والهم الأكبر الذي ينتاب أوباما حالياً، يرجع إلي تآكل الدعم الشعبي الأمريكي للحرب التي تخوضها القوات الأمريكية والحليفة في أفغانستان، ولبرامج المساعدات التي لا تنتهي لباكستان، بوتيرة سريعة. ويمكن لهذا الموضوع أن يصبح قضية انتخابية رئيسية في انتخابات عام 2012 إن نظرة متعمقة في تفاصيل المراجعة التي أجراها أوباما علي استراتيجية الحلفاء في أفغانستان، تشير إلي أنه لا ينوي إصدار أوامر بإجراء عمليات انسحاب كبيرة للقوات الأمريكية من ذلك البلد قبل حلول عام 2014 وكل ما سيحدث قبل هذه الفترة هو سحب قوات رمزية، أما الكتلة الرئيسية من تلك القوات فسوف تبقي هناك لأجل لم يحدد بعد. والسبب في ذلك، هو أن القوات المتحالفة، وإن كانت قد حققت تقدماً في مطاردة فلول "القاعدة" و"طالبان"، فإن ذلك التقدم يمكن أن يتعرض للانتكاس فيما لو تم إيقاف العمليات العسكرية ضد التمرد بشكل مفاجئ. وبناء عليه، يمكن القول إنه من غير المرجح أن تتمكن "طالبان" من استعادة السيطرة مجدداً في أفغانستان، بيد أن ذلك يثير في نفس الوقت سؤالاً مقابلاً: هل يمكن للولايات المتحدة وحلفائها تحقيق النجاح في ذلك البلد؟ لو تناولنا الأمر من الناحية العسكرية البحتة، فسوف نجد أن الموقف وإن كان لا يزال خطيراً في أفغانستان، إلا أنه تحسن كثيراً عما كان عليه منذ عام واحد فقط، لكن ذلك تحقق مقابل ثمن باهظ، وهو ما يتبين لنا بوضوح إذا ما عرفنا أن عدد جنود الحلفاء الذين لقوا مصرعهم في ميدان القتال في ذلك البلد خلال عام 2010، وفقا للبيانات الرسمية، بلغ 699 جندياً منهم 491 أمريكيون. وأصعب التحديات التي يواجهها الحلفاء في أفغانستان علي الإطلاق، تتعلق بنظام الحكم، وطبيعة العلاقات المتوترة بين قادة أفغانستانوباكستان وقادة "الناتو". وهناك قلق ينتاب أجهزة الاستخبارات الأمريكية حول قدرة الرئيس الأفغاني علي تقليص حجم الفساد في الصفوف العليا من حكومته، كما أن هناك قلقاً مشابهاً بشأن الوضع العام في دولة باكستان التي تقف علي حافة أزمة سياسية جديدة تضاف لقائمة الأزمات العديدة التي عانت منها في السنوات الأخيرة. وهناك أسباب عديدة لتلك الأزمة، لعل أهمها علي الإطلاق الخسائر الكبيرة التي تعرض لها الاقتصاد الباكستاني جراء الفيضانات التي غمرت أجزاء واسعة من البلاد منذ عدة أشهر، والتي يقول الخبراء إن إسلام آباد سوف تحتاج إلي عدة سنوات حتي تتمكن من تجاوز آثارها. وفي محاولة منها لتحسين إمكاناتها المالية، اقترحت الحكومة الباكستانية فرض ضرائب جديدة علي الأغنياء، لكن هذا الاقتراح قوبل برفض شديد. ويقول المحللون إن هناك احتمالاً لسقوط الحكومة الهشة التي يقودها زرداري. ولو حدث ذلك فمن المحتمل أن يتمكن منافسه نواز شريف من تشكيل حكومة جديدة. ومن المعروف أن "شريف" يتبني موقفاً أكثر عداءً للولايات المتحدة مقارنة بزرداري، وسوف يحاول الاستفادة من المشاعر المناوئة لأمريكا في باكستان، والتي تفاقمت كثيراً جراء الهجمات التي تنفذها