صقور واشنطن.. أو رموز المحافظين الجدد في الولاياتالمتحدةالأمريكية أصبحوا هم أصحاب الفرار الحقيقي في إدارة الرئيس جورج بوش.. ويري الكثيرون من الخبراء والمراقبين السياسيين أن هذه المجموعة من السياسيين اليمنيين والتي تنتشر في كل المؤسسات الأمريكية، من البيت الأبيض إلي البنتاجون إلي وزارة الخارجية، هي المسئولة إلي حد بعيد عن أخطر القرارات التي صدرت في عهد بوش مثل الحرب ضد الإرهاب وغزو أفغانستان والعراق. ومن أبرز رموز هؤلاء المحافظين الجدد ريتشارد بيرل وديفيد فروم اللذان لعبا أدواراً بارزة في رسم ملامح السياسة الأمريكية الحالية علي الصعيدين الداخلي والخارجي، وهما مؤلفا أحد أهم الكتب التي صدرت في واشنطن منذ أسابيع وهو كتاب "نهاية الشر" (An End to Evil) كيف يمكن الانتصار في الحرب علي الإرهاب؟. الكتاب يعكس رؤية أمريكية شديدة التطرف للعالم بل هي بكل تأكيد رؤية عنصرية عدوانية تقوم علي أساس فكرة حمقاء مؤداها أن المحرك الوحيد للتوجهات السياسية الأمريكية يجب أن يكون هو مصالح الولاياتالمتحدة فقط، بصرف النظر عن أية اعتبارات أخري وبعيداً عن أي تفكير في مصالح ووجهات نظر الآخرين. وتتمثل أهمية الكتاب في نقطتين أساسيتين: الأولي أن الكاتبين من أهم أصحاب النفوذ في إدارة الرئيس بوش وتمثل آراؤهما الاتجاه السائد بين مجموعة المحافظين الجدد التي من المحتمل أن تقوم بتشكيل السياسات الأمريكية في السنوات الخمس القادمة، ويعملان حاليا في معهد المؤسسة الأمريكية الذي صار أحد أهم المراكز البحثية في واشنطن منذ وصول الرئيس بوش للرئاسة. وريتشارد بيرل هو أحد أعضاء مجلس سياسات الدفاع بالبنتاجون وكان رئيسا لهذا المجلس قبل استقالته ليصبح عضوا عاديا إثر فضائح مالية، وهو مساعد سابق لوزير الدفاع إبان سنوات حكم الرئيس ريجان، ويعتبر بيرل العقل المدبر لمشروع الحرب علي العراق. أما ديفيد فروم فهو كاتب سابق لخطابات الرئيس بوش المتعلقة بالسياسات الخارجية وهو صاحب خطاب "تحالف الشر الذي ضم كلا من إيران والعراق وكوريا الشمالية" واعتبرته إحدي الدوريات العام الماضي أحد أهم مائة شخصية مؤثرة في الولاياتالمتحدة. والنقطة الثانية هي أن توقيت طرح الكتاب الآن يتزامن مع بدء موسم الانتخابات الرئاسية في نوفمبر القادم، والتي تعد أهم المحاور التي تحكم التنافس بين الحزبين الأمريكيين الرئيسيين في جميع المجالات. ويعتبر الكثيرون في واشنطن أن كتاب بيرل وفروم بمثابة البيان الرسمي من المحافظين الجدد للصورة التي يجب أن تكون عليها السياسات الخارجية للولايات المتحدة في الأعوام القادمة حتي انتخابات عام 2008 في حال فوز بوش بولاية ثانية. ويطرح المؤلفان في كتابهما عدة أسئلة شديدة الخطورة من قبيل: 1 هل تأييد إقامة دولة فلسطينية مستقلة يصب في مصلحة الولاياتالمتحدة؟ 2 هل يجب العمل علي إزاحة النظام الحاكم في إيران؟ 3 هل يجب العمل علي إنهاء النظام البعثي في سوريا؟ 4 هل تعتبر كل من المملكة العربية السعودية وفرنسا من الأصدقاء أم المنافسين أوحتي الأعداء؟ 5 كيف يجب التعامل مع الأممالمتحدة؟ وماذا عن مبدأ الحرب الوقائية؟ 6 كيفية التعامل مع كوريا الشمالية؟ 7 كيف يمكن تطوير المؤسسات الأمنية الأمريكية لكي تصبح قادرة علي مواجهة الأخطار الجديدة؟ 8 أي التغيرات يجب القيام بها لتطوير عمل الجهات الأمريكية التي تتعامل مع العالم الخارجي؟ ويتناول الكتاب الإجابة عن السؤال الأهم في الدوائر السياسية والبحثية، وهو في ظل الانتصار العسكري الأمريكي علي كل من نظامي طالبان والرئيس العراقي صدام حسين.. ماذا يجب عمله لاستكمال الانتصار علي الإرهاب، وما الخطوات اللازم اتباعها لتحقيق مثل هذا النصر داخليا وخارجيا؟ ويري الكاتبان أن تحقيق هذا الانتصار يتم علي جبهتين أساسيتين الأولي هي الجبهة الداخلية والأخري هي الجبهة الخارجية، وعلي صعيد الداخل يمكن أن يتم ذلك من خلال: 1 تأمين الجبهة الداخلية الأمريكية: وفي هذا الإطار ينادي الكاتبان بالحاجة إلي تبني نظم جديدة تهدف إلي منع أي إرهابي من الوصول إلي الأراضي الأمريكية بالإضافة إلي منع تقديم أي نوع من الدعم المباشر أو غير المباشر للإرهابيين أو المشتبهين بالإرهاب، ويدعوان إلي تطبيق صارم لقوانين الهجرة والإقامة في الولاياتالمتحدة لدورها المهم كونها خط الدفاع الأول عن أمريكا. ومع هذا أقر الكاتبان صعوبة تطبيق هذه القوانين التي سمحت بدخول أيمن الظواهري الرجل الثاني في تنظيم القاعدة عام 1995 إلي أمريكا ومشاركته في جولات بالعديد من الولايات بهدف جمع الأموال لصالح القاعدة. ويري بيرل وفروم أنه لن يتسني تأمين أمريكا دون تبني بطاقات هوية جديدة تصدر من الجهات الأمنية المختصة وتصدر بهدف تحديد هوية جميع الأشخاص داخل الولاياتالمتحدة من مواطنين وغير مواطنين، كذلك يدعوان إلي تطوير منهج لتصنيف الإرهابيين المحتملين باستخدام أساليب تكنولوجية حديثة تستطيع خلق ملفات خاصة بكل إرهابي محتمل ومن يقومون بأنشطة مشبوهة تستطيع الأجهزة الأمنية النظر إليها عند الحاجة، ومع هذا دعا الكاتبان إلي حفظ خصوصية المواطنين وحقوقهم المدنية!! 2 الإصلاح الهيكلي والتنظيمي للمؤسسات الأمنية الأمريكية: وفي هذا الصدد استشهد الكاتبان بأن وكالة المخابرات المركزية تخلو من أي مسئول رفيع يتقن اللغة العربية، وبأن هناك نقصا شديدا في الخبراء بالمنطقة العربية والإسلام. وكذلك أشارا إلي أن استخدام الأساليب التكنولوجية الحديثة يجب ألا يقلل من أهمية العناصر البشرية في الأعمال المخابراتية. وفي إطار عمليات الإصلاح توقع الكاتبان مواجهة معارضة شديدة من الفرق البيروقراطية التي تدير هذه المؤسسات بعقليات الحرب الباردة، في إشارة إلي المواجهات في البنتاجون لعمليات التغيير والتطوير المرتبطة بالتعامل العسكري مع الأخطار الجديدة غير التقليدية. أما وزارة الخارجية فعليها التخلص من الأمراض البيروقراطية المتمثلة في ضرورة الحفاظ علي أكبر قدر من علاقات الصداقة الودية مع أكبر عدد من الدول، وبدلا من ذلك علي الجهاز الدبلوماسي الأمريكي أن يركز فقط علي إبراز القيم الأمريكية لهدف واحد هو خدمة تحقيق المصالح الأمريكية. أما علي الصعيد الخارجي فإن الإنتصار علي الإرهاب يتم من خلال العمل علي مستويين: 1 جبهة الدول: ويري الكاتبان أن العالم لم يعد مكانا آمنا للأمريكيين وأن الحكومة الأمريكية ليست في وضع يسمح لها بمواجهة الأخطار الكبيرة المحدقة بها ودعيا إلي التركيز علي الأنظمة التي تؤوي في صور عديدة أنشطة إرهابية مختلفة. فبخصوص المملكة العربية السعودية، علي الإدارة الأمريكية أن تبدأ بإعلان الحقائق المتعلقة بالدور السعودي وبما يسميانه بالمساعدات المإلية للجماعات الإرهابية وتوفير مأوي لهم، وكذلك يجب إعلان أسماء الممولين السعوديين وفرض عقوبات عليهم وعلي من يتعامل معهم ومنعهم من دخول الولاياتالمتحدة. وكذلك يجب أن تحل قضايا الإرهاب محل قضايا النفط في التعامل مع المملكة السعودية وإيضاح أن أي شيء عدا التعاون الكامل غير المشروط سيعرض النظام السعودي لعواقب وخيمة لا يستبعد معها دعم الأقلية الشيعية شرق