جاء تعيين الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش رسميا جون بولتون (أحد صقور المحافظين الجدد) في منصب المندوب الأمريكي لدي الأممالمتحدة، دون انتظار موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي علي التعيين بمثابة المفاجأة للكثيرين في واشنطن. ورغم تمكن الديمقراطيون في مجلس الشيوخ الأمريكي من تأجيل التصويت علي ترشيح الرئيس الأمريكي جورج بوش لجون بولتون لتولي منصب السفير الأمريكي في الأممالمتحدة لعدة أشهر، إلا أن الرئيس استغل سلطاته وأحبط جهود لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشيوخ التي رفضت المصادقة علي ترشيح بولتون الذي توجه إليه اتهامات بالسلوك المتنمر والغرور. ويجيء كتابنا ليستعرض صعود المدرسة الفكرية التي يمثلها بولتون. والكتاب إضافة مهمة لأنه يقدم ربما للمرة الأولي تحليلا علميا راقيا لصعود المحافظين الجدد في الأعوام العشرين الأخيرة وسياسة الخطوة خطوة التي مكنتهم من السيطرة علي جميع أوجه السياسة في الولاياتالمتحدة بعد وصول جورج بوش الابن إلي البيت الأبيض. وقد التقيت بجوثانان كلارك احد مؤلفي الكتاب في ندوة عقدت بالمؤسسة الأمريكيةالجديدةبواشنطن ودار حوار ساعد كثيرا في استجلاء أفكار كتابه الجديد. قال كلارك إن الحركة ركزت منذ وصول بوش إلي البيت الأبيض علي جزئية صناعة السياسات والتحكم في المناصب الحيوية وتحديدا منصب نائب الرئيس. ويشير كلارك إلي أن حرب العراق قد أظهرت حدود القوة الأمريكية وليس قدرات هذه القوة مثلما يتخيل اليمين الأمريكي المحافظ وان المصالح الخاصة باتت تمثل خطرا علي السياسة الخارجية الأمريكية في هذه المرحلة. ويؤكد أن امن إسرائيل يقع في قلب حركة المحافظين الجدد وان كان هذا الأمر يتجاوز في جوهرة الخلافات الحزبية في الولاياتالمتحدة. ويقول إن الايدولوجيا لها دور مركزي في مسار الحركة إلا أن صعود هذه الحركة ساعد في استمرار حالة عدم الفهم لقضايا الشرق الأوسط في الولاياتالمتحدة حيث لا يوجد بين أنصارها عدد كاف من المتخصصين في اللغة العربية أو انثروبولجيا المنطقة أو من يمتلكون رؤية متماسكة عن هذه المنطقة. ويقول كلارك إن المحافظين الجدد قد ارسوا قواعد لهم يمكن أن تستمر لسنوات حتي لو خسروا الانتخابات القادمة في الولاياتالمتحدة . ويشير إلي أن حركة المحافظة الجديدة تدور أفكارها في ثلاثة محاور أساسية وهي: - الإيمان- من منطلق ديني- أن الأوضاع الانسانية تُحدد وفقا للصراع بين الخير والشر وان القياس الحقيقي للشخصية (السياسية) هو ما إذا كانت عازمة علي مواجهة قوي الشر من خلال تفعيل قوي الخير في السياق المشار إليه. - العلاقة بين الدول تحدد بناء علي القوة العسكرية وحدها والاستعداد لاستخدام هذه القوة وان العلاقة تتوقف علي طريقة استخدام القوة العسكرية. - التركيز الأساسي علي الشرق الأوسط والإسلام العالمي باعتبارهما المسرح الرئيسي لمصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية الخارجية أو عبر البحار. وإذا كان المحافظون الجدد قد وضعوا هذه الثوابت في طور التنفيذ فإن هناك حقائق أساسية وهي: . تحليل القضايا العالمية في صورة الأبيض والأسود أو ما يمكن وصفه بالفصل التام بين الخير والشر في تصنيف أخلاقي قاطع، في هذا الشأن يري المحافظون الجدد إنهم وحدهم الذين يملكون القدرة علي تحديد مدي الالتزام بالأخلاق وان الخلاف معه لابد أن يسفر عن هزيمة الطرف المضاد. التركيز علي أحادية القوي الأمريكية والاعتماد علي القوي العسكرية باعتبارها خيارا أول وليس خيارا أخيرا في السياسة الخارجية الأمريكية. ويري التيار أن دروس فيتنام توفر الذريعة للحديث عن أولوية القوي العسكرية حيث أن أمريكا المترددة في استخدام القوة العسكرية انتهي بها الحال إلي هزيمة في أحراش فيتنام، في الوقت الذي يمتدح فيه المحافظون الجدد ما يسمونه "دروس ميونخ" عندما كان حسم خيار المبادرة العسكرية واضحا. والتقليل من مكانة وكالات الدبلوماسية التقليدية مثل وزارة الخارجية