فى الوقت الذى تعانى فيه العمالة المصرية من تحديات كثيرة جعلت العمالة الأجنبية تحتل مكانها فى معظم بلدان العالم- خرجت مؤخرا دراسة عن المركز المصرى للدراسات الاقتصادية تؤكد أن العمالة المصرية المدربة فى القطاع الحكومى سوف تتناقص إلى النصف بحلول عام 2011 بسبب تدنى الأجور وبين هذه وتلك باتت عمليات التدريب والتأهيل للعمالة ورفع مستواها المعيشى من خلال تحسين الأجور لوضع العمالة المصرية فى مكانها الطبيعى لتكون قادرة على تلبية متطلبات السوق المحلى والخارجى. يشير صالح نصر - رئيس شعبة إلحاق العمالة بالخارج بالاتحاد العام للغرف التجارية - إلى وجود عجز فى الأيدى العاملة المدربة بسوق العمل المصرية وهو ما يجعلها غير قادرة عن تلبية احتياجاته وفقا لمعايير الأداء المهنى وتظهر هذه المشكلة سواء فى إلحاق العمالة المصرية بالخارج أو الداخل. فهناك عجز فى عدد المهندسين والأطباء والمحاسبين المدربين الذين لديهم الخبرة الكافية للعمل فى الخارج. ويضيف: أن هذه المشكلة أصبحت تهدد سمعة العمالة المصرية بالخارج خاصة فى ظل وجود العمالة الآسيوية المدربة ذات القدرات المهنية العالية والتى يستعين بها أصحاب الأعمال فى دول الخليج نظرا لعدم توافر الشروط والمواصفات المطلوبة فى العمالة المصرية. ولهذا قامت الشعبة بالتعاون مع وزارة الصناعة بإنشاء مركز تحديث الصناعة لتدريب الشباب من مختلف التخصصات مجانا وصرف مبالغ رمزية لتشجيعهم على الالتحاق بالمركز ومع مرور الوقت أصبح هذا المركز يساهم بدرجة كبيرة فى مواجهة مشكلة نقص الكفاءات. ويرى طلال شكر القيادى بحزب التجمع أن عشوائية التوظيف كان لها دور كبير فى إحداث خلل فى سوق العمل وسوء التخطيط أدى إلى خلل مماثل فى هيكل الأجور. وطالب بإنشاء مركز للتدريب التحويلى لتدريب الشباب على قدرات العمل والمهارات المطلوبة وتطوير القطاع العام من خلال تدريب العمالة الملحقة به وإلزام القطاع الخاص برعاية العمالة. سبب الخلل/U/ ويرجع الدكتور يسرى طاحون - رئيس قسم الاقتصاد بجامعة طنطا - الخلل فى النظام الوظيفى فى المجتمع إلى عدة عوامل منها أن نمط الاستثمار الجديد يؤدى إلى مزيد من البطالة والخلل فى سوق العمل على جميع المستويات. كما أن المخصصات المالية لعمليات التدريب فى الموازنة العامة ضئيلة للغاية، ولا يمكن أن تؤدى إلى تنفيذ برامج جيدة للتدريب والتأهيل وهو ما يزيد من خطورة الأمر فى ظل انفصال الدراسة بالجامعات عن متطلبات سوق العمل. مشيرا إلى أن نسبة المخصصات المالية لعمليات التدريب فى العديد من الدول تصل إلى 15% من قيمة الإنفاق العام للدولة وهو ما يصب فى صالح سوق العمل. يؤكد أن الانفصال بين الجهات المعنية بوضع السياسات الاقتصادية والجهات البحثية والعملية المختلفة يمثل عاملا مهما من عوامل الخلل فى النظام الوظيفى. وقد أوضحت دراسة أعدها الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء حجم العجز والفائض على مستوى المهن والتخصصات المختلفة حتى عام 2020 وقدمت نتائج مهمة قد تسهم فى علاج هذا الخلل. يؤكد الدكتور طاحون أن عدم الاهتمام بتنمية الموارد البشرية من حيث الرعاية الصحية والتعليمية والتدريب يعد عاملا مهما من عوامل هذا الخلل. سمعة سيئة/U/ من جانبها تقول الدكتوة عزة كريم المستشار بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية: إن نظام العمل والتوظيف داخل المجتمع المصرى ثبت عدم صلاحيته حيث يتخلله العديد من الثغرات ونقاط الضعف التى أساءت إلى سمعة العمالة المصرية فى مختلف الدول. وترى أن هذه الثغرات تتلخص فى وجود فجوتين كبيرتين الأولى بين ما يتلقاه الفرد فى المراحل التعليمية المختلفة واحتياجات سوق