تتكرر نغمة "الاستقرار" في حياتنا وكأنها نشيد قومي من لا يتغني به ليلا ونهارا تصب عليه اللعنات.. غير أن الاستقرار المقصود يكون في أغلب الأحيان استقرار الكرسي أي أن يظل المسئول في موقعه إلي ما شاء الله دونما محاسبة أو حتي عتاب.. كما أن مسئولينا قدسوا في غمار ترسيخ مبدأ الاستقرار في الأذهان بحيث يبتعد "شبح" التغيير تماما، نسوا أن الطقس غير خاضع لما يضعونه من معايير.. وأنه كان علي هؤلاء المسئولين الاستعداد للتعامل مع تقلبات الجو خاصة عندما يعلن خبراء الأرصاد الجوية تفاصيل عن حالة الطقس المتوقعة، وقد أثبتت الأمطار الغزيرة وكرات الثلج التي هطلت علي البلاد أنه لا أحد في هذا الوطن يتصور أن الأمطار يمكنها أن تسقط بدون أمر إداري أو قرار حكومي، ومن ثم فلم يهتم المسئولون بالتحقق من وسائل مواجهة الأمطار تماما مثلما لم يعيروا الاهتمام والحرص والوعي اللازمين بصدد البناء فوق مخرات السيول وهو ما ضاعف من حجم أضرار السيول في سيناء وأسوان، وهو أيضا ما جعل القاهرة.. العاصمة التي يحلم الملايين في العالم خاصة العالم العربي بمجرد زيارتها قد غرقت بل وتوحلت في مياه أمطار سقطت لبضع ساعات.. فقط بطبع ساعات أغرقت عاصمتنا في المياه والوحل والفوضي المرورية وهو ما لم يكن من الممكن إخفاؤه.. والسؤال الذي ألح علي الناس، خاصة من قضي منهم نحو خمس ساعات لقطع مسافة لا تزيد علي بضعة كيلو مترات، هو أين ذهبت المليارات التي سمعنا عن تخصيصها للبنية التحتية وكيف لم نر أي أثر لها إلا في المكاتب الفخيمة والكراسي الوثيرة وباقة التليفونات التي تؤكد أن لكل جهاز تليفون طريقا إلي فوق.. وبحيث يشعر الزائر أو صاحب المصلحة أن شاغل المكتب أو الموقع، باختصار أن هذا الجالس علي الكرسي من فصيلة "الناس المهمة".. وإذا كانت المبالغ الطائلة لم يظهر أثرها في تصريف مياه الأمطار فأين ذهبت؟ وكيف تمر مثل هذه المحن بدون "غد".. أي بدون محاسبة وهل عدم التحقيق الجاد والذي يشعر المواطنون بأنهم لن يتعرضوا مجددا لنفس المحن، يمكن أن يهدئ النفوس أو يمحو الغضب المكتوم والظاهر أحيانا؟ ويقول الذين أغرقتهم الحكومة في "كام شبر مية" وأغرقت معهم دعاوي التحضر والذكاء والكفاءة التي يتغني بها كل موظفي المحليات ومن هم فوقهم، هو ماذا فعلت السلطات لمواجهة سقوط الأمطار في الأيام القادمة أو حتي في السنوات المقبلة.. وهل يتيقنون من أن الطقس "المتمرد" لا ينفذ أحلامهم في الاستقرار الأبدي الذي يتنافي مع قانون الطبيعة، وأن الأوامر يمكن أن تسري علي البشر ولكن ليس علي الضعفاء، بل المفروض أن تتعامل أية حكومة مسئولة من أصغر عضو إلي أكبر عضو فيها مع الحقائق المؤكدة ومنها علي سبيل المثال لا الحصر تقلبات الطقس بل وكوارث الأرض مثل الزلازل والانهيارات الأرضية وغيرهما، وقد مل الناس حالة المفاجأة التي يتعامل معها المسئولون، فهم دائما يفاجأون وكأن الأمطار والسيول أو الزلازل ظواهر استجدت بعد تقلدهم مواقعهم.. لقد كانت الصورة محزنة بعد أمطار القاهرة الأخيرة ولم نسمع صوتا يشرح لنا أسباب الإهمال والتسيب مما أصاب المدينة وكل المدن الكبري بشلل مفزع ودفع بالسؤال الوحيد الذي لابد من الإجابة عليه فورا.. إذا كان هذا هو الحال مع مياه أمطار سقطت لبضع ساعات فماذا عن تقلبات أشد قسوة وعنف علي ضوء ما ينته إليه العلماء والخبراء في العالم بشأن التغيرات المنافية المتوقعة والتي يهب البعض كالعادة "لطمأنتنا" مؤكدين أن مصر لن "تتأثر بها؟".. ولا أحد يفهم لماذا دائما مصر وحدها التي يري المسئولون فيها أنها لن تتأثر بهذه الظاهرة أو تلك.. هل مصر مستثناة بقوي خفية من التأثر بما يجري في العالم؟.. هل كان يتوقع هؤلاء المسئولون أن تمر الأمطار فوق سمائها دون السقوط وأن تفتح صنابير مياهها بعد عبور الحدود.. هل من أجل سواد عيون الجالسين فوق الكراسي وحتي "يستقروا" هانئين في مقاعدهم المريحة، وأن نغرق نحن في وحل مياه الأمطار وتتعطل مصالحنا ويجثم الأسي علي قلوبنا من مشاهدة شوارعنا ووقوع الحوادث وبعضها قاتل؟.. بأمارة إيه؟!