مما لا شك فيه أنه بعد ثلاثين عاما من حكم الرئيس السابق حسنى مبارك أصبح الشغل الشاغل لأكثر من ثمانين مليونا من المصريين هى المواصفات المثلى التى سوف يختارون على أساسها رئيسهم القادم.. وأظن أن المعايير المتبعة فى هذا الشأن سوف تطغى عليها الروح الوثابة التى اكتنفت المشهد السياسى المصرى بعد الخامس والعشرين من يناير وثورة الشباب التى غيّرت الخريطة السياسية على الأرض المصرية وليس هذا فحسب إنما كان التغيير أيضاً فى مفاهيم مغلوطة ترسخت لسنوات طويلة كانت من أهم أسباب ودواعى قيام الشباب المصرى بثورتهم.. وإن المتأمل فى الوقت الراهن للواقع السياسى يدرك جيداً أن خطوات جادة ومدروسة يتخذها المجلس الأعلى للقوات المسلحة نحو عودة الحياة السياسية فى مصر إلى طبيعتها. ومن أهم هذه الخطوات التعديل الدستورى الذى يهيئ الأجواء المناسبة للانتخابات البرلمانية لمجلسى الشعب والشورى حتى يكتمل الوضع الدستورى لاستقرار السلطة التشريعية تمهيداً لانتخابات رئاسية بضوابط مستحدثة وفق الدستور الجديد والتى تتيح الترشيح لمنصب الرئاسة بلا عوائق تعجيزية، كما كانت فى المواد المعيبة للدستور القديم والتى كانت رهنا لتحقيق أغراض معنية وأهواء مشبوهة لتضييق المساحة أمام بعض من لا يراد لهم اعتلاء سدة الحكم بما يشكل ذلك من خطر على أصحاب المصالح من المنتفعين بنظام الحكم السابق.. ورغم أن أصحاب الأقلام قد تناول بعضهم ترشيحات لأسماء بعينها قد طرحت أنفسها على الساحة السياسية بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير فإن هناك تحفظات كثيرة أبداها الكثيرون على هذه الأسماء مثل التقدم فى السن بما يتعارض مع تصور شباب الثورة وكذلك الأيديولوجيات العقائدية التى تتناقض أيضاً مع واقعنا السياسى الذى نأمله فى العهد الجديد.. وإذا جاز لنا الاجتهاد فى تصور مواصفات رئيسنا الذى نريد فإنه تأتى فى مقدمتها مراعاة أن يكون ولاء الرئيس المأمول لمصر انطلاقاً من ريادتها لأمتها العربية حتى تعود لموقعها التاريخى كقائدة للوطن العربى والتى شهدت السنوات الأخيرة تواريا واضحا فى القيام بهذا الدور مما كان له الأثر السلبى على منظومة العمل العربى على مختلف الأصعدة.. كما يشترط فيمن يرشح نفسه رئيسا لمصر نظرته المستقبلية الثاقبة للنهوض بالدولة المصرية فى ظل علاقات متوازنة بكل دول العالم وواضعا فى اعتباره احترام مصر كدولة صاحبة حضارة عريقة لكل المواثيق الدولية والمعاهدات المصيرية التى تضمن الأمن القومى لمصر دون أن يخل ذلك بسيادتها على كامل التراب المصرى أو أن ينتقص من دورها فى انتمائها القومى.. ومن أهم ما ننشده فى رئيسنا القادم ألا يكون من حاملى الأجندات الخاصة التى تحول بينه وبين حب مصر وانتمائه لها فضلاً عن رغبات دفينة بتصفية حسابات تعوق أداءه فى تحمل هذه المسئولية التى نأمل أن يرتفع إلى مستوى أهميتها فى هذه الظروف المصيرية الدقيقة التى تتطلب تجرده الكامل من أى نوع من أنواع التمييز المرفوض كالثراء والطبقة الاجتماعية والدين وجميعهم يشكل فاصلاً بينه وبين مصالح الشعب والعمل المخلص على الارتقاء بها لتحقيق حياة كريمة لكل المواطنين بلا انتقاء أو تمييز أو تفرقة. وتأتى أهمية الخلفية السياسية على رأس مؤهلاته حيث لا يكتفى بما حققه فى مجالات أخرى من إنجازات كالعلم والمناصب الدولية المرموقة وكلها على أهميتها لا تمنحه إجازة تحمّل مسئولية الحكم فى دولة ذات حضارة ومكانة إقليمية ودولية كمصر.. فضلاً عن براءة ساحته من أى مخالفات تمس النزاهة والشرف ليكون نموذجا مثاليا جديرا بهذا المنصب الرفيع وكذلك يكون على قناعة تامة بأن هذا المقعد الرئاسى عظيم القدر هو تشريف له بقدر ما هو تكليف من شعب عظيم لإدارة شئون البلاد بلا استعلاء يفقده شرعيته.. وإذا كانت الضوابط الدستورية الجديدة سوف تتيح مساحة أكثر رحابة فى فرص الترشح فإن مسئولية كبرى قد استجدت فى الدستور الجديد سوف يتحملها شعب مصر وأفراده ممن لهم حق التصويت تحتم عليهم جميعا كثيرا من الحرص الواجب فى المشاركة الإيجابية لانتخابات الرئاسة القادمة حتى يختاروا رئيسهم وفق معايير منطقية تضمن لنا جميعاً رئيسا شرعيا يحقق معنا ما نصبوا إليه ونتمنى خلال مسيرتنا الوطنية فى عهدها الجديد بعيدا عن الانتهازية والأنانية السياسية.