اذا كانت المقدمات تؤدي الي النتائج فإن الأجواء التي سبقت انعقاد القمة العربة رقم 22 بمدينة سرت الليبية لم توشر الي حدوث اختراقات كبري في الملفات التي فرضت نفسها علي قمة العرب الدورية التي يفترض انها فرصة نادرة للملمة الجراح والحفاظ علي ما تبقي من التضامن العربي وانقاذ النظام العربي من الانهيار والذي نخشي ان يشهد نهايته مع قفز الامين العام للجامعة العربية عمرو موسي من السفينة والاعلان عن عدم التقدم لولاية جديدة عقب ولايته الحالية المفترض ان تنتهي بعد عام تقريبا. وقد ألقي موسي عصا الاستقالة يأسا وضيقا من عدم تجاوب الزعماء العرب الذين شاركوا في القمة وعددهم 12 فيما غاب الباقون لاسباب شتي بعضها مقبول بسبب المرض.. وبعضها الآخر لا يمكن تفسيره الا من زاوية الانسحاب من العمل العربي المشترك والركون الي الداخل او الارتباط بأي من القوي الاقليمية او الدولية التي يري فيها تحقيقا لمصالحه.. كنا في الماضي نقنع بأن يتوصل القادة العرب الي قرارات "الحد الادني" التي تحافظ علي مقومات التضامن العربي.. لكن في قمة سرت صارت الامور نحو الاسوأ وعجزوا عن تبني بيان ختامي وهو أمر منطقي تماما.. بعدما شبعت الشعوب العربية من كلام حكامها علي حد قول الزعيم الليبي معمر القذافي عميد الحكام العرب، لكن المؤسف اننا عندما تأملنا "اعلان سرت" بحثا عما يثلج صدورنا فلم نجد.. وكل ما قدرت عليه القمة انها احالت جدول اعمالها المفعم بالقضايا المتفجرة الي قمة استثنائية تعقد في اكتوبر المقبل اضافة الي البت في بنود واقتراحات مستحدثة في مقدمتها الاقتراح الليبي اليمني لتطوير العمل العربي المشترك وتأسيس اتحاد عربي واقتراح عمرو موسي اقامة تجمع للحوار العربي. لكن ماذا تقول قارئة الفنجان.. اقصد قمة سرت.. بشأن قضايانا العويصة من عينة فلسطينوايران والعراق والسودان والصومال واليمن وما يستجد منها. أول شيء تطالعه في القرارات التي خرجت بها علينا ربط استئناف المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية بتجميد الاجراءات الاسرائيلية في القدسالمحتلة وعلي رأسها الاستيطان وضمان عدم تكرارها وهو قرار يعلم الموقعون عليه انه لا يعني شيئا لحكومة بنيامين نتانياهو الذي اعلن قبل وخلال وبعد انفضاض القمة ان البناء في القدس لن يتوقف شأنه شأن تل أبيب.. وهو نفس الكلام الذي قاله للراعي الامريكي للمفاوضات غير المباشرة.. والمؤكد انه يسره ان يسمع مثل هذا الكلام المعاد والمكرر في القمم العربية المقبلة سواء كانت دورية أو استثنائية. ايضا اقرت القمة زيادة الموازنة المخصصة لدعم القدس الي 500 مليون دولار، وهذا شيء طيب لكننا نؤكد ان اموال العرب كلها لن تحول دون تنفيذ مخطط تهويد القدس الذي يسير بخطي حثيثة في عهد نتانياهو بداية من تدشين كنيس الخراب وتوحش الاستيطان في حي الشيخ جراح لفصل الشطر الشرقي للمدينة عن الضفة الغربية واجهاض حلم الفلسطينيين في ان تكون القدسالشرقية عاصمة لدولتهم الموعودة. واللافت ان الخلافات كانت اكبر من قدرة ليبيا علي احتوائها.. فالقمة التي توافق الجميع علي اعتبارها "قمة دعم صمود القدس" لم تصمد امام الخلافات حيث نأت سوريا بنفسها عن اي قرار يتعلق باستئناف المفاوضات مؤكدة علي لسان وزير خارجيتها وليد المعلم انها ليست طرفا في أي بيان للجنة متابعة مبادرة السلام العربية معتبرة ان امرا كهذا ليس من اختصاص العرب بقدر ما هو من صميم عمل السلطة الوطنية