نظريات النظام الرأسمالي الاقتصادي وخاصة اقتصاد السوق الحر بريئة من الكثير من أسباب هذه الأزمة الحالية، فليس النظام هو سبب الأزمة بل الفوضي والأساليب غير الشرعية وغير المسئولة يري الكثير من المراقبين أن الأزمة التي تعصف بأسواق المال العالمية والاقتصاد العالمي تحمل في طياتها أعراض موت النظام الرأسمالي. وفي هذه الأثناء يتزايد اهتمام الناس حول العالم بطروحات منظري النظام الشيوعي.ومما له دلالته أن هناك إقبالا غير مسبوق علي شراء كتبهم ككتاب كارل ماركس (رأس المال) الذي أصبح الأكثر انتشارا بين الإصدارات الجديدة في أوروبا في شهر أكتوبر. ومن جانبهم يعلن زعماء البلدان المتوجهة نحو الانعزال عن العالم الغربي الذي يعمل بالنظام الرأسمالي، كإيران وكوبا وفنزويلا وكوريا الشمالية وبيلاروسيا، أن الأزمة المالية العالمية تؤكد أنهم يسيرون في الاتجاه الصائب. وقال الزعيم الروحي الإيراني علي خامنئي إن سيطرة المال قاربت علي النهاية في العالم الغربي. إلا أن بعض المراقبين يشيرون إلي أن البلدان المذكورة التي تهاجم النظام الرأسمالي باتت تواجه مزيدا من الصعوبات بسبب الأزمة المالية العالمية وقد تعجز عن محاصرة هذه الصعوبات بقواها الذاتية. هذا علي عكس ما هو الحال بالنسبة لبلدان السوق الحر. ويذكر، مثلا، أن نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة انخفض إلي 08.0% في عام 2001 بسبب الأزمة المالية التي عصفت بشركات الإنترنت الأمريكية، ولكن الاقتصاد الأمريكي استعاد نموه المعهود (3.7%) في وقت سريع نسبيا بحلول عام 2004 . وفي كل الأحوال فإن عدد أنصار ما يسمي بالنموذج الاقتصادي الانعزالي تزايد في روسيا أيضا في الفترة الأخيرة. حيث أعلن مؤتمر نظمه عدد من المنظمات اليسارية الروسية الأسبوع الماضي عن تأسيس ما يسمي ب "الجبهة اليسارية" التي سيشكل الشباب غالبية أعضائها؟ علي حد قول أحد مؤسسيها سيرجي اودالتسوف، زعيم "طليعة الشبيبة الحمراء". في الواقع ان الأزمة المالية العالمية الحالية لا يمكن أن ننسبها للنظام الاقتصادي الرأسمالي بشكل مطلق دون النظر لاعتبارات محلية داخل الولاياتالمتحدة ربما تكون بعيدة كل البعد عن النظام الرأسمالي الحقيقي الذي قام عليه الاقتصاد العالمي لسنوات وربما لقرون. ونظريات النظام الرأسمالي الاقتصادي وخاصة اقتصاد السوق الحر بريئة من الكثير من أسباب هذه الأزمة الحالية، فليس النظام هو سبب الأزمة بل الفوضي والأساليب غير الشرعية وغير المسئولة هي التي كانت وراء الأزمة. .ويجب الإشارة هنا إلي ان جذور الأزمة الحالية تعود إلي سياسة الانفلات المالية الأمريكية، التي بدئ بتطبيقها عام 1971 وأسفرت عن تخلي الإدارة الأمريكية عن التغطية الذهبية للدولار، وبلغت هذه السياسة أوجها في عامي 1983-1984 من عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريجان. التي تلخصت نظريته الاقتصادية في إطلاق العنان للسلطات المالية الأمريكية لطبع ما تشاء من الأوراق الخضراء دون غطاء إنتاجي حقيقي ولتخفيض سعر الفائدة الحاد والإفراط في الإقراض دون التدقيق في الجدارة الائتمانية للمقترضين، كل ذلك في سبيل تحفيز الاستهلاك والائتمان العقاري وتمويل السوق المعلوماتية الصاعدة و"حرب النجوم" الخيالية. وبما أن جل التعاملات الاقتصادية الدولية تُجري بالعملة الأمريكية، فإن الدولارات الجديدة، التي يتم إصدارها خلافا للمبادئ النقدية السليمة، تغادر الولاياتالمتحدة وتهيم في أسواق البلدان الأخري، ليعود الرأسمال الأمريكي المصدر علي الولاياتالمتحدة بأرباح هائلة لا أساس اقتصاديا لها علي حساب بقية بلدان العالم. .وبقي الأمر كذلك حتي نهاية التسعينيات، عندما اصطدم الأمريكيون بصعوبة إيجاد أسواق جديدة يصدّر إليها رأسمالهم المتراكم في ظل بدء تنامي اقتصادات الدول النامية وبلدان "بريك" - البرازيل وروسيا والهند والصين. حينئذ بدأت الأموال الفائضة تتجمع في القطاع المالي، حيث كانت تنتفخ "الفقاعات المالية"، وتنفجر أحيانا، كما حدث عام 2000 عندما انهارت سوق المعلوماتية للشركات الأمريكية العاملة في تقديم خدمات الإنترنت. وفاقمت الأزمة الحالية حيثية يتجاهلها المسئولون الأمريكيون المعاصرون، وتتمثل بازدياد شهية المجمع الصناعي العسكري الأمريكي النافذ، الذي حذر من خطره علي اقتصاد البلاد الرئيس الأمريكي العسكري الراحل دوايت إيزنهاور عام 1953. إذ بلغت النفقات العسكرية أرقاما مهولة في عهد جورج بوش الابن لتمويل الحرب في أفغانستان وغزو العراق. إنها الفوضي والجشع وليس النظام الرأسمالي في حد ذاته الذي تسبب في الأزمة.