من أكثر ما يلفت الانتباه ضمن المؤشرات علي التطورات المتلاحقة في الساحة السياسية اللبنانية ذلك التطور في مواقف التيارات السياسية المسيحية من إيران والعلاقة معها, والانفتاح الإيراني في المقابل علي مختلف القوي المسيحية بعد وقت طويل عبرت خلاله تلك القوي عن التوجس من الدور الإيراني واتهامه بهز استقرار لبنان عبر دعم حزب الله, وانتهي بالإقرار بوجود دور لإيران في دعم وحدة وسيادة واستقرار واستقلال لبنان! فبالنسبة لحزب الكتائب بزعامة الرئيس الأسبق أمين الجميل, وبعد فترة قصيرة من التعبير عن القلق, من زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد للبنان في شهر أكتوبر الماضي, زار الجميل السفارة الإيرانية في بيروت, وأبدي ارتياحا لنتائج زيارة نجاد, وأخيرا أعلن تلقيه دعوة لزيارة طهران وعد بتلبيتها قريبا, وأردف بأن العلاقات الإيرانية اللبنانية شاملة وتحتضن كل فئات الشعب اللبناني علي حد قوله أي ليس حزب الله فقط, معتبرا أنه من المهم العمل علي تطوير هذه العلاقات بما يخدم مصالح الشعبين. وزاد الجميل علي ذلك بإدانة محاولات زعزعة استقرار إيران وجرائم اغتيال علمائها النوويين, معربا عن ثقته في أن مثل هذه الجرائم لم تدفع إيران للتراجع عن امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية باعتبار ذلك حقا أصيلا لها. هذه اللهجة الإيجابية في الخطاب السياسي لزعيم الكتائب امتدت إلي رؤيته لزيارة رئيس الحكومة سعد الحريري الأخيرة إيران بوصفها مؤشرا مهما وتمثل رمزية خاصة, ربما في إشارة إلي استقبال الدولة الشيعية بحفاوة وحميمية لزعيم السنة في لبنان. ويضفي علي هذه اللهجة دلالات رمزية أخري اقترانها بتأكيد الجميل أن الكتائب يحتفظ بحرية حركة بعيدا عما سماه هو التقوقع في فريق14 آذار( الأكثرية), وإشارته إلي أنه لا يستبعد فرضية اتهام إسرائيل في اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري. وتشهد تصريحات زعيم الكتائب إطلاق سلسلة من المواقف الإيجابية تجاه إيران, فهي حسب وصفه ليست دولة كبيرة فقط في المنطقة بل ومؤثرة ولها صداقات قوية جدا علي الساحة اللبنانية تتجاوز الطائفة الشيعية وتشمل معظم مكونات المجتمع اللبناني, ويؤكد الجميل من ناحيته في هذا الصدد أن حزب الكتائب يشجع التطورات في اتجاه تعزيز العلاقات بين البلدين علي مستوي المؤسسات, ويعتبر ذلك نقلة نوعية في العلاقة. علي هذا النحو كيف يري الجميل إيران التي استقبلت قبل زيارته المرتقبة الوزير الكتائبي في الحكومة سليم الصايغ؟.. الإجابة علي لسان الجميل هي أن إيران فرضت دورها علي الساحة الشرق أوسطية من خلال موقعها المؤثر وعلاقاتها السياسية والاستراتيجية والاقتصادية التي نسجتها مع معظم دول المنطقة, الأمر الذي حقق لها موقعا متقدما علي الساحة الإقليمية عامة.. وفي لبنان بصورة خاصة لاسيما في الآونة الأخيرة. فخلال هذه الآونة كان هناك فريق لبناني هم سنة لبنان يقف علي مسافة من إيران بسبب الخلافات الداخلية, لكن زيارة سعد الحريري لطهران وهو ابن الشهيد رفيق الحريري وزعيم سني كبير جاءت من وجهة نظر الجميل لتؤكد أن العلاقة بين الدولتين هي علاقة شاملة. ومن ثم فإن الحوار