بدأنا فى الخواطر الماضية فتح ملف المبيدات المسرطنة والمحرمة دوليا.. والتى كانت تدخل مصر على يد وزير الزراعة الأسبق د. يوسف والى وأعوانه فى الوزارة التى جلس على عرشها لمدة 22 سنة.. بدأت فى يناير 1982 وانتهت فى يوليو 2004 وعاصر 6 رؤساء وزراء لمصر قبل تعيينه أمينا عاما للحزب الوطنى المنحل! وكان والى أحد أعمدة نظام الرئيس المخلوع مبارك.. ومسئول ملف التطبيع الزراعى بين مصر وإسرائيل بعد توقيع اتفاقية السلام فى عام 1979 عندما كان نائبا لوزير الزراعة الأسبق «د.محمود داود» للشئون الدولية فى ذلك الوقت! وكما قلت من قبل إن لجنة الصحة بمجلس الشعب عقدت ثلاثة اجتماعات ساخنة فى يناير 2005 برئاسة د. حمدى السيد لمناقشة دخول المبيدات المسرطنة إلى مصر بلا رقابة.. وأن أصابع الاتهام من أعضاء مجلس الشعب قد وجهت إلى د. يوسف والى ود.عاطف عبيد رئيس الوزراء الأسبق.. وقالوا إنهما المسئولان عن استيراد المبيدات المحرمة دوليا.. وإن هذه المبيدات المستوردة كانت غير مطابقة للمواصفات وغير مسجلة! ولكن للأسف الشديد هذه الاتهامات قد وجهت إليهما.. ولكن بعد خروجهما من الوزارة فى يوليو 2004! لأن أعضاء الأغلبية كانوا لا يستطيعون مواجهة والى بهذه الاتهامات المباشرة لأنه كان أمينا عاما للحزب الوطنى المنحل.. ويتحكم فى ترشيحات الحزب لعضوية مجلسى الشعب والشورى.. وعضوية المجالس الشعبية المحلية.. وكانت له «كوتة» محددة فى كل انتخابات! كما أن والى كان يجلس على بوابة وزارة الزراعة ويتحكم فى توزيع أراضى الاستصلاح الزراعى. *** وأذكر أن يوسف والى خلال جلوسه على كرسى وزارة الزراعة (22 عاما) لم أشاهده ولو لمرة واحدة يحضر اجتماعات لجنة الزراعة فى مجلسى الشعب والشورى للرد على أسئلة الأعضاء أو المشاركة فى المناقشات الخاصة بمشكلات الزراعة ومشاكل الفلاحين مع الأسمدة وارتفاع ثمن مستلزمات الإنتاج أو مشاكلهم مع بنك الائتمان الزراعى. فالرجل كان غامضا.. يلتزم الصمت وكلامه قليل.. وكان كل همه فى جلسات مجلس الشعب التى كان يحرص على حضورها هو التوقيع على طلبات النواب.. ولم استمع إليه إلا قليلا فى مجلس الشعب عندما وقف ليؤكد للنواب فى إحدى الجلسات أن وزارة الزراعة لا تسرف فى استخدام المبيدات وأنها تستخدمها فى أضيق الحدود! ولكن للأسف هذا الكلام كان يناقض الحقيقة والواقع تماما بعد أن أثبتت الدراسات العلمية والأرقام والإحصائيات أننا من أكثر الدول استخداما للمبيدات سواء كان مسموحا بها أو محرمة دوليا! وأن هذه المبيدات كانت أحد الأسباب القوية وراء ارتفاع نسبة الإصابة بالسرطانات بين المصريين.. خاصة سرطان القولون والمعدة والكبد لارتباطها بالغذاء الملوث بالمبيدات! كما أثبتت الدراسات العلمية أن هذه المبيدات استقرت فى التربة المصرية ودمرت خصوبتها.. وأننا لا يمكن التخلص من تأثير هذه المبيدات على التربة إلا بعد عشرات السنين.. وأن المبيدات انتقلت إلى ألبان المواشى كما جاء فى آخر الأبحاث العلمية بكلية الطب البيطرى بجامعة المنوفية. *** المهم.. أننى أذكر أن أعضاء لجنة الصحة بمجلس الشعب وكل الخبراء والمتخصصين الذين حضروا اجماعات اللجنة برئاسة د.حمدى السيد صالوا وجالوا فى المناقشات حول تأثير المبيدات السرطانية على المصريين، وكان يتقدمهم فى الكلام د.حمدى السيد.. وقد أصبت بحالة من الاكتئاب والغضب والحزن واعتصرنى الألم على أبناء مصر الذين وقعوا فريسة للأمراض بسبب هذه المبيدات المسرطنة!! ولم يستطع أحد محاسبة المسئولين عن هذه الجريمة الشنيعة فى ذلك الوقت. *** وكنت أتوقع أن يكون تقرير لجنة الصحة الذى أعدته اللجنة فى ذلك الوقت تقريرا مفصلا عن أسباب ارتفاع نسبة الإصابة بالسرطانات ولكن أصبت بخيبة أمل شديدة إذ أن التقرير لم يتضمن أية إحصائيات عن أعداد الذين أصيبوا بالسرطان فى السنوات الأخيرة.. وأن الحديث عن المبيدات المسرطنة كان حديثا مقتضبا ومختصرا! تقول بعض سطور التقرير الذى صدر فى 27 فبراير 2005 تحت عنوان «مشكلة الأورام السرطانية فى مصر» بالحرف الواحد. هناك شعور عام لدى الممارسين والمواطنين بازدياد نسبة السرطان فى مصر وربطتها بالتدهور الذى حدث للبيئة.. وما أدى ذلك إلى تلوث واضح بالهواء والماء والغذاء ولعل ما يتردد حول المبيدات المسرطنة والتى يحتمل أنها قد دخلت البلاد بدون رقابة كافية قد أدى إلى تأكيد هذا الشعور. وطبعا يجب أن نلاحظ أن هذه الفقرة تستخدم أفعالا تفيد الشك مثل (يتردد- يُحتمل) حول قضية المبيدات المسرطنة! وعند الحديث عن أهم مسببات المرض قال التقرير فى كلمات معدودة (إن هناك شواهد تدل على زيادة سرطانات الجهاز الهضمى ويعتقد أن لذلك علاقة بتلوث الغذاء نتيجة لاستخدام بعض أنواع المبيدات الحشرية.. كما أشادت اللجنة بالقرارات الحاسمة لوزير الزراعة (أحمد الليثى) فى ذلك الوقت بشأن عودة لجنة المبيدات لمباشرة عملها وتقليص دخول المبيدات للبلاد إلى أدنى حد ممكن والتى ألغاها والى من قبل! *** عموما.. يبدو أن نفوذ أمين الحزب الوطنى المنحل قد امتد إلى أن يخرج تقرير لجنة الصحة بهذه الصورة الهزيلة.. ويستخدم عبارات مرسلة عن المبيدات المسرطنة وكلمات تفيد الشك حولها. وسنواصل الحديث عن دور والى فى إغراق البلاد بالمبيدات المسرطنة فى الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى.