بدلا من أن تجهد الحكومة نفسها في البحث عن بديل لإنشاء مرسي للفنادق العائمة بمدينة الأقصر، والمقترح له قرية المريس، قررت اللجنة الضخمة التي تشكلت برئاسة السيد رئيس الوزراء، والتي تضم في عضويتها سبعة وزراء آخرين أن تنزع ملكية 550 فدانا من أصحابها في تلك القرية الهادئة الصغيرة القابعة علي نهر النيل في محافظة الأقصر! أما السبب الخطير الذي دعا هذه اللجنة إلي نزع أرواح أهالي تلك القرية- حيث الأرض تعادل الروح- هو إنشاء مارينا أو مرسي للمراكب السياحية! ففيما يبدو أن الحفاظ علي السياحة، وراحة السائح ورضاه- وكلها أهداف لا خلاف عليها- أصبحت هي الذريعة التي يتم بها فعل كل شيء في هذا البلد وبكل سهولة تحت مظلة السياحة ورواجها! بداية من الأمن إلي الاهتمام بالمناطق التي يمر بها السائحون فقط، إلي البون الشاسع بين أسعار الفنادق للمصريين والأجانب إلي قائمة طويلة من مظاهر تفضيل المصالح السياحية علي مصالح المواطنة، تعودنا عليها وارتضيناها فلا مفر آخر أمامنا بهدف سمعة مصر! بالتالي أصبح التساؤل الذي يواجهنا: تري أيهما أكثر أهمية لحكومتنا السنية حماية مصالح المواطن الذي لا بلد له سوي هذا البلد، ولا ظهر له سوي الله، أو إسعاد السائح الذي يأتي لعدة أيام قد يعود بعدها لهذا الوطن وقد لا يعود أبدا؟ بالطبع كانت الإجابة الثانية هي البديهية لحكومتنا الذكية! بينما هي في أي حكومة أخري وأي بلد آخر كانت مصلحة المواطن صاحب البلد هي العليا، وأي مصلحة أخري تكون تالية لها، لكن عندنا في مصر الأمر مختلف! من هنا كانت تلك القضية المخجلة التي تشهدها قرية المريس وهي قرية بديعة تحتفظ بجمال الطبيعة البكر ونقائها، لكن كل هذا لم يغفر لهذه القرية فهي تقف حائلا دون راحة السادة السياح الذين يرتادون الأقصر عبر نيلها، ومن هنا لا يهم إن كان آلاف البشر سيتركون بيوتهم إلي بيوت أخري لم يألفوها أم لا! وأن مئات الأفدنة ستنتزع مليتكها إلي أرض أخري لم يرتبطوا بها أم لا! لا يهم كل هذا المهم هو راحة السائح ورضاه! صحيح أن كل تطوير أو تغيير وتمدين يكون له ضحاياه، لكن هذا ليس في وجود بدائل أخري! لقد استمعت إلي الدكتور سمير فرج منذ يومين يتبرأ من هذا القرار، ليحيل مسئوليته للجنة المشكلة برئاسة الدكتور نظيف، لكن الأمر ليس علي من تقع المسئولية فقط، ولكن كيف يمكن إيجاد بديل خاصة بعد أن استطاع د. فرج ان يحدث نقلة كبيرة في الأقصر، وأصبح أبناؤها أكثر ارتباطا به، وهو ما يضع علي كاهله مسئولية التطوير ومعها أيضا مسئولية أن يكون عند حسن ظن هؤلاء البسطاء، بالبحث عن البديل المناسب الذي قد يكون كل ما يحتاجه هو عدة كيلو مترات أطول يسيرها الأتوبيس الذي يقل السائح! إن الوزراء والمحافظين في بلدنا حين يتولون مسئوليتهم يقسمون اليمين بالحفاظ علي القانون والدستور وحماية الوطن وسلامة أراضيه! وسلامة أراضيه، ليست هي حدوده الخارجية فقط ولكن كل أرض علي هذا الوطن، وهذا ما يجب أن تدركه وتعيه حكومتنا الذكية!