مرة أخري يطفو موضوع "التطبيع" بين الدول العربية وإسرائيل علي سطح الأحداث في الشرق الأوسط بوصفه عاملا مؤثرا مهما في دعم عملية السلام وليس فقط أحد نتائجها النهائية كما يتصور البعض. جورج ميتشل _ المبعوث الأمريكي لعملية السلام في المنطقة _ يري أن قدرا معقولا من "التطبيع" بين الدول العربية وإسرائيل يمكن أن يساعد بصورة إيجابية علي تحريك عملية السلام ودفعها إلي الأمام ويضعف في نفس الوقت جهود المتطرفين علي الجانبين الساعية إلي الحفاظ علي الوضع الراهن كما هو بدون تغيير. ذكرني هذا الموضوع بكتاب قرأته من عدة سنوات لموشي ديان أحد الشخصيات التاريخية المُؤثرة في تاريخ إسرائيل والصراع العربي-الإسرائيلي وكان الكتاب عن تجربته في مفاوضات السلام المصرية-الإسرائيلية التي حضر كل تفاصيلها مع الرئيس السادات وأيضا في مراحلها الاستكشافية الأولي عندما قابل حسن التهامي في المغرب قبل زيارة السادات لإسرائيل. وعنوان الكتاب الذي تٌرجم إلي العربية: "اختراق- تقييم شخصي لمفاوضات السلام المصرية- الإسرائيلية". يقول ديان في الصفحات الأولي من كتابه أن سؤالا كان دائما يلح عليه عن السبب الحقيقي وراء زيارة السادات لإسرائيل في زمن كانت فيه مثل هده الزيارة من المحرمات. ويقول أنه حاول أكثر من مرة الانفراد بالسادات لطرح السؤال عليه إلي ان جاءته الفرصة في الإسماعيلية في الرابع من يونيو 1979 وكان رد السادات مباشرا وبسيطا: "يعاني الإسرائيليون من مشاكل أمنية، ويتحججون بهذه المشاكل، ويتخفون وراءها، ويطلبون المفاوضات المباشرة، لذلك قررت أن أقابلهم مباشرة ..أنا وإسرائيل وجها لوجه". ومثل هذا الحديث ربما دار أيضا قبل الزيارة بين الرئيس السادات ووزير خارجيته إسماعيل فهمي الذي اقترح علي السادات أن يقابل الإسرائيليين في أي مكان خارج إسرائيل بدلا من الذهاب إلي هناك، لكن السادات كان يري أن "حجم الطاقة" المطلوبة لتغيير الوضع الراهن لن يتولد إلا بالذهاب إلي إسرائيل علي مرأي من العالم كله، وهذا ما تحقق بالفعل، فقد وصفت وسائل الإعلام الدولية زيارة السادات لإسرائيل بأنه حدث فريد، وأنه كان أكثر تأثيرا علي مستوي العالم من حدث هبوط أول إنسان علي القمر. هناك اعتقاد شائع أن كل الإسرائيليين يريدون التطبيع، ويسعون إليه بشغف، وأنهم علي استعداد لدفع أي ثمن من أجله. وهذا الافتراض غير صحيح، فمعظم المتشددين في إسرائيل يعرفون جيدا أن التطبيع سوف يغرق إسرائيل في بحر عربي ديموجرافي فقير، فضلا عن أن ثمنه سوف يدفع في النهاية من أرض يسيطرون عليها بالفعل ويملكون القوة علي حمايتها. ومن المعروف أن إحدي النائبات الإسرائيليات مزقت اتفاقية السلام مع مصر أمام الجميع في الكنيست احتجاجا بعد أن وافقت عليها الأغلبية. وغير المتحمسين للتطبيع في إسرائيل يرون إسرائيل جزءا من أوروبا أو أمريكا وليس العالم العربي أو الشرق الأوسط. لكن هناك في المقابل داخل إسرائيل من يري في التطبيع هدفا مُهما، ويعرف أن إسرائيل ضيقة المساحة قليلة العدد محاطة في كل الأحوال بدول عربية من الأفضل أن تكون علي وفاق معها حتي تعيش حياة طبيعية مع جيرانها. ومن واقع التجربة العملية، لقد عادت سيناء إلي مصر من خلال عملية سلام وتفاوض وجها لوجه أعقبت حرب أكتوبر، وذلك ما حدث بالنسبة للأردن والفلسطينيين. وبدون أسلو واتفاقياتها لبقيت معظم الزعامات الفلسطينية التي تتردد أسماؤها الآن في المنفي بعيدا عن فلسطين. لماذا التطبيع مهم بالنسبة لقطاع واسع من الإسرائيليين؟ ولماذا هو مهم أيضا بالنسبة للدول العربية؟ بالنسبة للإسرائيليين معظمهم يعرفون في قرارة أنفسهم أن فلسطين قد اُُغتصبت عنوة من أهلها، وأن جرائم كثيرة قد ارتكبت للاستيلاء علي الأرض الفلسطينية. لكنهم _وبعيدا عن المقاييس الأخلاقية والقانونية والحجج التاريخية- مثل الأوروبيين الذين هاجروا إلي الولاياتالمتحدة أو جنوب إفريقيا وغير ذلك من الأماكن المماثلة ليسوا علي استعداد لتركها والعودة من حيث أتوا. وفي مثل هذه الهجرات المُسلحة وغير المسلحة تنتهي القضية بتسوية تاريخية، وينظر إليها من زاوية الظواهر العابرة للجغرافيا وليس السيادة الوطنية. ويجب أن نعترف أن حل هذه القضية بقوة السلاح _ وهذا مشروع - لم يحقق الهدف بعد مرور 60 عاما من إقامة دولة إسرائيل. والسبب أن المجتمع الدولي لم يكن مؤيدا لهذا الخيار، وقد أقرت الأممالمتحدة التقسيم ورفضه العرب فكانت الحروب العربية-الإسرائيلية المعروفة والتي لم تؤد في النهاية إلي تحرير إسرائيل من النهر إلي البحر كما راهن البعض. والأسوأ من ذلك أن إسرائيل دأبت علي شن حروب استباقية ضد جيرانها، وفي معظم الأحوال لم تكن النتائج حاسمة لهدا الطرف أو ذاك لكن المعروف أن إسرائيل مازالت تحتل أراضي عربية، وأنها نشرت مستوطناتها غير الشرعية في مناطق واسعة من الضفة الغربية والقدس. ومن هنا يجب أن تنظر الدول العربية إلي التطبيع بوصفه وسيلة للحصول علي تنازلات من إسرائيل. ولن يتأتي ذلك بدون الاعتراف الواضح والصريح بوجودها. ومن البداية -وحتي تكون النتائج مجدية وسريعة- يجب أن نعرف أننا الأكثر عددا، والأوسع مساحة، والأعمق تاريخا، وأن إسرائيل مهما حدث لن تغير فينا، لكننا بالتأكيد يمكن أن نغير فيها علي المدي الطويل. وتمسك إسرائيل بيهوديتها هو نتيجة لاقتناعها بأن السلام سوف يغرقها في بحر واسع سيكون له الغلبة في تشكيل إسرائيل من الداخل وتحويلها إلي خليط من كل الأديان. وهناك بالفعل تجربتان للتطبيع قد جاء الوقت لتقييم نتائجهما: تجربة الأردن وتجربة مصر. بالنسبة للأردن، كان ومازال مستوي التطبيع عاليا، ربما بحكم الوجود الفلسطيني المرتفع داخل الأردن. وهناك مشاريع اقتصادية مشتركة ومشاريع بيئية يشارك في دراستها الأردنيون والإسرائيليون، ومن بين هده المشاريع قناة تربط البحر الأحمر بالأبيض. وبالنسبة لمصر كانت هناك مشاريع زراعية مشتركة لا نعرف بالتحديد حجمها ومدي جدواها وهل هي موجودة حتي الآن. كما تمد مصر إسرائيل بالغاز الطبيعي, وقد ثار حول هذا الموضوع جدل واسع، ورفعت قضايا أمام المحاكم بدون أن يعرف الناس التفاصيل. وميزة التطبيع أن ميدانه واسع ويمكن أن يبرمج بصورة تجعله موازيا لعملية السلام السياسية. فلا توجد حتي الآن بين العرب وإسرائيل علاقات ثقافية أو رياضية أو علمية أو غير ذلك من المجالات. وهناك اتجاه في إسرائيل أن تصبح جزءا من الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، وبالفعل هناك مؤشرات لإعطاء إسرائيل وضعا متميزا في التعامل مع الاتحاد الأوروبي. والمغرب يسعي أيضا لتحقيق نفس الهدف. وكان من الأفضل أن تستوعب الدول العربية إسرائيل والدولة الفلسطينيةالجديدة داخل الإطار الإقليمي العربي والشرق أوسطي قبل أن يهرول الجميع إلي الإطار الأوروبي. هناك نقطة أخيرة ارتبطت بقضية التطبيع مؤخرا حيث طرحها البعض في صورة تحالف عربي-إسرائيلي ضد إيران. وبرغم توتر العلاقات مع طهران إلا أن هذا الربط لن يكون مفيدا ولا عمليا بالنسبة للدول العربية. وإذا كان السعي لتطبيع العلاقات مع إسرائيل مفيدا في إطار حل القضية الفلسطينية وإنهاء حالة العداء مع إسرائيل، نري أيضا أن تطبيع العلاقات مع إيران علي نفس الدرجة من الأهمية خاصة أن العلاقة مع إيران مازالت تحت وطأة حربها الطويلة مع العراق، واحتلالها للجزر العربية في الخليج، ودورها في نشر أيديولوجيتها الشيعية علي امتداد العالم العربي، ومحاولات بث الفرقة بين أبنائه. والمنطقة كلها تتطلع في النهاية إلي دور إقليمي بناء ومتماسك يركز علي نشر السلام والتقدم كهدف يحتاج إلي جهد الجميع خاصة أن التاريخ القديم الواحد يربط بينهم. فأردت الجديد في طرح قضية التطبيع مع إسرائيل هذه المرة ربطها بموقف الدول العربية من إيران، والنظر إليها بوصفها خطرا رئيسيا علي المنطقة يتطلب تطوير العلاقات العربية-الأمريكية من جهة وتحسين العلاقات العربية-الإسرائيلية بدرجة معقولة من جهة أخري. وهذه المنطق المتفائل يري أن الصراع العربي- الإسرائيلي ليس أبديا، وأنه قابل للحل، وأن جزءا منه ناتج من حروب الماضي وفقدان الثقة بين الأطراف، وهي أمور يمكن تجاوزها مع الوقت. Sadat had shown more understanding of the security problems and siege mentality of Israel. Moshe Dyan, minister of foreign affairs of Israel at the time of peace negotiations with Egypt has questioned himself in his book _Breakthrough: A personal account of the EgyptianIsraeli Peace Negotiations_: _What is the real reason that pushed Sadat to take his daring step to go to Jerusalem ?..a question that I thought long to ask Sadat about, and I did not get the chance during his visit to Israel, because his time would not permit that. Afterwards, I did not stop to think about this subject during the various occasions that I had the opportunity to meet him in Camp David, in Egypt and in Israel..even when we were alone. Such occasion was materialized after one year and half in Ismailia, 4 of June 1979. Sadat_s answer was: the principle cause behind my decision to visit Israel was that the Israeli have security problems, and they used to hide behind them and ask for face-to-face negotiations. Well, I decided to meet them directly and alone..me and Israel_. [Queted from the Arabic version of Dyan_s book, Egyptian Information General Authority translated books, book (764)]