الإيراني مع فريق مسيحيي( الكتائب في هذه الحالة) مرحب به في إطار تبادل وجهات النظر بشفافية وواقعية حيث, يعرب الجميل عن أمله في أن يتم الأخذ بوجهة نظر الحزب باعتبارها تمثل موقف شريحة كبيرة من اللبنانيين لابد من احترام رأيها, ولكون ذلك يمكن أن يؤسس مدخلا لتفاهم طويل الأمد علي حد قوله . بطبيعة الحال; فإن التطورات الداخلية لاسيما في مرحلة ما بعد القرار الاتهامي في قضية اغتيال رفيق الحريري, إلي جانب المتغيرات الدولية والإقليمية أسهمت في وجود وتطوير هذا الحوار بين إيران وحزب الكتائب بزعامة الجميل الذي يعيش أقارب وأبناء عمومة له في إيران. وبالنسبة لحزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع, فقد أعرب الأخير عن الاستعداد لفتح صفحة جديدة في العلاقة مع إيران بعد توتر منذ الثمانينيات من القرن الماضي علي خلفية اتهام إيران له بخطف أربعة دبلوماسيين إيرانيين في بيروت خلال الحرب الأهلية وتسليمهم لإسرائيل, وهي القضية التي كان نجاد قد أثارها خلال زيارته لبنان وبسببها لم يلتق مع جعجع, إلي جانب من انتقاهم من القيادات السياسية اللبنانية, وجدد السفير الإيراني في بيروت غضنفر ركن أبادي ربط العلاقة مع جعجع بحلها. لكن جعجع أكد من جانبه أن أبواب معرابي( حيث مقره) مفتوحة أمام السفير الإيراني, وفي ما يعد رسالة للإيرانيين يؤكد جعجع أنهم لا يعرفون تماما المعرفة مصير الدبلوماسيين الأربعة وأنه ليس له علاقة بهذا الملف الذي تمت التحقيقات فيه بلبنان والخارج وأطلع الجانب الإيراني علي نتائج ما أفضت إليه هذه التحقيقات, مستغربا أن يوجه الاتهام إليه مجددا. أما بالنسبة للتيارات السياسية المسيحية الرئيسية الأخري وفي مقدمتها التيار الوطني الحر بزعامة العماد ميشال عون وتيار المردة بزعامة سليمان فرنجية, فقد سبقا الآخرين إلي إيران, فعون زعيم الجناح الثاني الرئيسي في المعارضة, إلي جانب حزب الله, زار طهران العام الماضي وتم استقباله استقبالا مميزا, كما زار فرنجية طهران الشهر الماضي, فيما كانت السفارة الإيرانية في بيروت مفتوحة أمام النائبة نائلة معوض حرم الرئيس الراحل رينيه معوض ونجلها السياسي الشاب ميشال معوض في إطار الانفتاح المتبادل بين القوي السياسية المسيحية في لبنان والجمهورية الإسلامية الإيرانية علي الآخر. وتأتي هذه التطورات في العلاقة بين إيران وهذه القوي المسيحية فصلا في كتاب العلاقات الإيرانية اللبنانية بالتوازي مع تطور العلاقة بين إيران من ناحية والطائفة السنية والزعيم السني سعد الحريري من ناحية أخري, فالأخير أقر أيضا ب أن لإيران دورا في دعم استقرار لبنان, وذهب إلي الدعوة لفتح صفحة جديدة في العلاقات العربية الإيرانية برمتها لإزالة ما سماه الهواجس المتبادلة, وسواء كان ذلك ينطلق من رؤية استراتيجية أم من ضرورة ظرفية, فالثابت هو أن الحريري سيزور إيران الشهر المقبل للمرة الثانية لرئاسة وفد لبنان في اللجنة العليا المشتركة التي تم تأسيسها كأحد مؤشرات التطور في العلاقة, أما فصل الخطاب فهو قول( الحريري): لقد قطعت الشك باليقين.. إيران دولة صديقة.. وتريد الخير للبنان.. ولبنان لن يكون طرفا في يوم من الأيام في صف أعدائها.