رغم أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لديه من الأعباء الكبرى فى هذه الظروف الدقيقة التى تمر بها مصر، بما يستوجب أن نقف جميعاً وقفة رجل واحد خلفه حتى يتسنى له أداء مهمته التاريخية على أكمل وجه فى إدارة شئون البلاد. ولكننا بين الحين والآخر يخرج من بيننا - على قلتهم عددا وضآلتهم حجماً - من يتعمد إعاقة ما نأمله من تخطى هذه المرحلة الانتقالية لنبدأ معاً فى إعادة بناء مصر على اختلاف الأصعدة.. اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا بما يهيئ لنا وللأجيال القادمة مستقبلاً زاهراً يتكافأ ولما لمصر من مكانة رائدة ليست على مستوى عالمنا العربى فحسب، إنما يتجاوز ذلك إلى نطاق دولى لما يعرفه العالم عن مصر كدولة صاحبة حضارة ضاربة بجذورها فى أعماق التاريخ على مدى آلاف السنين، ولم يكن البيان الأخير للمجلس الأعلى للقوات المسلحة إلا دقاً لأجراس الحذر من المساس بهذا الكيان التاريخى «الجيش المصرى» والذى نتيه به فخراً واعتزازاً لمواقف مشهودة يحملها لنا التاريخ وتتبدى آخر حلقاته المشرفة فى وقفته الصلبة دعما لثورة الخامس والعشرين من يناير والدور الأهم فى نجاحها ولنا المثل الواضح فى ثورات العالم العربى فى اليمن وليبيا وسوريا والتى مازال ثوارها يناضلون من أجل الوصول لنقطة النجاح التى حظيت بها الثورة المصرية فى ثمانية عشر يوما فقط فهل كان ذلك سيتحقق دون موقف الجيش المساند والداعم للثورة؟.. وإذا كان بعض من يغرر بهم لم يدركوا بعد أن القوات المسلحة المصرية قد حملت إلينا هذا النجاح فى ذات الوقت الذى تحالفت جيوش عربية فى دول عربية ثائرة مع أنظمتها المستبدة وكان ذلك هو السر الذى يكمن خلفه سقوط آلاف الشهداء دون أن يتحقق هدف ثوراتهم فى لحظة نجاح باهرة كما تحققت أهداف ثورتنا المصرية المظفرة بدعم كل المصريين جيشا وشعباً، فهل بعد ذلك نحتاج إلى دليل يقطع بولاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة وانحيازه الدائم إلى الشعب المصرى الذى انبثقت هذه القوات المسلحة من بين صفوفه آباء وأبناء وأحفاداً..؟! ولذلك فإننا بدورنا نحذر بشدة كل من تسول له نفسه أن يصنع عن عمد أو طيش أو غواية دسائس للوقيعة بين الشعب المصرى وجيشه فإننا نقول له خسئت وخابت مقاصدك.. وأعتقد جازما أن هذه العلاقة الوثيقة والثقة الغالية المتبادلة بين الجيش والشعب أكبر من أية فرية أو أى اختلاق كاذب يستهدف أمن مصر واستقرارها، حيث يستغل بعض من ذوى النفوس الضعيفة هذه الأجواء الثورية للإيحاء بالإفك والبهتان بأن النظام السابق مازال به رجاله الذين يحيكون المؤامرات للنيل من الثورة وعرقلة مسيرتها وقد يكون الأمر كذلك - على قلته وضعفه - ولكن الوحدة الأبدية بين الجيش والشعب سوف تظل كالطود الراسخ يحمى الثورة ويكمل نجاحها حتى نهاية الطريق وفق ما نأمله لها ونتمنى.. وإذا كانت ثمة اختلافات فى وجهات النظر بين الجيش وبعض شباب الثورة ممن يتعجلون الأمور قلقا مشروعا عليها فإن من هم ذوو قصد حسن ولكن ذلك لا يمنعنا فى نفس الوقت من التوجس خشية استغلال ذلك من بعض من يضمر شرا للثورة ببث بعض الغيوم التى قد تكتنف أجواء العلاقة بين الشعب وقواته المسلحة ولكنها ما تلبث أن تندثر بفعل المشاعر الايجابية المتبادلة بينهما، وقد جاءت فى الأسابيع الماضية فعاليات بعض المنتديات التفاعلية كالحوار الوطنى الذى ترأس جلسته الأولى د. يحيى الجمل وقد شابها أخطاء تنظيمية هيأت الفرصة للانتقاد، خاصة حينما ضمت قائمة الحضور بعضا من رموز النظام البائد مما أحدث رفضا قاطعا كانت نتيجته الفورية فشل هذا الحوار من جلسته الأولى واستبدال إدارته بأخرى جديدة برئاسة د.عبد العزيز حجازى رئيس الوزراء الأسبق لتنعقد جلسة جديدة وللأسف الشديد فقد حملت هذه الجلسة كل أخطاء الجلسة الأولى حتى ظن البعض أن هذا الإصرار على الفشل هو قصد متعمد. وتصاعدت حدة الانتقادات لتشمل الجميع بلا استثناء وفى مقدمتهم فلول النظام فى محاولة يائسة لإجهاض الثورة مما دعا شباب الثورة على اختلاف ائتلافاتهم لمقاطعة الجلسات التالية وقد تضامنت معهم بعض القوى السياسية الفاعلة فى المجتمع المصرى. وما حدث فى الحوار الوطنى حدث مثيله فى الحوار القومى الذى يؤسس بفعالياته إلى آراء استشارية لصياغة الدستور الجديد.. ومن المؤسف أن مشادات كلامية حدثت بين فقهاء القانون الدستورى وصلت ببعضها إلى درك أسفل فى أسلوب التحاور ممن يظن بهم الترفع فوق الصغائر والغيرة المهنية. وهنا فى ظل هذه الأجواء غير الصحية انتهى الجميع إلى حقيقة واقعة وهى أن هذه الحوارات التى لا هى وطنية ولا قومية بل كانت فرصة لتضييع الوقت والجهد وكلاهما مطلوب بشدة فى هذه المرحلة الانتقالية، وبعد أن انتهت هذه الحوارات بقيت منها ذوابعها ومن أبرزها ذلك المناخ الذى انتشرت من خلاله الشائعات المضللة والتى تضر ضررا بالغا بأمن الوطن، ولذلك نهيب بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة ألا يعبأ بمثل هذه الأباطيل ويسير قدما فيما عقد العزم عليه بدعمه المتواصل للثورة المصرية الرائعة والوصول بها إلى بر الأمان ومن خلفه الشعب المصرى الذى يكن لجيشنا كل الاحترام وقبلها الحب والعرفان.. وعاشت مصر حرة أبية وعاشت قواتها المسلحة درعنا الواقية وحصننا الحصين.