اليوم، سحب كراسات استقبال راغبى الالتحاق بالمعاهد الفنية الصحية الشرطية، اعرف الشروط    اليوم.. نظر محاكمة المتهمين بقضية "خلية داعش قنا"    المحمكة الجنائية ترفض اتهام الممثل أليك بالدوين بالقتل الخطأ (فيديو )    فلسطين.. إصابات جراء استهداف طائرات الاحتلال منزلًا في مخيم النصيرات    أمين عام الأمم المتحدة: حان الوقت لإنهاء الصراع في قطاع غزة    الصين تحث الولايات المتحدة والفلبين على سحب نظام صواريخ «تايفون»    «كل واحد ليه وقته والظلم لا ينتصر».. وائل القباني ينتقد جلوس شوبير بديلاً ل الشناوي    القنوات الناقلة لمباراة إسبانيا وإنجلترا في نهائي يورو 2024    أسعار الذهب السبت 13 يوليو 2024 في محلات الصاغة    اليوم،7385 طالبا بالثانوية يؤدون امتحانات التفاضل والتكامل بالشرقية    45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة    عمل مع كبار المخرجين.. منير «حدوتة» في السينما المصرية    جهاد جريشة: الأهلي يستحق ركلتي جزاء أمام بيراميدز    حظك اليوم| برج الحوت السبت 13 يوليو.. يتمتع بشخصية إجتماعية محبوبة من الجميع    الكهرباء: ننتج 6 آلاف ميجاوات من طاقة الرياح    ختام المؤتمر السنوي الثاني لرابطة الكليات والمعاهد اللاهوتية في الشرق الأوسط    "سنكون فريقا واحدا لأول مرة".. ترامب يواصل السخرية من بايدن    لبنان يتقدم بشكوى ضد إسرائيل لمجلس الأمن عن الحرائق الناتجة عن الفوسفور الأبيض    طبق الأسبوع| من مطبخ الشيف شيري عمر.. طريقة عمل نيويورك تشيز كيك فراولة    الأرصاد: طقس اليوم شديد الحرارة رطب نهارا معتدل الحرارة رطب ليلا.. والعظمى بالقاهرة 37    الرئيس الإيرانى المنتخب: روسيا حليف استراتيجى مهم لإيران    عبدالناصر زيدان: الأهلي ينهي سلسلة انتصارات بيراميدز بفوز تاريخي    البورصة المصرية: الوقت مناسب أمام المستثمرين لاقتناص الفرص    البطريرك يصل إلى مطار ملبورن الدولي للقيام بالزيارة الرسولية الأبوية الثانية    بعد ابتلاعها 6 أيام.. سحب بطارية من مريء طفل عمره 5 سنوات    وزير الطيران المدني: نسعى لتحقيق خطة طموحة لافتتاح المزيد من الخطوط في السوق الإفريقية الواعدة    سقوط مسجل خطر بحوزته 2 كيلو حشيش وسلاح ناري في الأقصر    رامي جمال يكشف عن موقف محرج تعرض له بسبب إصابته ب البهاق (فيديو)    عاجل - صيام يوم عاشوراء.. الموعد والدعاء فيه    أمين الفتوى: السحر موجود.. وهذا حل التخلص منه    ضبط 4 طن و700 كيلو دقيق بلدى مدعم قبل البيع بالسوق السوداء في الأقصر    الرئيس الإماراتي يستقبل شيخ الأزهر.. ويبحثان تأصيل الحوار الحضاري    للأمهات.. نصائح لمنع التهاب الأذن الحاد عند الأطفال    محافظ أسيوط للمواطنين: سأعمل على إيجاد الحلول المناسبة لكافة المشاكل    شعبة الأدوية: أزمة الدواء في مصر ثقافة وليست نقصا    قرارات النيابة العامة في احتراق سيارة «نقل» ومصرع قائدها بمنطقة الصف ب الجيزة    «إنت زعلان من إيه!».. رسالة نارية من أحمد حسن ل إمام عاشور    عاجل.. هل سيشارك؟ أول تعليق من الزمالك على إعلان إقامة السوبر الإفريقي بالسعودية    ملف رياضة مصراوي.. فوز الأهلي.. السوبر الأفريقي في السعودية.. وتغريدة شوبير    الحوثيون يعلنون استهداف سفينة مرتين فى البحر الأحمر وفى باب المندب    أول صورة لمسرح الأرينا الجديدة U ARENA في مهرجان العلمين 2024    أحمد نعينع: لم نعتمد قارئا واحدا في الإذاعة منذ عامين    وسط حضور الآلاف.. حكيم يشعل حفل المنصورة الجديدة    وزير الري عن شكاوى نقص وصول المياه للترع: نشهد أقل عدد من المشكلات هذا العام    وزير الشؤون النيابية: «الحكومة وكل مؤسسات الدولة تعمل من أجل المواطن.. ومصر