شهدت السنوات الأخيرة جهودا هامة لترجمة الآداب العالمية إلى العربية، خاصة ما قامت به مؤسسات مثل المركز القومي للترجمة في مصر، ومشروع المنظمة العربية للترجمة، ومشروع كلمة في الإمارات، بالإضافة إلى جهود كبيرة يقوم بها مترجمون أو ناشرون بصفة فردية. وفي الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى قام المترجم البريطاني أنتوني كولدربانك بنقل روايات عربية عديدة إلى الإنكليزية منها أعمال ميرال الطحاوي. ويبدأ المترجم بالتساؤل: الترجمة لمن؟ بمعنى لمن يترجم؟ ومن يستهدف بالترجمة؟ فكل جملة في العربية قابلة للترجمة إلى الإنكليزية بطريقة أو بأخرى، لكن المشكلة كما يراها تكمن في مدى تقبل القارئ الإنكليزي للرواية المترجمة، فتقاليد الأدب العربي تختلف عن التقاليد الإنكليزية من حيث تطوير الأشخاص وسلسلة الأحداث وتركيبها. النظرة النمطية يقول كولدربانك “سمعت من قراء إنكليز قرؤوا روايات مترجمة من العربية عن ‘خيبة أملهم‘ من ضعف الشخصيات، وأيضا مما يسمونه إفراطا في العاطفية، وقد يعود ذلك إلى خبرة القارئ الإنكليزي مع الرواية منذ قرون، وصغر سن الرواية العربية نسبيا، وعموما فالقارئ الإنكليزي لا يفضل الأدب المترجم بصفة عامة وليس المترجم عن اللغة العربية فقط. أيضا يجب مراعاة الاختلافات بين اللغتين وأن نهيئ القارئ الإنكليزي كي يفهم المعنى المقصود وليس مجرد ترجمة حرفية لا تفي بالمعنى المقصود. ويقر كولدربانك بأن الترجمة من اللغة العربية الفصحي تواجه صعوبة بالغة لأنها تتسم بالغموض. أما العامية فهي أيسر إدراكا لدى المترجم، أما عن الاعتبارات التي تحكم اختيار عمل ما لترجمته فيقول كولدربانك “هناك أفكار نمطية حول الآخر تسود في كل المجتمعات، لذلك قد يؤثر الناشر الروايات التي تخدم هذه الأفكار، فمثلا رواية ‘بنات الرياض‘ عنوانها المغري وموضوعها المثير قد يغطيان النقص في الجودة الأدبية للنص، لذلك فترجمتها ستلقى اهتماما ربما أكثر من أعمال جيدة ومهمة، وأعتقد أنه كلما زاد عدد الأعمال العربية المترجمة إلى الإنكليزية فإن الصورة العامة التي تقدمها هذه الأعمال عن العالم العربي ستتسع وتصبح أكثر شمولا، فيختفي تدريجيا الاهتمام بالأشياء الضيقة المرتبطة بالصورة النمطية. يؤكد الشاعر والمترجم رفعت سلام ذلك بقوله ”يتعامل الغرب مع الأدب العربي كوثائق اجتماعيه وليس كأدب ناضج له خصوصية فنية”. ويذكر سلام مثالا على ذلك بأنه خلال رحلاته إلى عدد من العواصم الأوروبية، لاحظ أن أعمال الكاتبة المصرية أليفة رفعت تلقى اهتماما فتمت ترجمتها ومناقشتها لأنها تتحدث عن وضع المرأة المقهورة أو المهمشة، وهي أعمال تكرّس وجهه النظر النمطية في الغرب عن الشرق المتخلف. كذلك تؤكد ريم بسيوني الروائية والأستاذة بالجامعة الأميركية بالقاهرة، أن أغلب الروايات التي تتم ترجمتها من اللغة العربية إلى لغات أوروبية تتعمد كسر تابوهات الجنس والدين