوج؟!). وتقول على لسانه: «إنه لو عادت بى السنين إلى الوراء فلن أتزوج.. ولقد عشت حياتى فى مشاكل وحروب.. ولو كانت معى زوجة وأولاد لقاسوا كثيرا فى حياتهم.. وعدم الزواج رحمة من الله سبحانه وتعالى». *** المهم.. أن مجلس الشعب- للأسف الشديد- لم يتخذ موقفا حاسما وحازما من قضية المبيدات المسرطنة فى ذلك الوقت.. وصحيح أن لجنة الصحة بمجلس الشعب عقدت ثلاثة اجتماعات عاصفة وساخنة فى يناير 2005 برئاسة د. حمدى السيد أدان فيه الأعضاء دخول هذه المبيدات فى عهد يوسف والى ومباركة رئيس الوزراء الأسبق د. عاطف عبيد!. ولكن هذا الاجتماع أسفر عن تقرير هزيل وكلام مرسل عندما تحدث عن الأورام السرطانية فى مصر.. ولم يشر صراحة إلى أن ارتفاع نسبة الإصابة بالسرطانات بين المواطنين إنما يرجع إلى المبيدات المسرطنة. وكان ذلك مثار دهشة واستغراب عندما قرأت التقرير.. لأننى كنت متابعا لاجتماعات اللجنة.. وشاهدا عليها، ولكن يبدو أن هناك ضغوطا قد حدثت قبل إعداد التقرير! وأذكر أن د. شوقى الحداد أستاذ الأورام فى طب قصر العينى قال فى هذا الاجتماع وأمام النواب: إن سرطان القولون كان ينتشر فقط بين كبار السن فى المصريين، وأننا عندما كنا نعثر على شاب مصابا بسرطان القولون فإننا كنا نعتبره حالة شاذة ونقوم بإجراء الدراسات الطبية والمعملية لحالته فى كلية الطب. ولكن فى السنوات الأخيرة زادت حالات الإصابة بسرطان القولون بين الشباب فى سن ال 30 بسبب الغذاء الملوث بالمبيدات! *** ورغم مرور أكثر من 5 سنوات على هذه الحقائق العلمية التى ذكرها د. الحداد فى مجلس الشعب واستمعت إليها، لكن د.ابتسام سعد الدين أستاذ الأورام عادت لتذكرنا بهذه الحقائق مرة أخرى فى الندوة التى عقدت فى أبريل الماضى بنقابة الصحفيين عن أورام الكبد عندما قالت: إن الدراسات أثبتت أن شبابا فى العشرينيات مصابون بأورام بالجهاز الهضمى والقولون نتيجة تناولهم الأغذية الملوثة بالمبيدات المحرمة دوليا.. بعد أن كان ينتشر بين كبار السن فقط! ولكن أخطر ما كشف عنه د. منيع مصطفى عميد معهد الأورام السابق فى هذه الندوة أنه قام بإعداد مذكرة عن أسباب انتشار السرطان فى مصر بالمشاركة مع بعض الأساتذة بكليات الهندسة والزراعة من المهتمين بالتربة المصرية.. وحذروا فيها من خطورة تأثير المبيدات على صحة المصريين، وتم تقديمها إلى يوسف والى وعاطف عبيد ورئيس جامعة القاهرة فى ذلك الوقت، ولكن هذه المذكرة حبست فى الأدراج ولم يتم الاهتمام بها.. ولم تر النور! وقال د. منيع بكل صراحة إن عقوبة الإعدام لا تكفى الجريمة التى ارتكبها يوسف والى بإدخاله المبيدات التى دمرت التربة المصرية وأن والى دمر أفضل تربة فى العالم، لأن الأرض المصرية هى الوحيدة التى تحتوى على 120 معدنا بسبب طمى النيل. *** إننى أعتقد أننا إذا كنا نحاكم وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى والرئيس المخلوع مبارك بتهمة قتل المتظاهرين فى ميدان التحرير ومدن الإسكندرية والسويس وبنى سويف.. فإننا يجب محاكمة يوسف والى على قتله مئات المصريين فى السنوات الماضية بالمبيدات المسرطنة! فالدكتور هشام الخياط أستاذ الكبد أشار فى هذه الندوة إلى أن من بين 200 عالم وباحث بالمركز القومى للبحوث أصيب منهم 30 عالما بمرض السرطان، وفقدوا حياتهم نتيجة استنشاقهم هذه المبيدات! وقال إن الأسواق دخل فيها مادة «الجالكروم» فى عهد يوسف والى ويوسف عبد الرحمن على مدى 6 سنوات واستخدمت كمبيد دمرت التربة والغذاء وصحة المواطنين. وأن 40 ألف حالة وفاة سنويا تتم فى مصر بسبب سرطان الكبد وتمثل 10% من إجمالى الوفيات! *** إن ملف والى متخم بالفساد.. وقد تعرضنا فقط لقضية المبيدات المسرطنة والتى أدخلها هو وعصابته إلى مصر وقتلوا بها آلاف المصريين على مدى سنوات طويلة كما قالت الأبحاث والدراسات العلمية. ولكن للأسف أننى وجدت أن نقيب الصحفيين السابق مكرم محمد أحمد قد كتب مقالا نشر بالأهرام فى عام 2007 يدافع فيه عن والى ويعلن براءته من إهدار دم المصريين بالمبيدات، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وسنواصل فضح رموز الفساد فى النظام السابق فى خواطرنا القادمة إن شاء الله تعالى.