للمصريين»    أحمد كريمة: «طبق عاشوراء» اختراع صلاح الدين الأيوبي للقضاء على طقوس الحزن    محلية النواب: الفترة المقبلة ستشهد تقديم تسهيلات لبعض التعقيدات في تطبيق قانون التصالح    فرحه و إشادة.. بدء التشغيل التجريبي للحافلات الكهربائية بشرم الشيخ    أول صور من موقع انهيار حفرة على شاب أثناء البحث عن الآثار ب الجيزة    مقتل مدرب جيم أثناء تدخله لفض مشاجرة بين جيرانه بشبرا الخيمة    إرادة الله تتحدى التخزين الخامس واتفاقية عنتيبي، شاهد ماذا حدث في الهضبة الإثيوبية (صور)    جامعة دمياط تحقق مركزًا متميزًا في تصنيف ويبوميتركس الإسباني للاستشهادات المرجعية    استعداداً لانتقال القوات المسلحة.. السيسي يتفقد مركز القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية    ارتفاع ضغط الدم: القاتل الصامت وكيفية الوقاية منه    دعاء الامتحان الصعب 2024.. دعاء الامتحان والنجاح مستجاب    محمد علي رزق يحتفل بهدف قفشة أمام بيراميدز: "الدقيقة 85 القاضية ممكن"    باريس 2024| المنتخب الأولمبي يؤدي تدريبه الأول في فرنسا    هل يجوز خروج المرأة متعطرة؟.. مفتي الجمهورية يحسم الجدل (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد الحجيري ينزع عن الحرب هالتها
نشر في نقطة ضوء يوم 21 - 04 - 2013

في «طيور الرغبة»، يدخل محمد الحجيري مكتبة الرواية العربية بخطوات واثقة. كتابه الصادر عن (منشورات ضفاف والاختلاف) 2013، هو أكثر من رواية أولى، وأبعد من مجرد قراءة أخرى أو تجوال في ارتدادات تجربته الشخصية في بيروت وانقلاباتها المدينية والاجتماعية. روايته نافذة على اسم يعرفه الكثيرون كشاعر وصحافي، لكنهم يتعرفون إليه اليوم محمولاً على تأثيث روائي رزين. الحجيري الذي انزوى بنفسه بعيداً من حفلة الصخب الثقافي في بيروت وناسها، استحق أن ننتظره ونقرأ انعكاس صورته كشاب جبلي وفد من شرق لبنان الهادئ نسبياً إلى العاصمة المشتبكة مع ذاتها والمتشابكة الدلالة والهوية (في الرواية، قبلته الأولى ثكنة مقاتلين في الرميلة جنوب لبنان). وهو يقفز اليوم على أوتوستراد المخيلة السريع مختاراً أن يمشي بهدوء وبطء وأن يقيس حجم المسافة بتأنٍ ما بين النقلة والنقلة الأخرى. هكذا يبدو السرد وكأنه حرفة قديمة لديه، ونتلمس الدور البارز لقراءاته الكثيفة وللبانوراما المعرفية الجاهزة لديه كي ينهل منها متى دعا الأسلوب أو الحاجة، ويوظفها داخل بنية الرواية.
منذ الصفحات الاولى، يعزل الحجيري القارئَ في روايته، بأسلوبه في السرد، وعمق تشابيهه التي تقارب الشعر من دون أن تتورط فيه، ووقوفه عند مفارقات حياتية مقروءة بذكاء، ينسج بنية لغوية جذابة، باسطاً سلطة اللغة كظلٍ يحدد أبعاد العمل، ومبرهناً أن الأسلوب عندما ينجدل في «الخبرية» المعهودة، أو الخبر المتعارف عليه، يستطيع أن يرفع شطراً من الحياة إلى مستوى الدرس.
الرواية محكومة بالحالة اللبنانية وتبعاتها، بعصبياتها وتقسيماتها العجيبة، وحكاياتها الغرائبية التي تتناسل من الواقع النيء، وطموحات شخصياتها العابرة في التدليل على مأساتهم الخاصة باختراع أبعاد «خرافية» لها. بحثه في أبعاد الحدث والمشهد العابر والمرئي والحادثة، يتجلى من خلال الإسقاطات الفكرية التي يتضمنها العمل بلا استعراضات ثقافية. «طيور الرغبة» يكمن اختلافها عن روايات كثيرة عن بيروت، بأنها تتبع الزمن محتفظة بمسافة ما بينها وبينه، لا تنحاز أو تؤيد، ولا تتبع المعطى الهائل من التفاصيل السياسية أو الاجتماعية. بل تتملص بصبر وبسأم، ولاحقاً تستنكر. أي أن أحداثها غير مصبوغة، وهي تتنقل من كونها نزيلة أزمة عامة، إلى كونها نزيلة حكم نهائي مشوب بالقرف والرفض والنبرة اليائسة أيضاً.