الفلسطينية. ايضا لم يتفق القادة العرب علي مكان عقد القمة الدورية المقبل المفترض ان ترأسها العراق وفقا للترتيب الابجدي.. كما غادر عدد كبير من الزعماء العرب عن الجلسة الختامية وبعضهم لم يشارك في الجلسة المغلقة واناب عنه وزراء او سفراء.. واكثر من هذا اختصرت الجلستان المغلقتان الي جلسة واحدة لم تتسع لمناقشة القضايا المثيرة للخلافات والجدل. واللافت ان القادة لم يلقوا كلماتهم في الجلسة الختامية مكتفين بتوزيعها مكتوبة علي الصحافة.. وحتي الجلسة المغلقة اليتيمة لم تسلم من التلاسن الحاد بين الرئيسين السوري بشار الاسد والفلسطيني محمود عباس "أبومازن" اذ طالب الاول بدعم المقاومة معتبرا انها اقل ثمنا من الانهزام والاستسلام فقاطعه أبومازن بقوله: ان السلام هو الخيار الاستراتيجي للعرب. عمرو موسي عميد الدبلوماسية العربية كان الاكثر وضوحا في وصف الحال التي وصل اليها النظام العربي وفشله في ادارة عملية السلام مذكرا بإعلانه في قمة دمشق وفاة عملية السلام حيث قال نحن طفح بنا الكيل ولا يمكن ان تجد سياسة او دولة تقبل الاستمرر في حلقة المفاوضات المفرغة مع اسرائيل مؤكدا ان الكرة الآن في الملعب الاسرائيلي فاذا لم تثبت اسرائيل جديتها تجاه "حل الدولتين" فإن البديل سيكون حل الدولة الواحدة مما يعني انها لن تكون "دولة يهودية". موسي قلل من شأن الخلافات بين العواصم العربية وبعضها مؤكدا ان المصالحة العربية تحققت الي حد كبير وان القذافي سيبذل جهودا من اجل سد الفجوات في هذا الشأن بصفته رئيسا للقمة. واجمالا يمكن القول ان "اعلان سرت" لم يشذ عن القمم العربية السابقة في ديباجته بداية من ادانة الممارسات الاسرائيلية ودعم اقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس ومرورا بدعم حق سوريا ولبنان في استعادة اراضيهما المحتلة والتضامن مع الدولة اللبنانية وليس انتهاء ومطالبة ايران بانهاء احتلالها للجزر الاماراتية الثلاث، طنب الكبري وطنب الصغري وابوموسي وادانة الارهاب والدعوة لاخلاء الشرق الاوسط من اسلحة الدمار الشامل. ووسط الاخفاقات والصورة القاتمة التي عكستها قمة سرت.. لم تخل من نقطة ضوء او بارقة امل تمثلت في التقارب المصري - السوري حيث ابدي الرئيس الاسد استعداده لزيارة القاهرة اذا اراد المصريون مؤكدا ان المشكلة العالقة بين البلدين يجب ان تحل.. ومعروف ان العلاقات المصرية - السورية تمر بأسوأ مراحلها منذ خطابه الشهير في عام 2006 الذي اعقب فشل العدوان الاسرائيلي علي لبنان حيث تحدث بلهجة جارحة لما يسمي بدول الاعتدال "مصر - السعودية - الامارات - الاردن" وهو ما تجاهد السعودية حاليا لانجاز المصالحة السورية - المصرية بعدما سوت الرياض مشكلتها مع دمشق وهو ما ساعد علي اجراء الانتخابات اللبنانية في 6 يونيه الماضي وتشكيل اول حكومة بزعامة سعد الدين الحريري زعيم تيار المستقبل. وفيما كشف د. احمد نظيف رئيس الوزراء ورئيس الوفد المصري لقمة سرت عن تلقي تعليمات محددة من الرئيس مبارك للتقارب مع سوريا اعلن وزير الخارجية احمد ابوالغيط عن ترحيبه بإعلان الاسد استعداده لزيارة مصر. والامر المؤكد ان العمل العربي المشترك الذي تلقي ضربة ساحقة عقب غزو صدام حسين للكويت عام 1990 واخري قاضية اثر احتلال العراق عام 2003 لم يعد يحتمل غياب التنسيق بين الرياضوالقاهرةودمشق.. فهذه العواصم تشكل "قلب العروبة" وبدون ازالة الرواسب والخلافات بينها فقل علي العرب السلام.