البلاد الغني بالنفط في الانفصال!! وبخصوص إيران، يري المؤلفان أن علي الولاياتالمتحدة دعم الجماعات الإيرانية الهادفة إلي إزاحة نظام الملالي الذي يشن حربا إرهابية علي أمريكا بنفس الطريقة التي سبق وساعدنا بها الجماعات المعارضة في بولندا خلال الثمانينيات من القرن السابق عن طريق الدعم المالي والمساعدة بتوفير التكنولوجيا والمعلومات المتاحة. كذلك يجب أن نجعل الجماعة الدولية تركز علي سجل النظام الإيراني السافر في مجال حقوق الإنسان والسعي للحصول علي أسلحة نووية. أما بخصوص كوريا الشمالية فرأي الكاتبان ضرورة التعامل الصارم مع هذه الدولة بعزل ومحاصرة النظام في بيونج يانج وإرسال المزيد من القوات الأمريكية لشبه الجزيرة الكورية لإظهار الجدية اللازمة في التعامل مع النظام الكوري وحليفته الصين في توافر الخيار العسكري الأمريكي إذا تطلب الأمر. وأكبر مفاجآت الكتاب يأتي فيما يتعلق بفرنسا، فقد اعتبرها الكاتبان عدوا ويجب التعامل معها من هذا المنطلق. ففرنسا تدعو وتعمل لبناء أوروبا موحدة قوية تكون ندا ومنافسا للولايات المتحدة في الساحات الدولية بدلا من بناء أوروبا تشارك الولاياتالمتحدة في حماية ودعم تراث الحضارة الغربية. بالإضافة لذلك قام الكاتبان بتوبيخ حكومة الرئيس الفرنسي شيراك علي ما أسمياه بغبائها في التعامل مع الأزمة العراقية، وأكدا أن فرنسا تسير بخطوات منظمة في اتجاه المزيد من العزلة حتي داخل أوروبا. وفي هذا الإطار يجب إعادة تشكيل نظام التحالف الأمريكي الأوروبي بما يضمن سهولة مواجهة المخاطر الجديدة. ويري الكاتبان أن التطرف الإسلامي ليس ديانة بل هو أيديولوجية تجب مواجهتها من خلال حرب مختلفة للتعامل مع القيم والمبادئ التي ينادي بها، وحتي الآن لم تستطع الولاياتالمتحدة تحقيق انتصارات موازية لانتصاراتها العسكرية. ويؤكد المؤلفان أن حرب المبادئ ليست حرب كلمات تستطيع الولاياتالمتحدة الانتصار فيها عن طريق البروباجاندة الجيدة والإعداد للتأثير علي عقول وقلوب العرب والمسلمين بل عن طريق الضغط المتواصل والاستثمار الجاد في سبيل نشر مبادئ الحرية والمساواة الأمريكية ذات الصبغة العالمية مثل نشر مبدأ حرية التجارة والاقتصاد المفتوح وتدعيم حقوق المرأة واحترام حقوق الإنسان. والعمل علي نشر هذه المبادئ سيؤدي إلي خدمة المصالح الأمريكية. وفي الختام يطرح الكاتبان ما اعتبره الكثيرون خطوطا عامة لسياسة الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بالشئون الأمنية، إذا فاز بوش، في السنوات الخمس القادمة وتتمثل في: إنهاء الأوهام القائلة إن قيام دولة فلسطينية سيدعم بأية وسيلة الأمن القومي والمصالح الأمريكية، وتدعيم الجهود الهادفة إلي إزاحة النظام الحاكم في إيران، والقضاء علي النظام البعثي في سوريا، ومواجهة أخطار المملكة العربية السعودية المهددة للولايات المتحدة، واعتبار فرنسا عدوا للولايات المتحدة، ومطالبة الأممالمتحدة بإعادة كتابة ميثاقها بما يمكن الولاياتالمتحدة من الدفاع عن النفس ضد الأخطار الإرهابية والاستعداد للانسحاب منها إذا لم تتجاوب مع المطالب الأمريكية، و الاستعداد لفرض حصار عسكري علي كوريا الشمالية إذا لم تفلح الجهود الدبلوماسية في إنهاء برامج الأسلحة النووية، و التشدد في مسائل الهجرة والإقامة مع إصدار بطاقة هوية موحدة لكل الموجودين علي الأراضي الأمريكية من أمريكيين وغيرهم، و إصلاح وتطوير القوات المسلحة ووكالة المخابرات المركزية ومكتب المباحث الفيدرالية بما يمكنها من مواجهة أخطار الإرهاب الدولي.