لأسبانيا علاقة خاصة بالثقافة العربية وهى تشكل جزءاً من تاريخها، إلا أن الأزمة الاقتصادية التى تمر بها البلاد منذ خمس سنوات لها تأثير على دور النشر المهتمة بروائع الأدب العربى، فقد تراجعت طلبات الترجمة. وحسبما ورد بموقع دويتشه فيله قال محسن الرملى، الكاتب العراقى المقيم بمدريد، والذى ترجمت العديد من رواياته إلى اللغة الأسبانية، أن تأثير الأزمة الاقتصادية يتجلى فى تقليص ميزانيات المؤسسات التى كانت تقوم بالترجمة، ومنها الجامعات والمعاهد ومدارس الترجمة والجمعيات الثقافية، كذلك تراجع بيع الكتب فى عموم أسبانيا بنسبة تفوق 25 فى المائة، وإغلاق الكثير من دور النشر الصغيرة أبوابها، وهى التى كانت تقوم بالبحث عن النادر لترجمته". ويضيف الرملى، أن "الترجمة من العربية إلى الأسبانية هى قليلة أصلاً، أى أنها أقل مما يترجم إلى الإنكليزية والفرنسية والألمانية، وأغلب ما كان يترجم هو عن طريق هذه اللغات الوسيطة وليس عن العربية مباشرة، وذلك لافتقار الناشر الأسبانى إلى المعرفة الجيدة بالثقافة العربية وعدم متابعته لها، وكذلك لافتقاره إلى الجرأة، لذا يعمدون إلى ما يرونه ينجح فى لغات أخرى أو يكون قد حاز على جائزة معروفة". ويسترسل الكاتب العراقى فى القول إن "الأزمة الاقتصادية جاءت لتقلل من هذا القليل حد الندرة"، مضيفا بحسرة "كنا نأمل أن تساهم الثورات العربية بزيادة الفضول والاهتمام بالثقافة العربية وبالتالى تعزيز الترجمة منها، ولكن ما أن بدأت بوادر ذلك بالفعل حتى جاءت الأزمة الاقتصادية فأحبطت هذا الأمل". أثرت الأزمة الاقتصادية أيضا على علاقة بعض المستعربين الأسبان بالكتاب العربى، خصوصا أولئك الذين اشتغلوا على ترجمة الأدب العربى خصوصا إلى اللغة الاسبانية، حيث أن عددا من دور النشر الصغيرة صارت تمتنع عن دفع أى مقابل عن عمل المترجمين، مما يعنى غياب حافز أساسى بالنسبة لعدد منهم للبحث عن كتب بالعربية ونقلها إلى اللغة الاسبانية. وفى هذا السياق يرى المستعرب الأسبانى بابلو بنيتو، أستاذ الأدب العربى بجامعة مورسيه، جنوبى أسبانيا، فى تصريح ل DW " أنه فيما يخص علاقة المترجمين الأسبان الذين يترجمون من اللغة العربية إلى الاسبانية أو العكس، فنلمس تراجعا عن بعض الأمور من طرف دور النشر تلك الموجودة فى مختلف مناطق اسبانيا، بحيث أنها تطلب من المترجم التنازل عن مستحقاته المادية منذ البداية فى حالة رغبته فى نشر إحدى الأعمال المترجمة عنده، ويضيف بنيتو"أنه تراجع ملموس بحكم أن المقابل المادى كان مشجعا لعدد من المستعربين الأسبان للانكباب على ترجمة عدة أعمال عربية وتقديمها إلى القارئ الأسبانى، مشيرا إلى أن البعض من دور النشر باتت تطالب المترجمين بدفع ثمن الطبع". وأشار بنيتو إلى أنه رغم الأهمية التى تلعبها الترجمة فى التقريب بين اسبانيا والعالم العربى بيد أن الترجمة من اللغة العربية إلى الاسبانية تبقى أقل أهمية من ترجمة الكتب من اللغة الانجليزية مثلا التى تظل لغة نقل المعارف والعلوم بالدرجة الأولى، فالترجمة من العربية تقتصر أساسا على بعض المؤلفات الأدبية وكتب التاريخ المشترك أساسا، وهنا ظلت مدرسة طليطلة للترجمة تلعب دورا أساسيا فى هذا المضمار طيلة سنوات. وأوضحت دراسة قامت بها مدرسة طليطلة للترجمة، مقرها بمدينة طليطلة، وسط أسبانيا، ما بين عامى 1995 و2010 إلى أن المدرسة قامت بترجمة 505 كتب خلال هذه الفترة من مختلف اللغات القومية بأسبانيا إلى اللغة العربية بمعدل يفوق 35 كتابا مترجما فى السنة. وقال لويس ميغيل بيريث كنيادا، مدير مدرسة طليطلة للترجمة فى تصريح ل DW أن "الأزمة الاقتصادية رغم كل شىء لم تؤثر على الدعم المادى الرسمى الذى تقدمه وزارة الثقافة الأسبانية للمدرسة من أحل تمويل مشاريع الترجمة، وهو الأمر الذى فوجئ به شخصيا بحكم سياسة التقشف التى تنهجها الحكومة الاسبانية بقيادة اليمينى ماريانو راخوى"، مضيفا " أن المساعدات التى تقدمها الدولة الاسبانية فى مجال الترجمة ساهمت فى نقل العديد من الكتب من اللغة الأسبانية إلى العربية والعكس عبر عدد من المترجمين المغاربة والأسبان الذين كانوا يعكفون على ترجمة العديد من الكتب بشكل منتظم". وأشار لويس ميغيل بيريث، الذى ترجم بدوره لكبار الكتاب العرب مثل جبرا إبراهيم جبرا وعبد الرحمن منيف والشاعر بدر شاكر السياب، إلى "أن المسجل خلال هذه السنة هو تراجع الطلبات مشاريع الترجمة من طرف المترجمين الذين اعتدوا البحث عن كتب ألفت حديثا واقتراحها من أجل ترجمتها إلى اللغة الأسبانية". وأمام سياسة التقشف التى تأثر بها الكتاب العربى باسبانيا، بات العديد من المترجمين يتجهون شرقا بحث عن اهتمام خليجى أساسا لترجمة روايات عربية شهيرة إلى اللغة الاسبانية وإرساء جسور ثقافية هدمت بعضها الأزمة الاقتصادية التى تلف حبلها حول عنق أسبانيا. الجدير بالذكر أن أسبانيا تربطها علاقة خاصة بالحرف العربى والثقافة العربية التى شكلت جزءا من تاريخ هذا البلد الأوروبى طيلة ثمانية قرون بسبب الوجود العربى فى شبه الجزيرة الأيبيرية الذى بدأ بخطبة طارق ابن زياد وانتهى بقصائد رثاء الأندلس، وخلال فترة الرخاء الاقتصادى عاد الكتاب العربى إلى المكتبات الاسبانية بحكم عملية الترجمة التى قام بها جيل من المستعربين لإرساء جسور بين الثقافة الاسبانية والعربية بعدما انقطع حبل الود بينهما لقرون طويلة، لكن الأزمة الاقتصادية التى تهز أسبانيا منذ خمس سنوات كان لها تأثير على دور النشر الصغيرة التى اهتمت بترجمة روائع الأدب العربى مثل روايات نجيب محفوظ أو علاء الأسوانى وغيرهما من الأسماء الأدبية التى لمعت فى السماء العربية.