بصورة ما، كان عام 2007 هو عام إيران في الشرق الأوسط، فقد اجتاحت تأثيرات العامل الإيراني منطقة شرق الإقليم، بمستويات مختلفة، وحددت إيقاع الحركة فيها، سلما أو عنفا، لكن ليس هناك يقين بنفس الدرجة، فيما إذا كان هذا العام هو بداية النهاية لما يعتبر منذ فترة، الحقبة الإيرانية، أم أن "العرض الكبير" لم يحدث بعد. إن ذاكرة الشرق الأوسط مع تأثيرات صعود قوي إقليمية علي شكل المنطقة، خلال فترات تاريخية مختلفة، يمكن أن توضح ما الذي قامت به إيران بالضبط في الإقليم خلال السنوات الثلاث الماضية، وصولا إلي العام الحالي، الذي شهد ذروة تأثيرات سياساتها في اتجاهات دفعت عموما نحو تفاقم الصراعات بالمنطقة. لقد كانت مشكلة الدول الرئيسية في المنطقة دائما هي أنها تفهم "الأدوار الإقليمية" علي أنها القدرة علي تغيير الأوضاع الإقليمية في اتجاهات صراعية في الغالب، فلم يحدث أن ظهرت في الشرق الأوسط دول تدفع في اتجاهات تعاونية أو تقدم نماذج إصلاحية، كما حدث في أوروبا الغربية وجنوب شرق أسيا، وحتي عندما حدث ذلك أحيانا، كانت الوسائل المستخدمة تدفع الإقليم في اتجاهات أسوأ مما هو قائم بالفعل. إن سنوات الخمسينيات والستينيات كانت تمثل الحقبة المصرية، بما ارتبط بها من صعود صاروخي للمد القومي العربي، وانفجار الحروب النظامية واسعة النطاق مع إسرائيل، وسياسات المواجهة الاختيارية أو الإجبارية مع الغرب، مع ظهور ماسمي "الحرب الباردة العربية" في نفس الوقت، وانتهت تلك الحقبة بهزيمة مروعة عام 1967، استمرت بعدها بعض التأثيرات المصرية، لكن كانت هناك حقبة أخري قد ظهرت. كانت السبعينيات هي سنوات السعودية التي اتسمت حسب التوجهات السائدة بصعود تأثير العامل النفطي علي العلاقات الإقليمية، وبدايات انتشار الأصولية في الشرق الأوسط، واتجاه علاقات المنطقة نحو منطق الصفقات التي تهدف عموما إلي احتواء سلوكيات الدول، قبل أن تدخل المنطقة حالة ركود في الثمانينيات تخللتها تأثيرات إسرائيلية. في عام 1990 كانت المنطقة علي وشك دخول حقبة عراقية، ربما كانت ستمثل الفترة الأسوأ في تاريخها، فقد كان ثمة توجه لاستخدام القوة المسلحة أو سياسات الابتزاز ضد الدول المجاورة، وتصور لإمكانية ممارسة زعامة مطلقة في الإقليم، مع تشكل محاور إقليمية عربية تعيد الحروب الباردة مرة أخري، في ظل مواجهة حادة أو صفقات دولية مع العالم، لكن تلقي العراق أيضا هزيمة مروعة عام 1991، لتدخل المنطقة حالة من التدويل في ظل سيطرة العامل الأمريكي. وصلت المنطقة في النهاية إلي بوابة إيران، وهناك تصور بأن الدور الإقليمي قد سقط بين قدمي طهران بدون جهد كبير، فماحدث هو أن حالة الفراغ الإسترتيجي التي خلفها انهيار العراق إثر غزو الولاياتالمتحدة له عام 2003، وحالة الشلل التي أصابت ما اعتادت القنوات الفضائية علي تسميته "النظام العربي الرسمي"، إضافة إلي الارتفاع المفاجئ في أسعار النفط علي نحو وفر موارد مالية كبري، قد أدت إلي بداية الحقبة الإيرانية، فقد وجدت إيران أمامها منطقة خالية قامت بدخولها. لكن ذلك ليس صحيحا تماما، فقد كانت إيران قد استعدت جيدا لفترة مابعد صدام حسين في العراق، وحاولت تجاوز حدود الإقليم نحو مناطق مختلفة في ظل "المد الثوري"، وكانت قد بذلت جهدا ضخما، علنا وسرا، لامتلاك قدرات نووية، وبالتالي فإنها كانت الطرف الأكثر استعدادا للتقدم عندما بدا أن الإقليم ينهار تحت ضغط المحافظين الجدد في واشنطن. كانت لدي إيران أدوات فعالة ظهرت أهميتها فيما بعد، إذ كانت قد تبنت بعض القوي السياسية العسكرية العراقية خلال الثمانينيات، وأتاحت لها مواردها الكبيرة إتباع دبلوماسية الأموال علي نطاق واسع، علي نحو ماتوحي مسألة الدعم المالي لحزب الله في لبنان وحماس في فلسطين، كما كانت ارتباطاتها التي هي محل جدل ببعض فئات الشيعة في المنطقة العربية توفر لها قاعدة قوة، إضافة إلي نشاطات الحرس الثوري الذي يمثل "دولة داخل الدولة الإيرانية". حسب بعض التحليلات الإقليمية، فإن طبيعة التوجهات الإيرانية ذاتها، كانت واحدة من عناصر قوتها، فتكلفة تغيير الأمر الواقع في المنطقة، أقل وأسهل بكثير مماهو مطلوب للحفاظ علي الأمر الواقع داخل الدول التي تستهدفها إيران، وهي المعضلة التي واجهت القوي العربية التقليدية كالسعودية ومصر، التي كانت تحاول بصعوبة تحييد تأثيرات سياسة إيران، دون جدوي، علي الأقل بالنسبة للعراق. إن ملامح الحقبة الإيرانية كانت شديدة الوضوح في الشرق الأوسط، فقد أتسمت تفاعلات الإقليم بتصاعد التدخلات في الشئون الداخلية للدول الأخري، وصعود المشكلات المذهبية داخل المنطقة، فلم يحدث أن أثيرت المسألة السنية الشيعية بهذا المستوي، وبدأ ظهور مايسمي "الفاعلين الذين هم ليسوا الدولة" في المنطقة، وتفاقم بعض الأزمات الداخلية في العراق ولبنان وغزة، ومخاوف من جولة جديدة من الانتشار النووي في الشرق الأوسط. كانت هناك بالتأكيد ملامح حادة لأوضاع إقليمية لم تكن مرتبطة تماما بتصاعد النفوذ الإيراني، كتنامي إرهاب القاعدة علي ساحة المنطقة، في العراق ولبنان والأردن وسيناء وشمال إفريقيا، بل بدا أن القاعدة في العراق تعتبر أن إيران من ألد أعدائها، كما أن الاحتجاجات الجماهيرية التي تصاعدت داخل الدول لم تكن تحمل أية تأثيرات إيرانية، وهو مايشير إلي أن تأثيرات "قادة الحقب" لم تعد كما كانت عليه. إن الإقليم قد أصبح أوسع كثيرا من قدرة أي فاعل واحد علي التأثير في شئونه، خاصة مع استمرار حالة التدويل غير المسبوقة لما يحدث فيه، لكن المؤكد أن إيران تعتبر في العراق علي الأقل الدولة الثانية الأكثر نفوذا بعد الولاياتالمتحدة، كما أنها تمارس في لبنان دورا لايمكن تجاوزه من خلال ارتباط حزب الله مذهبيا وسياسيا وماليا بها، وقد تمكنت من دخول غزة عبر مالايقل عن 250 مليون دولار.