السينما التسجيلية واحدة من أرقى الفنون، لكن بكل الأسف لا تحظى بالاهتمام الذى يتناسب مع قيمتها، وبالتالى لم تحظ بالانتشار الذى كانت تستحق. كانت مصر فى النصف الثانى من القرن العشرين، تهتم اهتماما كبيرا بالسينما التسجيلية والوثائقية، فكانت جريدة مصر الناطقة التى تصدرها مؤسسة السينما، تعرض فيلما وثائقيا قبل كل فيلم روائى فى دور العرض السينمائى المختلفة وقد ساعد على ذلك أن مصر كانت لها تجارب مبكرة جدا فى السينما، نظرا لاتصالها الواسع بالغرب منذ أوائل القرن العشرين. لكن هذا الاهتمام بهذه العروض تراجع مع الوقت، لتطغى الإعلانات وأشياء أخرى كثيرة، وتختفى السينما التسجيلية والوثائقية ليخسر الجمهور المصرى العريض فنا راقيا. أقول ذلك بعد أن وصلتنى نسخة من كتاب قيم لواحد ممن أمضوا حياتهم فى السينما التسجيلية، سواء إخراجا أو إنتاجا أو دراسة، وهو الأستاذ محمود سامى عطا الله، والكتاب عنوانه:«السينما التسجيلية فى الوطن العربى»، وهو صادر عن إبداعات التفرغ بالمجلس الأعلى للثقافة. الكتاب يكاد يكون موسوعة فى تاريخ السينما، حيث يتناول بداية العروض السينمائية فى مصر كأول دولة عربية عرفت الفن السينمائى منذ عام 1896، مرورا بتجربة الأخوين لوميير فى مصر، والمحاولات التى قدمها الأجانب فى أوائل القرن العشرين، والتجارب التى قدمها الرائد محمد بيومى فى عام 1924 من خلال مجلة آمون السينمائية، التى أرخ من خلالها لأهم الأحداث التاريخية فى تلك الفترة. ثم يتناول الأستاذ محمود سامى عطا الله مراحل إنتاج الفيلم السينمائى منذ قيام الثورة وحتى عام 2007. لكنه من ناحية أخرى يتناول تلك التجارب المحدودة فى الوطن العربى، حتى إنه قسم بقية التجارب بين المشرق العربى فى سوريا ولبنان والأردن والسعودية واليمن والكويت وسلطنة عمان وقطر والإمارات، والبحرين والعراق. ثم دول المغرب العربى ليبيا وتونس والجزائر ، لكنه أضاف لها السودان. لم يكتف المؤلف بكل هذا لكنه تناول أيضا رموز السينما التسجيلية فى مصر والوطن العربى، منذ سعد نديم فى مصر وصلاح التهامى وعبد القادر التلمسانى، وعلى الغزولى وغيرهم ومنهم المؤلف ممن أمضوا حياتهم فى هذا الفن الجميل ، الذى لا نلتفت له كثيرا، على الرغم من انه قد يكون ملجأ مثاليا بعد ما فعلته بنا السينما الروائية من هبوط، بل إن انتشاره قد يصلح حال السينما الذى يثير شجوننا أكثر مما يثير استمتاعنا بها. تحية للأستاذ محمود سامى عطا الله على جهده الكبير، والذى يضاف إلى الجهود المخلصة والكثيرة لفن راق، وهو فن السينما التسجيلية. [email protected]