عمل مضغوط بالأفكار والمقاربات والتحليلات التي تخترق السطح الحدثي مهما كان عمقه أو مقدار تفاهته أو عاديته. وهو أيضاً عبارة عن تشابك سينوغرافيات تلامس أطرافها حياتنا وجزءاً من ذاكرةِ تمتد ثلاثة عقود إلى الوراء. وتتسع في دوائرها لتطاول الحالة الفلسطينية والحضور الأمني السوري أيضاً، إضافة إلى توغلها في «الموضع» الوجودي اللبناني. إنها رواية الإدانات... تشير بإصبع التهمة إلى كل شيء. كل حدث ومقاتل وكل قاتل ومطلق رصاص كلهم مسؤول عن التشوه العام، وعن حالة الرفض والتقزز التي تعتري الكاتب. تعري الحرب، وتنزع عنها صولجانها الزائف وكسوتها التي تخفي أطناناً من التعفن. وتقرأ المفاصل الأكثر حيوية في المدينة على أنها «عالم سفلي». القسوة في العمل ستارة تخفي سأم الكاتب من مدينة غير مقنعة. يتنقل الحجيري بين شواهد لأشياء وأمكنة وأطياف شخوص و «أبطال». «ماتوا جميعاً»، يقول لنا نحن الذين نظن أن كلاً منهم لا يزال على قيد الحياة.
يرمي الكاتب حجر الرفض على كل ما يعبر من أمامه، مهما بلغت درجة حميميته، ينبهنا إلى أكثر من خلل، إلى العمق الفلسفي والتورط الثقيل، إيديولوجياً ودينياً، والذي تنتهي الحالة اللبنانية فيه. كذلك، فإن تجوال الشخصية الأساسية بين زمنين (أثناء الحرب، وما بعدها) ومرورها بتحولات الأمكنة والديموغرافيا والإيديولوجيا وتحسسها زيفاً مُخَيِّماً كحالة عامة، واختبارها لعيِّنات إنسانية شاركت في قولبة المرحلة التاريخية، وفرارها أمام التداعيات ورفضها للسائد والمفروض، ونيلها من هيبة المقدس، تُذَكِّر من بعيد بشخصية كولفيلد في رواية «الحارس في حقل الشوفان» للروائي سالينجر.
الرواية تنطوي كذلك على موقف شبه فلسفي، يكرره الحجيري بصيغ مختلفة وبدرجات متفاوتة، محاولاً أن ينتهي إلى سؤال الكينونة، ومدى تداخل الكاتب بالكتابة، ومن الذي يدوِّن سيرة الذاكرة، أهو الكاتب أم الكتابة التي تتطور وتنفعل وتتفاعل مع المادة المحفوظة. وهل انفصال الكتابة عن الكاتب، هو ما يُشكِّل كينونتها وحياتها وموتها عبر المادة المكتوبة؟ ويستعين بمقتطفات أو إشارات إلى أعمال روائية عالمية أو شعرية أو فلسفية لتوحيد المناخ الروائي وتظهير النيغاتيف البسيكولوجي لدى الشخصية الرئيسة.
أيتام الحرب
في ترتيب كرونولوجي، تتنقل شخصية الراوي بآلية كأنها مخطط لها سلفاً. فديناميكية الحرب، تصنع ديناميكية للشاب الجبلي، وركودها يدخل الأخير في مراقبة وترقب. وفي كلتا الحالتين يكون محكوماً بالمعاينة والاحتكاك مع نماذج شتى، من مخلفات الحرب أو «أيتامها». إلا أن كل انتقال يحدث محمولاً على التردد والأسئلة الحتمية، وكأنه استشراف لمرحلة جديدة ستؤسس ملامحها في الشخصية، وتزيد من تشوهها وانغماسها في لعنة بيروت... المدينة التي يحاول الكاتب التعمق فيها كظاهرة بطيئة حدثت مرة واحدة ولن تتكرر. الخواء المديني على امتلائه واتساعه وجوعه، يعادله خواء في الشخصية، أي في مستقبلها ومصيرها، لا شيء معلوماً، وهو ما يفسح الأفق للكاتب كي يختبر سلطته في تصميم النص، ورفعه إلى التأمل أو إنزاله إلى الخبر المسلّي، في اختبار لأثر رؤياه الروائية على القارئ. ويبدو اللجوء إلى الجسد تعويضاً، والتحاماً مع الرغبة التي تخض مخيلته وتشكل وجهته لكشف الحجاب عن الذات المجهولة.
تعكس «طيور الرغبة» صوتاً جماعياً لجيل، أو بالأحرى لسكان ومواطنين، رفضوا الحرب وما زالوا يرفضون كل أشكالها المتناسلة، من دون أن يحوزوا إمكانيةً لذلك. واختلاف الرواية، يأتي من كونها مشحونة لتبصق في وجه أسباب العلاقات الانسانية البيروتية، المشيدة بفوضى البحث عن الصوت الفردي. وهي تقرظ الجمال المفروض على المدينة والمركّب. ولا تتجانس وتلك الروايات التي عالجت بيروت وجمّلت شخوص القتلة، واحتوت مغالطات واقعية وتاريخية. آثر الحجيري الابتعاد من كل هذا، وفتح روايته على سؤال «أين الرواية؟» حتى آخر لحظة في العمل، محاولاً أن يطفو فوق كل توريط أو تحالف مع أي شخص او تفصيل ربما باستثناء الجذور (الأب/ العائلة/ القرية). كأنه ينفخ في التاريخ والوجود والذات من أجل الاستحواذ على العدم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.