الأمريكية والمؤسسات التي تتبني التوجهات نحو عالم متعدد الأطراف وتدعم المؤسسات الدولية غير العسكرية. وطالما أن هناك حالة عداء مع المنظمات الدولية غير العسكرية الطابع فمن الطبيعي أن تكون هناك حالة عداء للاتفاقيات والمعاهدات الدولية. فالمحافظون الجدد هم أصحاب الاتجاه نحو الأحادية وجميع أفعالهم تصب في هذا الاتجاه منذ سنوات. الحركة تنظر إلي إدارة الرئيس الراحل ريجان باعتبارها الإدارة التي اجتمعت فيها كل الخصال الحميدة من وجهة نظر المحافظين الجدد وبالتالي أصبح ميراث ريجان هو الدستور التقليدي بالنسبة لهم. ومع الثوابت والتطبيقات التي اعتمدت عليها حركة المحافظين الجدد نجد أن الحركة أصبحت في مواجهة مع الأطراف التالية: العالم الإسلامي في الوقت الحالي ولا يعلم احد من التالي. حلفاء الولاياتالمتحدة والأصدقاء الذين يمكن احتواؤهم عن طريق منظمات دولية الطابعوعلي عكس ما دعا إليه عالم السياسة الشهير جوزيف ناي عن استخدام القوة الناعمة والتي تعني إقناع الآخرين بما تريده دون ممارسة وسائل عنيفة أو التلويح بها، فان حركة المحافظين الجدد تفرغت في سنوات التسعينات للدعوة إلي تفعيل القوي الخشنة في الخارج في الوقت الذي كانوا يستخدمون فيه وسائل الترغيب في الداخل من خلال بناء شبكة علاقات مع قوي سياسية أخري، ومن ابرز ما قامت به هذه الحركة هو بناء مؤسسة دفاعية (عسكرية) في الظل من خلال مجموعات من الخبراء والباحثين في مراكز البحث الأمريكية لتوفر البدائل الممكنة في السياسة الخارجية. والمعلوم أن هذه المراكز تحظي بدعم هائل من الكثير من المتبرعين والأثرياء في الولاياتالمتحدة وتقوم بإصدار أوراق عمل وخطابات مفتوحة آلي الرؤساء الأمريكيين بالإضافة آلي استضافة مؤتمرات وندوات تحضرها أسماء بارزة في واشنطن، وبالطبع ينتقل الكثير من هؤلاء الخبراء آلي مواقع السلطة بعد أي تغيير في البيت الأبيض. ومن أهم الروابط التي سعي المحافظون الجدد آلي التأكيد عليها من البداية هي تلك الرابطة القوية مع شبكات الأخبار التليفزيونية الوليدة وبرامج التوك شو الحوارية السياسية في المحطات الإذاعية التي تتميز بنسبة إقبال من المستمعين الموالين للتيار المحافظ علي عكس البرامج التلفزيونية التي تجذب إليها في معظم الأحوال المؤيدين للأفكار الليبرالية. كما أن الحركة نجحت منذ البدايات الأولي في الارتباط بعلاقة قوية مع المجموعات المتوافقة معها في الآراء من أبناء الطائفة البروتستانتية. وإذا كانت حالة المحافظين الجدد تستلزم استراتيجيات محددة لتحقيق أهدافها فان السعي وراء الحصول علي دعم من الإعلام وخاصة وسائل الإعلام الخبرية كان هو الهدف المنشود لبناء ملف تذهب به الولاياتالمتحدة إلي العراق وإقناع الرأي العام الأمريكي بان هناك ضرورة تستوجب دخول الحرب وقد أثبتت الاستطلاعات التي أجريت في المدة ما بين يناير وسبتمبر 2003 وجود تحول ونجاح ملحوظ للمحافظين الجدد في تقديم القضية للرأي العام الأمريكي بغض النظر عن عدالتها أو أخطائها. ووفقا لنتائج التحليل التي قامت بها مراكز متخصصة فان نتائج استطلاعات الرأي الأمريكي أيدت ثلاث نتائج واضحة: 1 غالبية الأمريكيين لديهم انطباع خاطئ عن الحرب في العراق 2 أن التصورات الخاطئة تعود إلي خلق هذا الدعم الشعبي الكبير للدخول في الصراع مع العراق 3 مصدر التصورات الخاطئة يأتي_ علي نطاق واسع_ من منافذ إعلامية محددة 4 والملاحظ أن المحافظين الجدد قد استفادوا كثيرا من فترات التحضير التي أعقبت نهاية الحرب البادرة من حيث تجهيز الميديا لبرامجهم السياسية لتكون علي أهبة الإطلاق فور إحكام القبضة علي صناعة القرار. وجاءت الفرصة سانحة بعد هجمات 11 سبتمبر في الولاياتالمتحدة لتبدأ عملية تغذية واعية للداخل الأمريكي بسلامة أقوالهم والتدابير التي يجب اتخاذها للحفاظ علي امن الولاياتالمتحدة. اسم الكتاب: أمريكا وحدها: المحافظون الجدد والنظام الدولي The Neo-Conservatives and the Global Order: America Alone المؤلفان:STEFAN HALPER & JONATHAN CLARKE