لا شك أن الحديث مع شخصية في حجم فؤاد بدراوي يكتسب أهمية كبري نظرا لأنه يعد أحد شهود العيان علي واقع الحياة السياسية والحزبية لمدة تزيد علي الثلاثين عاما من واقع اقترابه الشديد من جده فؤاد سراج الدين، ومشاركته بفعالية في إعادة حزب الوفد للحياة السياسية منذ أواخر السبعينيات كما أنه أحد النواب القلائل في مجلس الشعب الذين تحظي آراؤهم البرلمانية باحترام وتقدير الجميع، حيث ينتقد بموضوعية ويهاجم الانحرافات أو المخالفات بطريقة مميزة بعيدة كل البعد عن التجريح الشخصي في أي مسئول. في هذا الحوار نتعرف علي ؤية بدراوي للإصلاح السياسي الشامل وحقيقة الانقسامات داخل حزب الوفد وخلافاته مع د. نعمان جمعة وتقييمه للدور الحقيقي للأحزاب في الشارع السياسي. في البداية سألته عن حزب الوفد بين عهدي الباشا فؤاد سراج الدين وحاليا: قال: لا شك دائما أن بعض الزعامات التاريخية بحكم خبرتها والتجربة التي خاضتها يحدث بعد رحيلها نوع من عدم التوازن والخلل في الأداء الحزبي، وهذا أمر طبيعي يحدث في أي حزب من الأحزاب يشترك في ذات ونفس الظروف التي مر بها حزب الوفد وبعد حين، ومن منطلق حرص أعضاء الحزب وقياداته يعود التوازن تدريجيا وهذا ما نأمله في حزبنا العريق. قلت له: ما هو تقييمك لموقع الوفد حاليا علي ساحة أحزاب المعارضة؟ للإجابة عن ذلك هناك أسباب داخلية مر بها الوفد سواء من الناحية التنظيمية أو من ناحية خطابه السياسي أفقدته بعضا من التحام الجماهير معه كحزب سياسي معارض، ومن ناحية أخري هناك أسباب خارجة عن الوفد أدت إلي إحجام في المشاركة السياسية، وهذا يرجع في كثير من الأمور من أهمها وجود قيود علي الحركة السياسية للأحزاب في الشارع السياسي وعدم إمكانية عقد المؤتمرات الجماهيرية، فضلا عن السيطرة علي وسائل الإعلام وعدم إتاحة الفرصة للأحزاب السياسية لطرح آرائها وأفكارها من خلال هذه الأجهزة ووجود قانون الطوارئ. وفي المجمل فإن المناخ العام يتطلب تحقيق إصلاح سياسي جذري وفي مقدمة هذا الإصلاح تأتي قضية تغيير الدستور والفصل بين الحزب الحاكم ورئيس الدولة ولهذه الأسباب مجتمعة قد يبدو أن الوفد قد فقد بعضا من دوره كحزب معارض علي الساحة السياسية وهذا ينصرف علي باقي الأحزاب. وردا علي سؤالنا حول تقييمه لأداء نواب المعارضة تحت القبة، قال بدراوي: بالنسبة لأداء المعارضة أنا راض تماما عن هذا الأداء، وإن كنت أعتقد أنه يمكن للمعارضة أن تقوم بدور أكثر فعالية لو كان هناك نوع من التنسيق والتشاور والتفاهم حول بعض القضايا التي تطرح علي المجلس، بحيث تظهر المعارضة كقوة متماسكة تعوض بها نقص أعداد الممثلين لها تحت القبة. سألته: هل هناك تفرقة من جانب المنصة في المجلس في عملية إعطاء الكلمات لنواب المعارضة عن غيرهم من أعضاء الأغلبية والمستقلين؟ فيما يتعلق بالفرصة المتاحة لنواب المعارضة للتعبير عن وجهة نظرهم فيما يعرض من قضايا استطيع القول أن المنصة تحقق نوعا من التوازن وإتاحة الفرصة بين ممثلي المعارضة والأغلبية، وإن كنت من ناحية أخري أتمني من رئاسة المجلس أن تتيح لنواب المعارضة الفرصة الكاملة في طرح الاستجوابات التي تقدموا بها، فلا يعقل أن تشهد الدورة البرلمانية أربعة أو خمسة استجوابات فقط، وأن يناقش استجواب واحد كل شهر، ولا شك أن في ذلك تضييقا وتقييدا في حرية النائب في استخدام أقوي أداة رقابية وهي الاستجوابات. لكنك لم تقدم أية استجوابات خلال دور الانعقاد الحالي للمجلس رغم كونك معارضا؟ في تقديري عندما أتقدم باستجواب يجب أن يكون قويا وأن يتضمن المستندات التي تؤكد حقيقة الاتهام الموجه للوزير المسئول، وبخلاف ذلك فإذا كان الاستجواب من الضعف فهو ينقلب ضد المستجوب، ولذلك عندما تتاح لي البيانات والمعلومات والمستندات حول موضوع معين وترقي لأن تكون استجوابا، فلن أتردد في تقديمه وهذا لا ينفي أن استخدم أدوات رقابية أخري مثل الأسئلة وطلبات الإحاطة التي أتقدم بها للحكومة. أما عن تقييمه لقوة أو ضعف الاستجوابات التي قدمت خلال الدورة البرلمانية الحالية فقال: في الحقيقة أن الاستجوابات التي قدمت حتي الآن لم تكن علي المستوي المطلوب وهذا ما أشرت إليه في جوابي السابق أنه يجب أن يكون الاستجواب من القوة وأن يكون العضو مسلحا بالبيانات والمستندات المؤكدة لما يدلي به النائب، ولكن بعض الاستجوابات أري أنه كان من الأفضل أن تكون في صورة بيانات عاجلة أو طلبات إحاطة وأتصور أنها كانت ستكون أفضل لو قدمت بهذه الصورة من الاستجواب نفسه. وماذا عن موقف حزب الوفد من زعامة المعارضة تحت القبة في المجلس الحالي، خاصة بعد أن شهدت هيئته البرلمانية خروج أربعة من النواب منها، وهم: أيمن نور وسيف محمود ومحمود الشاذلي ومعهم النائب المستقيل محمد فريد حسنين؟ لا شك أن خروج أي عدد من أعضاء الهيئة البرلمانية لأي حزب تحت القبة يؤثر في أداء الهيئة وقوة تمثيلها تحت القبة، وإن كان خروج بعض أعضاء الهيئة البرلمانية الوفدية قد ترك أثرا إلا أننا نحاول دائما أن يكون لها داخل المجلس دور مؤثر ومشارك في المناقشات، وما يعرض علي المجلس من قوانين. ماذا عما تردد عن وجود خلافات حادة بينك وبين د. نعمان جمعة رئيس الحزب، خاصة أنك كنت الوحيد المرشح للرئاسة ضده في الانتخابات التي جرت عقب رحيل الباشا؟ نحن في حزب الوفد نؤمن بالديمقراطية وننادي بها فمن باب أولي أن نطبق الديمقراطية في داخل حزبنا العريق حتي تكون هناك مصداقية فيما نطالب به، ومن الطبيعي أن تحدث انتخابات سواء علي موقع الرئاسة أو بالنسبة لجميع تشكيلات الحزب وتحدد ذلك اللائحة الداخلية للحزب التي تنص علي أن تكون جميع تشكيلات الحزب بالانتخاب، ومن الطبيعي أن تكون هناك خلافات واختلاف في الرؤي بين أعضاء الحزب الواحد حول بعض المسائل التنظيمية، أو فيما يتعلق بالخطاب السياسي للحزب وهي أمور طبيعية في حزب يؤمن إيمانا عميقا بالديمقراطية كنمهج وأسلوب يجب أن يدار به الحزب علي ألا يصل هذا الخلاف إلي نوع من التناحر والانشقاق أو يتحول هذا الاختلاف إلي خلاف شخص، فالرأي والرأي الآخر مطلوب بين أعضاء الحزب الوحد طالما أن الهدف هو تحقيق صالح هذا الحزب والنهوض به، وأود أن أوضح أنه لا توجد أي خلافات علي المستوي الشخصي بيني وبين الدكتور نعمان جمعة أو أي عضو من أعضاء الوفد، فكلنا في حزب واحد نؤمن بمبادئ الوفد ونعمل من أجل النهوض بالحزب وبهذه المناسبة أتمني أن تتحقق خلال الفترة المقبلة الإصلاحات التي طالبت بها وسعي لتحقيقها أعضاء الحزب علي أرض الواقع، وأن نجتمع جميعا من أجل هدف واحد هو استمرار مسيرة الوفد شامخة عملاقة كما كانت. هل تقدم لنا روشتة للإصلاح السياسي من وجهة نظرك كنائب معارض؟ أولا لابد من تغيير الدستور وما سيتتبعه من إلغاء حالة الطوارئ إلي جانب إطلاق حرية إصدار الصحف، فهناك فرق بين حرية الصحافة وحرية إصدار الصحف، فإذا كنا نتمتع الآن بالحرية، إلا أن هناك قيودا علي حرية الإصدار يضاف إلي ذلك إجراء الانتخابات من خلال هيئة قضائية تشرف علي جميع مراحل العملية الانتخابية منذ أول مرحلة وحتي إعلان النتيجة دون تدخل من الأجهزة الإدارية للحفاظ علي الأمن العام، وأخيرا تخلي الرئيس حسني مبارك عن رئاسة الحزب الوطني حتي تكون هناك مساواة بين الأحزاب.