أظهرت تشيلى أروع الأمثلة مؤخرا فى كيفية تحول الدول من نظام ديكتاتورى قمعى إلى النقيض تماما ، وذلك خلال أزمة عمال المنجم الذين تم إنقاذهم بعد 69 يوما قضوها على عمق أكثر من 600 متر تحت الأرض. فهذه الدولة التى تقع بالمخروط الجنوبى فى أمريكا الجنوبية حكمها الجنرال أوجستو بينوشيه منذ عام 1973 وحتى عام 1990 حكماً عسكرياً مطلقاً، وشهد عهده الكثير من الفساد السياسى والمالي، واتهم بالديكتوتارية، ومارس نظامه التعذيب، واعتمد على الاغتيال السياسي، والإخفاء، والتشويه كوسائل للتفاهم مع المعارضة. ففى فترة المد الاشتراكى العالمي، والحرب الباردة ،وبعد ثلاث سنوات فقط من وصول الزعيم الإشتراكى سلفادور الليندى إلى رئاسة تشيلى فى انتخابات حرة ومباشرة أجريت عام 1970 لم يرق الأمر للولايات المتحدة، فقررت أن الليندى يمثل خطرا كبيرا يتهدد مصالحها رغم فوزه فى الانتخابات بطريقة شريفة، وكان رجلها المختار هو الجنرال أوجستو بينوشيه قائد الجيش الذى استولى على السلطة بإيعاز أمريكى فى 11 سبتمبر عام 1973، وحاصر القصر الرئاسى بدباباته مطالباً سلفادور الليندى بالاستسلام والهروب، لكن الليندى رفض، وارتدى الوشاح الرئاسى الذى ميز رؤساء تشيلى طوال قرنين من الزمان، ليسقط قتيلاَ فى القصر الرئاسى رافضاً التخلى عن حقه الشرعى. وشتان الفارق الآن بين تشيلى الدولة المحكومة بنظام قمعى ولا تستفيد بثرواتها البالغة نحو ثلث احتياطى العالم من النحاس بخلاف النترات والمنجنيز والحديد ، وبين تشيلى التى سلطت الاضواء مؤخرا على تشيلى ورئيسها المنتخب سيباستيان بينيرا خلال عملية الانقاذ الناجحة لعمال المنجم البالغ عددهم 33 عاملا والذين ظلوا محاصرين تحت سطح الارض 69 يوما. فقد ضرب بينيرا وهو رجل اعمال ثرى تولى رئاسة تشيلى فى مارس الماضى أروع الأمثلة فى متابعة عملية الإنقاذ بنفسه من موقع الأحداث ، وأبدى ذكاء كبيرا فى تحويل الأزمة إلى فرصة حيث بقى هو وزوجته لأكثر من 24 ساعة مع عمال الإنقاذ،وقد مازح بينيرا العمال بعد إنقاذهم جميعا قائلا انه سوف يستضيفهم للمشاركة فى مباراة لكرة القدم فى الخامس والعشرين من الشهر الحالى فى سانتياجو . وقال مازحا «الفريق الفائز سوف يبقى فى القصر الرئاسى « لامونيدا « اما الخاسرون فسوف يعودون الى المنجم». ولقيت عملية الإنقاذ وجهود بينيرا خلالها إشادات عديدة من الرئيس الأميركى باراك اوباما والرئيس البرازيلى لولا دا سيلفا والحكومة الألمانية على لسان وزير خارجيتها جيدو فيسترفله، وآخرين من بينهم البابا بنديكتوس السادس عشر. وتخطو تشيلى الآن نحو تحقيق العدالة الاجتماعية وإن كانت بخطى بطيئة كونها دولة وليدة العهد بالنسبة إلى الديمقراطية.كما إنها تمتلك نظاماً اقتصادياً، يقوم على مبادئ اقتصاد السوق.