الطائرات الأمريكية بدون طيار، علي المناطق التي تستخدم كملاذات لمقاتلي "طالبان" في شمال غرب البلاد، والتي أوقعت خسائر فادحة بالمدنيين الأبرياء. ومما يساهم في زيادة الارتباك الذي تعاني منه الحكومة الباكستانية، أن هناك مؤسستين هما الجيش والقضاء، تبديان في الوقت الراهن تصميماً علي لعب دور مباشر في حكم البلاد. ومما يشار إليه في هذا السياق، أن كبار القادة العسكريين في باكستان يحملون قدراً كبيراً من الشك تجاه الهند، ويعتبرون أنها تمثل تهديداً لبلادهم يفوق ذلك الذي تمثله "طالبان" أفغانستان. أما "طالبان" باكستان فإن الجيش الباكستاني لا يكن حباً لها، وقد فقد بالفعل عدداً كبيراً من رجاله في الحرب التي يخوضها ضدها منذ عامين. لكن أكثر ما يخشاه العسكريون الباكستانيون، في التحليل الأخير، هو الوجود الهندي المتزايد في أفغانستان، واحتمال أن ينتهي بالسيطرة علي جزء من ذلك البلد. وسبب الخوف هذا أن باكستان كانت تنظر دوماً إلي أفغانستان علي أنها تمثل فِناءها الخلفي، الذي يمكن لقواتها أن تتراجع إليه، وتعمل منه، إذا ما وجدت نفسها في وضع خطير علي جبهتها الشرقية مع الهند. وفيما يتعلق بالسياسة الأمريكية تجاه أفغانستانوباكستان، لا شك أن الوفاة المفاجئة لمبعوث أوباما الخاص إلي المنطقة، "هولبروك"، في 13 ديسمبر الجاري، قد مثلت انتكاسة كبري. فرغم أن هولبروك كان يبدو، في نظر الكثيرين، متعالياً ومستبداً برأيه، فالحقيقة هي أنه كان دبلوماسياً محنكاً من النوع الذي ينغمس في الأمور بشكل مباشر، ويتمتع بالقدرة علي الإنجاز. وليس من المعروف حالياً من الذي سيخلف هولبروك، بيد أنه من غير المرجح أن يمتلك أي شخص يتم ترشيحه للحلول محله، ما كان يمتلكه الراحل من طاقة وحماس ومهارات تفاوضية لا تضاهي. والهم الأكبر الذي ينتاب أوباما حالياً، يرجع إلي تآكل الدعم الشعبي الأمريكي للحرب التي تخوضها القوات الأمريكية والحليفة في أفغانستان، ولبرامج المساعدات التي لا تنتهي لباكستان، بوتيرة سريعة. ويمكن لهذا الموضوع أن يصبح قضية انتخابية رئيسية في انتخابات عام 2012، خصوصاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار التحديات التي يواجهها أوباما علي جبهة اليسار الديمقراطي الذي يحثه علي تسريع الانسحاب من أفغانستان. كما يتوقع أن يسمع أوباما، نداءات بنفس المعني، من جانب بعض الأعضاء الجمهوريين في الكونجرس، خصوصاً أولئك المرتبطين بحركة "حفل الشاي". فبعض أعضاء هذه الحركة، يعارضون التدخل الأمريكي المفتوح في مختلف أنحاء العالم، ويرون أنه لم يعد بمقدور الولاياتالمتحدة لعب دور شرطي العالم في الوقت الذي يتعرض اقتصادها لخطر الإفلاس، وتحتاج بنيتها التحتية إلي عملية إصلاح وإعادة تأهيل ضخمة. وسوف يسمع أوباما رسالة محددة موجهة إليه، ترتفع نغمتها باستمرار خلال الشهور القادمة تقول "إننا نبني المدارس في أفغانستانوباكستان، في الوقت الذي نحتاج فيه علي نحو ماس إلي بناء المدارس في بلدنا".