المخطيء وفي كل بلاد الدنيا يحاسب علي خطئه ويلقي جزاءه.. والمجتهد المجد المخلص ينال ما يستحق من تقدير ومكافأة كادت كارثة مزلقان مطروح تتكرر عندما اقتحمت سيارة نقل مزلقان دشنا قبل دقائق من مرور القطار ولكن تدخلت "العناية الالهية" ومنعت وقوع الحادث! وقد فاقت معالجة الخبر حزني علي مضمونه.. فنحن دون شعوب خلق الله بتنا محسورين بين "تفسيرين" لما يجري حولنا بل وما تقترفه ايدينا هما: القضاء والقدر.. والعناية الالهية ان سقوط نحو تسعة آلاف مواطن سنويا ضحايا حوادث الطريق واصابة ما يقرب من مائة واربعين ألفا لا علاقة له بأمور جوهرية وبديهية عديدة منها اصلاح الطرق وصيانة السيارات خاصة سيارات النقل ومقطوراتها القاتلة التي تربطها بالسيارة احيانا خيوط عنكبوتية واهية، أو فرض رقابة حقيقية علي منح تراخيص القيادة التي يستخرج الكثير منها ببركة "المعلوم" أو التحقق من حالة سائق النقل الذي يقتل باستهتاره أو بغيابه عن الوعي لتعاطي المخدرات عشرات الابرياء ويخرب بيوتهم ويحيل حياتهم الي حالة اتشاح بالسواد والضياع واللوعة والقهر.. بدلا من ذلك كله فاننا نرفع شعار "القضاء والقدر" وبحيث تخرس كل الألسنة التي تطالب بالوقوف بجدية علي اسباب القصور والتقصير لتلافيها.. ولا تستغرب اذا قذفك كثيرون - الآن - بالكفر اذا ما تهورت واشرت بأصابع الاتهام الي الاهمال أو الغش، حتي عندما يطال الغش الغذاء والدواء والتعليم الي ان وصل الي البنزين! اما اذا "فلتت" ضحية من حالة الموت الي حالة الاصابة الخطيرة في مثل هذه الحالات فإن ذلك يعزي فورا الي العناية الالهية وهكذا. كما اشار الصديق سعد هجرس في مقال رائع له بهذا الخصوص وشماعة القضاء القدر موضحا ان القضاء والقدر ينسب الي كوارث لا دخل للانسان واهماله واستهتاره فيها مثل الاعاصير والصواعق والبراكين وغيرها اما عندما تكون الكوارث بفعل الانسان المطمئن مسبقا الي التبرير الجاهز وهو القضاء والقدر فإن المخطيء وفي كل بلاد الدنيا يحاسب علي خطئه ويلقي جزاءه.. والمجتهد المجد المخلص ينال ما يستحق من تقدير ومكافأة وما دعاني الي التشديد علي خطورة هذه الحالة "الذهنية" التي سكنتنا حكاما ومحكومين وكأننا "أشياء" بلا ارادة أو عقل، هو ما تردد مؤخرا حول العمارات الآيلة للسقوط في جميع المحافظات وبما ينبيء بأن عمارة لوران الشهيرة بالاسكندرية والتي انهارت علي رؤوس سكانها وذهب ضحيتها العشرات سوف تتكرر لا محالة.. فقرارات الازالة الصادر بعضها منذ أكثر من عشر سنوات لا تجد من ينفذها لان المنفذ "تفاهم" مع صاحب المصلحة وكذلك قرارات الترميم التي تنعي من اصدرها بانتظار ان ننعي نحن ضحايا الاهمال والتسيب والرشاوي ونقيم سرادقات العزاء في المساجد والكنائس والبيوت وقبل ذلك كله في القلوب.. لان سكان مثل هذه الابنية ضحايا محتملون والمسئول طبعا القضاء والقدر وفي حالة نجاة طفلة أو امرأة أو شيخ من بين الانقاض فإن ذلك كما نعرف جميعا بفضل العناية الالهية وقد رأينا ان حادث مزلقان مطروح كاد ان يتكرر بعدد أكبر كثيرا من الركاب.. الضحايا بعد ايام معدودة وليس سنوات أو اشهر أو حتي اسابيع، وهو ما يعكس وضعا بالغ الخطورة علي مستقبل بلدنا ومستقبل ابنائنا واحفادنا، بمصر التي كانت مثالا يحتذي في النظام والالتزام واحترام القانون وحق الانسان في الحياة، مصر التي تؤمن الاغلبية الساحقة فيها بالآية الكريمة ان الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم استكان اهلها لمفاهيم مدمرة تحت ستار "الايمان" الشديد بأن كل ما في حياتنا مكتوب واننا لا خيار لنا، فلا داع اذن لاصلاح طرق أو ترميم منازل أو منع غش الأدوية والغذاء أو اي سلوك سلبي ينعكس موتا وتدميرا علي الابرياء، علما بأن الآية الكريمة واضحة وصريحة.. وتقول لنا بأجلي المعاني اننا مطالبون بتغيير انفسنا حتي يغيرالله ما ابتلينا به في العقود الاخيرة.. وبهذا يصبح التنصل من الواجبات والمسئوليات تذرعا بالقضاء والقدر غير مقبول فقد امرنا الخالق عز وجل بأن نغير ما يستوجب التغيير.. اي نعمل اللي علينا والواقع يؤكد ان "اللي علينا" كثير جدا جدا.. فلا احد في العالم كان سيصدق اننا نحن المؤمنين بالقضاء والقدر لنا في كل اسبوع كارثة دموية لان حادث مزلقان دشنا بقنا الذي امكن تفاديه بفضل يقظة رجال الشرطة كان سيصحبه دوي هائل وعلي المستوي العالمي لان ركاب القطار كانوا من السواح الاجانب والذين تهتم بهم أوطانهم دونما حاجة لان يكونوا "ابن مين"؟ وقبل ان ينطق احدهم بالعبارة المقيتة انت ما تعرقش انا مين.. أو ابن مين؟ وتلك آفة اخري رهيبة من آفات زماننا.