والسياسة، متماهية مع صورة نمطية سلبية سائدة هناك عن العرب، وتقول إنها عرضت لذلك فنيا في روايتها “مرشد سياحي”، “فالبطلة روائية وعندما حاولت ترجمة روايتها فشلت محاولتها لأنها تخالف شروطا يضعها الناشر والمترجم وهي تقديم الصورة النمطية والسلبية عنا كعرب، هناك أفكار وصور صارت متجذرة عنا كعرب مفرداتها الإرهاب، التوترات السياسية، التخلف.. إلى آخر تلك الصفات السلبية السائدة عن العرب يبحث عنها الناشر الأوروبي لتسويقها”. تحسين الصورة أما نادية جمال الدين أستاذة الأدب الإسباني بجامعة عين شمس، فتقول إن فكرة الصورة النمطية ما زالت مؤثرة، لكنها الآن ليست بنفس القوة التي كانت بها قبل عقود، وتقول “من خلال رصدي لبعض الأعمال التي ترجمت من الأدب العربي إلى الإسبانية وجدت أن بعض الترجمات تمت عبر لغة وسيطة مثل الإنكليزية أو الفرنسية. كما أن الأعمال التي حصلت على جوائز محلية أو دولية تجد فرصة كبيرة في الترجمة”. وتشير إلى ما قالته المستعربة الإسبانية ماريا دولوريس لوبيث أنامورادو في تأكيدها على أن “الأدب العربي شهد تغييرات مهمة، فالأدباء العرب يجوبون دروبا جديدة تبرز فيها ملامح ما بعد الحداثة، وتنأى عما يتوقع القارئ الغربي العادي أن تقدمه له رواية عربية من الأجواء الغرائبية أو طقوس البيئة الواقعية المحلية”. ولمعالجة تلك السلبيات تقترح جمال الدين إنشاء مؤسسة عربية تشارك في تأسيسها وتمويلها كل الدول العربية، وتعنى بترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأجنبية، وتتولى تنظيم مؤتمرات ودورات للترجمة المتخصصة وموائد مستديرة حول قضايا الترجمة، ودراسة ظاهرة التعدد الثقافي وتبادل الخبرات والتجارب وإيجاد حلول عملية تتناسب وزمن العولمة في القرن الحادي والعشرين. في حين يشير الأكاديمي حسين محمود أستاذ الأدب الإيطالي بجامعة حلوان إلى كتابه الفائز بجائزة فلايانو الإيطالية، “نجيب محفوظ… أدبه في إيطاليا”، وقد رصد فيه استقبال المترجمين والنقاد والقراء لأعمال نجيب محفوظ بعد فوزه بجائزة نوبل، ويرى أن نجيب محفوظ فتح الباب على مصراعيه للاعتراف بقيمة وتميز الأدب العربي وبأهليته للترجمة. لكن ذلك وحده لا يكفي لتغيير الصورة، فالنظرة الاستشراقية إلى الأدب العربي ما زالت مؤثرة في اختيارات الترجمة، وهي تخضع أيضا لمعايير تسويقية، فالقارئ العادي يهتم بالأدب العربي ليتعرف إلى مجتمعات معيّنة، هنا تتأكد قيمة الترجمة كوسيط حوار جيد، يسهم في تكوين الصورة الذهنية لأمة لدى غيرها من الأمم. ويقول محمود “أزعم أن وجود عمل أدبي واحد في ثقافة غير تلك التي أنجبته له تأثير يفوق عمل السفارات الرسمية والملحقيات الثقافية مهما تضخمت. ونحن للأسف ليس لدينا أي مجهود في ترجمة أعمالنا إلى اللغات الأجنبية، وأتمنى أن تتبنى الجامعة العربية مشروعا لدعم نشر وترجمة الفكر العربي إلى اللغات الأخرى، مثلما تفعل الدول الكبرى لتسويق ثقافتها”.