العمل والثانية الموجودة بين طبيعة العمل والأجر فى القطاع العام والخاص. فالعمل فى القطاع العام روتينى ويتسم بالعبودية الإدارية مما جعل نظام العمل مجرد ممارسة للسلطة وإصدار للأوامر الإدارية حيث يستأثر عدد قليل من الإداريين غير الأكفاء فى الغالب بالنظام الإدارى الذى يتسم بالدكتاتورية الشديدة وهو ما يحرم الآخرين من المشاركة فى العملية الإدارية وبالتالى حرمانهم من التقدم والتطور على مستوى العمل يرجع ذلك إلى قلق المدير من منافسة الأقل منه وهو ما يزيد من حالة التدهور على مستوى العمل الحكومى وبالإضافة إلى ذلك فإن تدنى الأجور فى القطاع العام له دور كبير فى تقهقر العاملين فكريا وإداريا على مستوى العمل. وتضيف د. عزة قائلة: إنه فى ظل هذا النظام أصبح القطاع العام عاجزا عن تدريب العاملين كما أنه ينعكس على العمل لدى بعض أصحاب الأعمال من القطاع الخاص ويعد نوعا من الاستغلال الكامل لطاقات العمال لأن هدف صاحب العمل هو تحقيق أقسى حد من الربحية بما يخدم مصالحه الذاتية دون النظر لمصلحة العاملين. وتؤكد على أن خطورة سلبيات القطاعين سوف تتضاعف فى حالة استقدام عمالة أجنبية خاصة أن هذا الاتجاه بدأ فى الظهور فى ظل وجود مادة فى قانون العمل تسمح بذلك حيث يصبح الأجنبى الذى يرعاه مجتمعه منافسا للعامل المصرى لذا فإن تلك المنافسة ستكون غير متكافئة وتؤدى إلى مزيد من البطالة مما يزيد من معدلات العنف والمخدرات وغياب الانتماء لدى الشباب وهو ما يهدد الثروة البشرية. وترى الدكتورة عزة أن التعرف على هذه الحقائق بأبعادها المختلفة يمكننا من وضع حلول لما تكشف عنه من مشكلات مؤكدة أن الحلول يجب أن تبدأ من تعديل نظام التعليم والمناهج الدراسية بمختلف مراحل التعليم على أن يصبح الهدف الأول من المنظومة التعليمية هو خلق شخص قادر على الاندماج فى سوق العمل المصرية والعالمية كما يجب أن يتخلل المناهج التعليمية برامج تدريبية على أنواع العمل المختلفة. وخلال مرحلة التعليم الجامعى تكون وفق التخصصات الجامعية المختلفة. وبالإضافة إلى ضرورة اقتصار استقدام العمالة الأجنبية على خبراء التدريب خاصة أن الشباب المصرى لديه قدرات ذهنية عالية وقدرة على اكتساب المهارات والدليل على ذلك ما يحققه المصريون العاملون بالخارج ممن تتيح لهم الظروف فرص عمل جيدة. تحسين المعيشة/U/ تؤكد الدكتورة إيمان الشريف الأستاذ بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية أن الخلل فى هيكل الأجور يمثل السبب الأساسى فى تناقص أعداد العمالة المصرية المدربة وتضيف أن هناك كفاءات فى مصر ولكنها تحتاج إلى عائد يرفع مستوى معيشتها فالطبيب فى مصر يتراوح أجرها بين 200 و 300 جنيه فى حين أن راتبه بالخارج 10 آلاف جنيه لذلك فإن العمالة المدربة تهرب إلى الخارج لتحسين أوضاعها المعيشية. وترى الدكتورة إيمان أن الموروث الثقافى للشعب المصرى له دور كبير فى عزوف العمالة عن اللجوء إلى التدريب لدى بعض مراكز تدريب القطاع الخاص وتوصى بضرورة وجود مكاتب عمل لنشر ثقافة الوعى بأهمية التدريب بين العمال وضرورة تغيير اتجاهاتهم الاجتماعية نحو التدريب. دعم حكومى/U/ يؤكد أحمد حرك - نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر سابقا - أن الاتحاد العام لنقابات عمال مصر قام بمبادرة غير مسبوقة للاهتمام بتدريب العمالة المصرية حيث أبرم الاتحاد مؤخرا بروتوكولا مع اتحاد عمال إيطاليا لتدريب العمالة المصرية بمختلف التخصصات وتوفير إجراءات سفرهم إلى إيطاليا بوسائل مشروعة خاصة أن إيطاليا تحتاج إلى 300 ألف عامل ويسعى الاتحاد إلى توفير أكبر قدر ممكن من العمالة المصرية المدربة التى تفى باحتياجات سوق العمل بإيطاليا.